هو المكان الذي أذهب إليه عندما أشعر فيه بأنه يحتضن آلامي وحيرتي.. انه مكان علي شاطيء النيل.. بعيدا عن العيون.. والضوضاء.. أجلس فيه وحيدا في لحظات التفكير والسكون من حولي يزيد الصمت.. صمتا.. وأمامي حركة هادئة من أمواج النيل الأكثر هدوءا.. وهي تلامس شاطيء النيل حيث أجلس في مكاني الذي أجلس فيه دائما.. مع وحدتي.. وأنا أنظر إلي القمر وضي القمر الذي يلامس سطح المياه.. وها هو القمر يبدأ في رحيله.. وهو الآن ليس في دائرة شكله المتكامل.. ولكنه يبدو بشكل الهلال الذي ينبيء بقرب موعد رحيله.. وأنا احتفل بصمتي برحيله.. وكأني احتفل بعيد ميلاده.. وفي انتظار عودته في موعده كل شهر.. لأعيش معه في ضي القمر الجديد لألتقي معه ويدور بيني وبينه الحوار الذي هو.. صمت الكلام.. والليل.. وصمت المكان.. شاهدت صديقتي الفراشة.. تأتي من بعيد.. تحمل في يديها شموعا تضيء المكان حولها.. وهي في ردائها الأبيض.. وتتقدم سيرا علي مياه النيل.. لتستقر أمامي.. وتضع الشموع حولي علي شاطيء النيل.. ووقفت أمامي.. ناظرة إلي.. وأنا في حيرتي.. وسؤالي الصامت الذي دائما ما نسمع كلامه.. وتأتي لتجيب علي كل أسئلتي التي اعانيها.. لماذا هذا الصمت.. ولماذا تلك الوحدة التي فرضتها علي نفسك الليلة.. يا صديقي؟ في ليلة الاحتفال بعيد مولدك؟. وهذا كان سؤالها الذي أجبت عليه بصمتي!!. قالت لي.. بعد أن تقدمت بخطواتها نحوي.. حيث أجلس.. أعلم لماذا هذا الصمت؟ ولماذا الاحتفال بعيد ميلادك بالسنوات التي مرت.. وأملا في السنوات التي ستأتي.. أعلم أنك تصاب بشيء من حيرة هذه.. الاحتفالات بأعياد ميلادك.. انها يا صديقي ليست احتفالات سطحية بتجمع كبير من الأصدقاء والاحتفال بك في يوم مولدك!!. ولم أجب.. ونظرت إليها.. صامتا!!. قالت لي.. اسمع يا صديقي.. ان الاحتفال بعيد الميلاد.. ليس فقط لمرور السنين ومجرد وجودك شخصيا.. انه احتفال بكل ما فعلته لتاريخك.. ووطنك.. والرسالة التي قدمتها أنت طوال مشوارك.. لكل من حولك من أصدقاء.. وأسرتك.. وأحفادك.. ومشوارك الذي هو بصمة لا تنسي مهما مرت السنين.. ومهما تعددت احتفالات أعياد ميلادك ستبقي كل أعمالك.. أنت بالذات.. أعمالك الرائعة.. من حروب.. وموت وحياة.. ومشاركات في حل كل الأزمات بصمت المقاتلون الشرفاء.. فأنت يا صديقي.. وأمثالك من البشر الذين يتركون رسائل الإنسانية التي تقدمونها بأعمالكم.. خدمة إنسانية يحتفل بها من القلوب.. مع كل شمعة يتم اطفاؤها بأنفاسكم.. لتضيئوا شموعا جديدة.. وتكون رمزا لبقاء ذكراكم الرائعة التي قمتم بها للناس.. وللوطن.. ومازلت.. صامتا استمع إلي الجواب.. لماذا عيد ميلادي والاحتفال به؟!. قالت.. أنظر حولك.. وتذكر ما قمت به منذ ميلادك هذه الأيام.. ومشاركتك في الأحداث التي مرت بها.. وتمر بها مصر أم الدنيا.. كما تحب أن تناديها بهذا الاسم النابع من قلبك صادقا بكل ما قمت به.. وهي رسالة ستبقي أبد الدهر.. ناصعة بضوء الشمس.. والقمر.. ولال يخفيها أي ضباب أو أي ظلام فأنت بأعمالك تحب النور.. وترفض الظلام.. وأهل الظلام.. والاحتفال بعيد ميلادك يضيئه ضي القمر.. والشمس.. وقلوب الأصدقاء الأوفياء طوال مشوارك الذي مضي.. والذي أنت فيه الآن.. وسيبقي ناصعا.. حتي الرحيل!!. قم يا صديقي العزيز واذهب الآن إلي الأصدقاء وضوء الشموع.. ودقات القلوب التي كأنها أجراس الفرح بالأعوام التي ذهبت والأعوام القادمة.. اذهب يا صديقي إلي القلوب المخلصة التي تعرف حقا معني الاحتفال بعيد الميلاد.. واطفيء معهم شموع أعوام مضت.. وعليك أن تضيء شموع الأعوام القادمة!!. وإلي لقاء يا صديقي العزيز.. وهيا إلي احتفال عيد ميلادك فكل الأصدقاء ينتظرونك الآن.. لتطفيء شموع عام مضي.. وتضيء الأمل والأمان.. والعمل.. والحب لمصر أم الدنيا التي تحبها!!. ورحلت صديقتي الفراشة من حيث أتت.. وهي تحمل شموع مضيئة في يديها.. وتشير بها بالسلام.. وذهبت إلي حفل عيد ميلادي.. وأطفأت شموع الماضي.. وأضاءت شموع المستقبل التي تحمل كل رسائل التقدم والحب.. والأمن.. والأمان.. والعمل.. لمصر.. أم الدنيا.. دائما!!. وابتسمت عيون.. المشاهد!!.