الدعاء مخ العبادة بل هو العبادة نفسها، وكثير من الناس يغفل عنها رغم أنها فريضة لقوله تعالى "ادعونى أستجب لكم" وللأسف أصبحت فريضة غائبة لا يلتفت إليها الناس فى ظل المحن التى تحدق بهم وتحاصرهم صباحاً ومساءً، والأنبياء عليهم السلام دعوا الله جميعاً فى محنهم، فهذا نبى الله يوسف رغم أنه معصوم من الوقوع فى المعصية نسى ذلك ودعا الله قال "رب السجن أحب إلى مما يدعوننى إليه وإلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين" فاستجاب له ربه وكان الدعاء بالنسبة لقوم يونس سببا فى رفع العذاب عنهم بعد نزوله، وذلك لأول مرة ورغم ذلك قال تعالى "فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشنا عنهم عذاب الخزى فى الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين" وبالنسبة ليونس عليه السلام لم تكن النجاة له فقط وإنما لغيره إذا لجأ إلى الله لقوله تعالى "وكذلك ننجى المؤمنين". حول آداب الدعاء وشروط قبوله وأوقاته يوضح الدكتور إبراهيم شعيب أستاذ المذاهب والأديان بجامعة الأزهر أن الدعاء فطرة بشرية عندما يصيب الإنسان مكروما يلجأ إلى الله يستوى فى ذلك جميع الخلق على اختلاف دينهم وعقائدهم قال تعالى "حتى إذا كنتم فى الفلك وجرين بهم يريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجينتا من هذه لنكونن من الشاكرين فلما أنجاهم إذا هم يبغون فى الأرض بغير الحق يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم"، وقوله أيضا "وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه إلى قوله تعالى فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعونا إلى ضر مسه"، علاوة على أن الدعاء فريضة قال تعالى "ادعونى أستجب لكم"، والرسول الكريم يقول "من لم يسأل الله يغضب عليه"، وهو مخ العبادة، وفى رواية "الدعاء هو العبادة"، ويكون الدعاء مستجابا إذا التزم العبد بعدة أمور لقول عمر بن الخطاب رضى الله عنه لا أحمل هم الإجابة لأن الله وعد بها، ولكن أحمل هم الدعاء فمن أراد أن يستجيب الله له يجب أن يكون مطعمه من حلال لقوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبى وقاص "يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة" كما لا يجوز أن يدعو بإثم أو قطيعة رحم، ولا يدعو بشىء مستحيل كأن يقول اللهم اجعلنى نبياً، فمن آداب الدعاء أن يصفى الإنسان نفسه من الضغائن والأحقاد وأن يكون على طهارة وأن يتحرى أوقات الإجابة فى ساعة السحر وبين الآذان والإقامة، ووقت نزول المطر، والزحف على الأعداء، وأن يبدأ بالصلاة على النبى وأن يختم أيضا بالصلاة والسلام على النبى، فإن الله يقبل ما بين الصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا الدعاء فوائد كثيرة أولها أن يستجيب الله الدعاء، أو يقى الإنسان شرا أعظم مما كان يدعو به أو أن يدخر أجر هذا الدعاء له فى الآخرة لقوله صلى الله عليه وسلم «لا يغنى حذر من قدر وإن الدعاء ينفع فيما نزل وفيما لم ينزل وإن البلاء لينزل فيقابله الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة، أو أن يرفع القضاء، إذا كان الدعاء قويا رفع البلاء. ويشير الدكتور شعيب إلى أن الدعاء يكون حلا لمشاكلنا ويكون مقبولا إذا أظهر العبد التذلل والخشوع لله، وهذا من شأنه أن يكسب الإنسان نفسا متواضعة بريئة إلى حد ما من الحقد والحسد والبغضاء والكراهية، لأن النفس الصافية هى التى يقبل الله منها الدعاء، وهذا حرى بأن يكون الناس أسوياء وهذا معناه أن توجد فى المجتمع حالة من السلام الاجتماعى لأن النفوس ليست متحفزة ولا متوترة، ويؤكد