خرج عم رمضان من بيته غاضبا بعد يوما عاصف مع زوجته, مطلوب منه القسط الثاني من مصاريف ابنه في مدارس اللغات التي صمم ان يدخلها لولده ليضمن له مستقبلا وحياة أفضل من حياته وهو يري دائما مع عثرات الحياة ان الله لا يتخلي عنه فهو يحاول ان يعمل دائما ما يراه صحيحا من وجهة نظره فهو يعمل سائقا علي تريلا نقل بنزين في شركته منذ أكثر من عشرين عام في بلدته بالسويس واشتري تاكسيا يعمل عليه في أوقات فراغه و أحيانا يعمل عليه بعض السائقين. ودائما ما يحقق عمله بالشركة وتاكسيه عائدا يكفيه هو زوجته وولده ومصاريف دروسه و مدرسته الخاصة ولكن الظروف هذا العام مختلفة. عم رمضان لايعرف ان كانت هذه الظروف كما يقول المثقفون ظروف اقتصادية عالمية وطالت مصر كما طالت العالم كله ولكنه يسأل نفسه اشمعني لما يتحسن في العالم كله مابتطلهوش, عايش كويس ومطحون يعمل ليل نهار وفي شركة يحسده عليها الناس و يعمل في فترات الراحة علشان يدوب يعيش. زي كل المصريين لما يبقي معاه فلوس ومزهزه تلقاه زي الفل ولما تضيق خلقه معاه بيضيق. هو مش عارف لو مات ابنه ومراته هتعملوا ايه. بيقتل الهم بخفة الدم والضحك علشان مايموتش من الهم. عم رمضان ليه زميل قديم من زمان المهندس محمود من أيام الطفولة لما بتضيق بيه الحال يروح يقعد معاه. محمود مهندس في الشركة وكان هو و محمود جيران وأصحاب من زمان لما كانوا عيال صغيرين ولكن محمود أبوه كان موظف كبير واهتم بتعليمه وابو رمضان كان علي قد حاله يدوب وصله دبلوم بالعافية. محمود هو اللي سعي لرمضان في شغلته. وكان لما رمضان يتخنق يروح ويتفق مع المهندس محمود ويتقابلون في القوة ويدردشون حبه. محمود كان مثقف وفاهم في السياسة وظروف العالم وكمان في الفن ويكملوا في كل شيء ومحمود يهدي رمضان وينفث عنه والنهارده رايح يقابله. محمود: ازيك يارماضونا مالك كده شايل ضاجن ستك هو انت كنت مترشح ضد الحزب رمضان: والله انت فايق ياحودة : مالك انت عجزت ولا إيه : باين كره : فيه ايه بكره :انا مش عارف ليه هي مألفة كده السنة دي وما تقوليش العالم والكلام الفاضي ده : مالك انت شكلك كده مزنوق وعايز فلوس : مش القصد : لأ بجد لو عايز قول : مستورة والله ياهندسة ولكن انا بسأل احنا مطلوب مننا نعمل ايه انا بنحت في الصخر علشان اعيش ويمكن أموت كمان وانا يدوب ماوفرتش حاجة للعيال بعدي انا مطلوب مني ايه؟ : ولا حاجة انت تحاول وربنا يسهلها وبعدين احمد ربنا ربنا مبارك لك في ابنك وبيتك ورزقك : أنا حامده لكن ده يمنع من السؤال : والله يارمضان السؤال صعب ولأن الإجابة مش في ايدينا دي مشكلة عامة الدولة مشاركة فيها وكمان احنا : أنا أعمل ايه : احنا لوبصينا علينا وعلي العالم حوالينا هنلاقي اننا دايما متأخرين بلحظة بخطوة هي دي اللي بتفرق الموت والحياة انك تكون وماتكونش نتيجة اتخاذ قرار, في لحظة لو اتأخرت يبقي حاجة تانية. : انا مش فاهم : انت راجل بتاع كورة : تمام : الجول لو المهاجم سبق بلحظة وخطف الكورة جول. لو المدافع سبق خلص, لو المهاجم قعد يفكر وتباطأ برده ماعملش حاجة : بس برده المهاجم ممكن يعمل كل حاجة وتيجي في العارضة أو تنحس معاه : بس يبقي عمل اللي عليه وحتي الأمريكان في بداية نهضتهم كان