تحدث السيد جمال مبارك أمام مؤتمر الحزب الوطني عن موجة جديدة من الإصلاحات. هذا كلام إيجابي يدعو للتفاؤل, أولا لأن الموجة السابقة من الإصلاحات كانت لها آثار إيجابية كثيرة رغم أن لها نقادا كثيرين وثانيا, لأن جمال مبارك كان من بين بادروا وتدبروا للموجة السابقة وثالثا, لأن الموجة الأخيرة من الإصلاح كادت تفقد قوتها وأثرها, ولو لم نعززها بموجة جديدة لربما واجهنا انتكاسة قد تطول. ففي المجال الاقتصادي أسهمت موجة الإصلاحات الأخيرة في رفع مستويات النمو وزيادة الصادرات وجذب المزيد من الاستثمارات وخلق مزيد من فرص العمل. لكن قوة الدفع التي خلقتها هذه الموجة بدأت في الانحسار, وأخذ تدفق الاستثمارات الأجنبية في التباطؤ, ومعه تباطأت قدرة الاقتصاد الوطني علي توليد فرص عمل جديدة. صحيح أن جزءا من هذا التباطؤ يرجع لظروف الأزمة المالية العالمية, لكن الصحيح أيضا أن آثار هذه الأزمة يمكن التعامل معها بشرط اتخاذ الإجراءات الإصلاحية السليمة. موجة الإصلاح الأخيرة لم تكن اقتصادية فقط, ولكنها كانت سياسية أيضا. فتوسيع نطاق حريات النشر والتعبير, وتوسيع المجال العام لإتاحة الفرصة لقوي اجتماعية وسياسية من كفاية و6 أبريل لجماعات العمال والموظفين المضربين للتعبير عن مطالبها والاحتجاج علي مظالمها, كل هذا خلق مناخا سياسيا جديدا في مصر. غير أن الإصلاحات في المجال السياسي أيضا فقدت قوة الدفع التي تمتعت بها في السنوات2008/2004 حتي وصلنا إلي الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أسفرت عن مشهد بدت فيه أحزاب المعارضة ضعيفة ومفتتة وغاضبة, بينما تواصل الطبقات الوسطي المصرية من أهل المدن انصرافها عن السياسة والمجال العام, في حين مازالت القوي المناصرة لنموذج الدولة الدينية متربصة بنظامنا السياسي, والمؤكد أن كل هذا يتطلب إطلاق موجة جديدة من الإصلاحات السياسية تستعيد الحيوية لحياتنا السياسية. تحدث السيد جمال مبارك عن موجة ثانية من الإصلاحات, لكني أتمني لو أنه فسر الأمر أكثر وذهب إلي ما هو أبعد من العنوان العريض. المجتمع المصري في حاجة للتعرف علي معني الموجة الثانية التي يجري الحديث عنها ومحتواها, والمؤكد أن حوارا مجتمعيا أوسع حول هذه الرؤيا في شمولها أولا, والتشريعات والبرامج التي تتضمنها, ثانيا, هو من الأمور المفيدة والضرورية لنا في هذه المرحلة, فربما كان الحوار حول هذه الرؤية هو الطريق لرأب الصدع واستعادة الثقة.