سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
د. شوقى عبدالكريم علام يكتب: خطابنا الدينى فى رمضان..على الداعية فى خطابه الدينى أن يستغل الحالة الرمضانية الإيمانية فى شحن همم الناس للطاعات والعبادات
لقد رغَّبَ الله تعالى فى الدعوة إلى الله وإلى فعل الخيرات مطلقًا فقال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}، وأكد ترغيبه على مواسم الطاعات بصفة خاصة، والتى منها شهر رمضان الكريم الذى نستقبله هذه الأيام، فقال صلى الله عليه وسلم: «أتاكم شهر رمضان، خير وبركة، يغشاكم الله فينزل فيه الرحمة، ويَحُطُّ الخطايا، ويستجيب الدعاء، فأروا الله فيه من أنفسكم خيرًا، فإن الشقى من حرم فيه رحمة الله عز وجل». ونحن إذ نستقبل شهر الطاعات وشهر الرحمات وشهر المغفرة علينا أن نتأسى بمعلِّم البشرية كلِّها النبى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودُ الناس بالخير، وكان أجودَ ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام، وكان يلقاه كل ليلة من رمضان، يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة» وفى المسند: «ولا يُسأل شيئًا إلا أعطاه»، وقال الحسن البصرى: «إن الله تعالى قد جعل رمضان مضمارًا لخلقه، يَسْتَبِقُون فيه بطاعته». وإذا كنا اليوم نستقبل هذه النسمات العطرة والجو الروحانى الأمثل وهذه الأيام المباركات نتمنى أن يكون الخطاب الدينى فى شِقِّه الدعوى يدعو الناس إلى البر والتقوى والعمل الصالح، فى أيام يُضاعَف فيها الأجر وتصير النافلة فى مقام الفريضة، والفريضة تعدل سبعين فريضة فيما سواه، فقد ورد فى صحيح ابن خزيمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فى آخر يوم من شعبان فقال: «أيها الناس قد أظلكم شهرٌ عظيمٌ، شهرٌ مبارك، شهر فيه ليلةٌ خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعًا، من تقرب فيه بخصلة من الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه»، فكيف نترك هذا السباق فى مضمار الخير وننصرف عنه إلى غيره ونحن ينتظرنا الجزاء العظيم والجائزة الكبرى؟! نؤمِّل فى هذه الأيام المباركات ونحن نستقبل شهرًا عظيمًا اختصه الله تعالى بالكثير من الفضل، ففيه نزل القرآن الكريم، وفيه تحقق للمسلمين النصر العظيم على أعدائهم، وفيه يسعى المسلم لأن ينتصر على شهواته ونفسه، نؤمِّل من خطابنا الدينى مع بداية هذا الشهر الكريم أن يكون خطابًا دعويًّا يدعو إلى الخير ويكون مفتاحًا له، ويدفع الشر ويكون مغلاقًا له، فرمضان موسم للطاعة تتوق نفوس الناس فيه إلى الطاعة وإلى طلب المغفرة، ويكونون فى أكثر حالاتهم استعدادًا لسماع خطاب دينى يقدم الأهم على المهم، كما فعل صلى الله عليه وسلم فى دعوته للناس، والتى تجسدت فى منهجه حينما قال لمعاذ رضى الله عنه لما أرسله إلى اليمن: «إنك تأتى قومًا أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات فى اليوم والليلة». هذا الخطاب الدينى الدعوى لا بد أن يكون فيه من البشارة ما يدخل على نفوس المسلمين السرور، ولا يقنطهم من رحمة الله أو ييئسهم منها، بل يبث فيه نفوسهم الأمل بنيل المغفرة من الله إن هم أحسنوا العبادة لله فى هذا الشهر الكريم، وانصرفوا عن كل ما يلهيهم عن عبادة الله بالذكر والدعاء وقراءة القرآن وصلاة القيام، فالنبى صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللَّهَ فرضَ عليكُم صيامَ شهرِ رمضانَ، وسنَّ لكم قيامهُ، فمَن صامهُ وقامَهُ إيمَانًا واحتِسَابًا خَرجَ مِنَ الذُّنُوبِ كَيومِ ولَدَتهُ أُمُّهُ». وإذا كان الناس فى رمضان يقبلون على المساجد، وتنمو لديهم قابليةٌ للدعوة وإقبالٌ على كل ما يهمهم من أمور الشريعة، وذلك لما هيأه الله تعالى من الحالة الإيمانية بشرعه الصيامَ، وبما جعله من تقوى فى هذه الفريضة لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، فبين أن الصوم سبيل للتقوى، فعلى الداعية فى خطابه الدينى أن يستغل هذه الحالة الإيمانية وهذا الإقبال على الدين من الناس فى شحن هممهم للطاعات والعبادات وصرفهم عن كل ما يشغلهم عن عبادة الله تعالى. كما أنه على القائمين بالخطاب الدينى أن يعلموا أنهم يرتدون رداء الأنبياء المبلغين الناسَ عن رب العالمين إلى الهدى والخير والرشاد، وأن يشمروا عن سواعدهم ويبذلوا قصارى جهدهم فى الترويج للحق، وإعلاء قيمة الإسلام السمحة، ويفتحوا للناس منافذ إلى العبادة الحقة وإلى النور، وأن يسدوا تلك التى تبث فى نفوسهم الحقد والكراهية والشحناء والبغضاء. وعلى الخطاب الدينى فى هذه الأيام المباركات أن يبين للناس أن هذا الشهر هو شهر عمل وعبادة لا شهر كسل ولهو ونوم، فأعظم انتصارات المسلمين تحققت فى رمضان، فالعمل عبادة، وإذا كان هذا حاله فى الأيام العادية فما بالكم بالعمل فى رمضان، الثواب فيه يكون مضاعفًا، وكذا العبادة، فلو أنفق المسلم وقته فى العبادة لنال المغفرة من الله تعالى، فرمضان فرصة عظيمة ينبغى ألا تضيع منا ويرحل قبل نيل المغفرة والثواب من الله تعالى. على الخطاب الدينى أن يتسم فى هذه الأيام المباركة بأسلوب دعوى يجذب الناس إلى الحق ويحبب إليهم العبادة، ويحفزهم ويشجعهم على الاهتمام بجانب العبادة من قراءة للقرآن وقيام الليل وتحرى ليلة القدر وسائر الطاعات، فهو سوق سرعان ما ينفض، فيربح فيه من يربح إذا أحسن العبادة، ويخسر فيه من يخسر إذا ألهته شهواته ونفسه عن الطاعة والعبادة. وكل عام وأنتم بخير