صراعهم اللي يسبق يعيش يخرج المسدس الأول ويموت الأبطأ وده أثر في الناس هناك أنا قصدي ان مشكلتنا واننا دايما نبدأ متأخرين ونصعب المواضيع علينا وعلشان كده مشاكلنا دايما كتير وعمالين نحاول نحل وممكن آه بصعوبة وكمان كتير لأ : وبعدين نحاول نتغير ولكن للأسف الموضوع ده بقي فينا من فوق لتحت من الحكومة للشعب, شفت مشكلة انفلونزا الخنازير السنة اللي فاتت مع إن الموضوع كان بسيطا بدأ الدراسة بدري اسبوعين وايقافها فترة نشاط الوباء بدل الانتظار, القرار المشكلة في انتظار القرار وغيرها وغيرها : وانت شايف ايه الحل : والله منا عارف ولكن انا شايفة الضعف واللامبالاة اللي موجودة من اسبابها اننا لا يوجد عندنا من فترة طويلة هدف قومي, مشوشين : يعني الأمريكان عندهم : طبعا هدفهم اثبات ان الأمريكي هو الإنسان الأول والأقوي هذه ليست عجرفة ولكن هدف وهدف سببه البقاء ولكننا بلا هدف قومي نسعي جميعا لتحقيقه ونحيا كشعب وأمه من أجل تحقيقه : وقبل كده كنا نملكه : بالطبع إما في القضاء علي الاحتلال أو الصراع العربي الاسرائيلي أو حتي اننا دولة العلم والإيمان أما الآن فأين نحن بلا هدف ونتحرك ببطء ولا نتخذ القرار في الوقت المناسب. : يا هندسة انت النهاردة دوشت راسي وانا كنت جاي انفس عن نفسي وانت عارف اني عندي نقلة بكرة الصبح في مصر اقولك تصبح علي خير ومنك لله وجعت راسي النهاردة روح عم رمضان صحي الصبح, كلام محمود يدور في رأسه, أخرجه من همه شوية وراح نزل حمولة مدينة ستة أكتوبر ورأي هناك المدارس الخاصة الجامعات الفارهة وهو يتعثر في الصرف علي ابنه الوحيد في المدرسة الخاصة المتوسة في بلدته السويس وذهب إلي المنصورة لإنزال باقي الحمولة وكانت توجد أمام البنزينة مدرسة تشبه مدرسة ابنه وأولاد يشبهونه ونظر للمباني المحيطة والعمارات الشاهقة التي يسكنها اناس مثله ومثل محمود ويعانون مثلهما وفجأة صرخ العربة تشتعل, المنطقة كلها علي حافة الانفجار, دوت في رأسه كلمة محمود لحظة ما بين الحياة والموت دائما قراراتنا متأخرة لحظة وانطلق عكس كل الناس في اتجاه السيارة وانطلق بها لينقذ حياة أطفال مثل ابنه في المدرسة وعائلات مثل عائلته وعائلة محمود وهو يعلم الطريق جيدا يوجد علي بعد اثنين كيلو منطقة خالية صحراء لم تعمر هل يكفيه الوقت للوصول, دائما الله معه انطلق يمينا يسارا ويطلق صفارات الانذار الموت يلوح له في كل لحظة هل تأخرت يامحمود أم اخترت الوقت الصحيح الثواني تمر كالساعات اقترب من الهدف هل سأكون كالهداف أم أخطئ المرمي, العرق يتساقط ويمر علي وجهه كقطع الثلج. اقتربت المنطقة أرجوك يا ربي أن تساعدني. يالله انا علي بعد ثواني من المنطقة أدخل قليلا حتي أبعد كليا عن المنطقة السكنية. يالله ارحمني وارحم أهلي واحفظهم قطرات العرق تنهمر علي وجهه يكاد لايري العرق المثلج يالله ارعي أهلي ان لم ترحمني الثواني وصلت إلي المنطقة افتح باب السيارة يالله يالله يالله أقفز السيارة تسير بعد سقوطي اجري في الاتجاه الخلفي لا أنظر حتي علي السيارة يالله يالله من كل خلية في جسمي دوي انفجار وقفز بي مسافة نظرت خلفي فوجدت السيارة تشتعل بها النار كليا سجدت ركعتي شكر لله, فهمت معني الهدف القومي. علي إبراهيم فودة