هذا أن شابا ذهب للرسول صلى الله عليه وسلم وسأله فى أن يأذن له فى الزنا فقال له صلى الله عليه وسلم أترضاه لأمك فقال لا فقال له وهكذا الناس لا ترضاه لأمهاتهم وجعل يعدد له إخوته وعماته وخالاته والشاب يقول لا أرضاه لهن فوضع الرسول صلى الله عليه وسلم يده على صدره وقال "اللهم طهر قلبه وحصن فرجه واحفظه من الفتن" فقال الشاب خرجت وما شيء أبغض إلى من الزنا، فالإنسان إذا أدرك عظمة الله لا يستطيع أن يتجرأ على معصيته، ومن ثم تنشأ السكينة فى المجتمع ويتقارب البعيدون ويتصالح المتخاصمون. ويقول الدكتور الأحمدى أبوالنور وزير الأوقاف الأسبق إن الدعاء هو التوجه إلى الله لطلب استجابته لما يدعو به العبد، وذلك يستوجب على العبد أن يعلم أن يكون ممتلأ لأوامر الله مجتنبا لنواهيه، وأن يسارع لما يرضى عنه الله، فاستجابة العبد أولا طريق لاستجابة الله لدعائه، فلا يليق بالعبد أن يطلب شيئا من الله دون أن يكون قد استجاب لما أمر به الله ونهى عنه، ولذلك الاستجابة تعنى الطاعة من العبد لربه، فإذا كان العبد متجاهلاً متكاسلاً فى أمر الطاعة فالاستجابة لا تتحقق له وإنما أساسها بذل الجهد أولا، ومن ثم يجب تصحيح العقيدة أولا فيما يتعلق بالدعاء، لذلك عليه أن يدعو وقد ملأ قلبه بالإيمان الراسخ والعقيدة الصحيحة حتى يأخذ بالأسباب ثم يدعو ربه، ولذلك قال تعالى "إياك نعبد وإياك نستعين" ومعنى إياك نعبد اتخذنا من الوسائل لمرضاتك وإياك نستعين فالطالب والمريض مثلا إذا بذلا الجهد واتخذا كل الوسائل التى تحقق ما يتمناه كل منهما لا تجدى كل هذه الوسائل إلا إذا شاء الله "وما تشاءون إلا أن يشاء الله" ففى غزوة بدر رغم التسليح والاستعداد قال تعالى "فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم" إن أسلحتكم لا تقتل إلا بأمر الله وقوله أيضا "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى" ولذلك لا يدعو الإنسان بالنصر على الأعداء إلا بعد بذل الجهد فى الإعداد والقوة حتى لا يكون هناك سبيل للهزيمة قال تعالى "وما النصر إلا من عند الله". ويحذر د.الأحمدى أبوالنور من أن يقول المزارع هذا بعرقى وجهدى فينبغى أن يعى ماذا يصنع فهو يسقى زرعه بالماء الذى أجراه الله فى الأرض التى ملأها الله بالعناصر اللازمة، فالفلاح لا يتحكم فى الهواء ولا الشمس وهى أمور مهمة فى الإنتاج والحياة للإنسان وغيره من المخلوقات، ولذلك يقول الله تعالى "أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون" فالزارع هو الله والمثمر هو الله والشافى هو الله، والذى ينجى من كل كرب هو الله، فيجب أن يعى المؤمن ذلك ولا تحدثه نفسه بأن ما أصابه من بلايا إنما غضب وإنما يكون بفعل العبد وتقصيره "فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" صدق الله العظيم فما يكون فى العالم من نقمة بسبب سخط الله على عباده وبسبب جزائه على بعض ما اقترفوه لقوله تعالى "ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة". ولذلك فالمسلم هو من سلم الناس من لسانه ويده، والمؤمن من آمنه الناس على أموالهم وأنفسهم وأعراضهم والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه، والإيمان بالله يقتضى الإيمان بالله وباليوم الآخر ولقوله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت وفى حديث آخر من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه وقوله فليكرم جاره ذلك أن المسلم ينبغى أن يكون عنوانا للخير، وكذلك المجتمع الإسلامى الذى يحيا فيه المسلمون فإذا تحقق ذلك كان المسلم أهلا للاستجابة سواء لنفسه أو لغيره من أبناء المجتمع.