لا حديث عن مستقبل مصر برؤية ثاقبة, وتشخيص مكامن الخطر فيها بعقل مخضرم من دون روشتة خبير تمرس علي ذلك العمل ويستند إلي تاريخ طويل وعشرة مع القلم والحدث والسؤال في بلاط صاحبة الجلالة حيث سطع نجمه كصحفي كما يحب أن يعرف نفسه من دون ألقاب تسبق اسم مكرم محمد أحمد. الوقت والمساحة المتاحة للنشر حتما لا يكفيان لحوار الرجل عندما يتحدث عن الإعلام وتأثيره في صنع تاريخ مصر قبل وبعد ثورتي القرن الحادي والعشرين وما بينهما, ولا حين يجسد أزمة الصحافة كنقيب أسبق للصحفيين, ولا حين يقرأ مستقبل مصر السياسي كخبير يوصف أزمة النخبة الحزبية ما هو مستقبل الإعلام المصري في صناعة القرار؟ الإعلام المصري يزداد قوة وتواجدا, وقد لعب دورا مهما جدا في ثورتي25 يناير و30 يونيو, وبنظرة إلي عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك نلحظ ظهور اتجاهات معارضة قوية ساهمت في تنمية الوعي العام بضرورة التغييرالذي كان مطلبا أساسيا لدي معظم الكتاب, وحتي الصحف القومية في هذه اللحظة لم تعدم وجود صحفيين طالبوا بقوة بالتغيير, ولكن للأسف نظام الرئيس الأسبق لم يستمع إلي صوت الحكمة وتصور أن كل شيء علي ما يرام, كما فقد القدرة علي الحوار مع الأجيال البعيدة, وعميت أبصاره عن أن الصحافة سوف تقوم بدورها وقد كان عندما قامت الصحافة بإذكاء الوعي في فترة مبارك وكان دورها أكثر وضوحا في عهد الإخوان المسلمين ولا تزال تقوم بدورها في مقاومة الإرهاب فالصحافة المصرية تتمتع بمساحة واسعة من الحرية يمكن أن نأخذ عليها بعض المسالب المتعلقة بغياب قدر من المهنية وعدم التدقيق في الخبر والتعميم فضلا عن الاتهامات الكثيرة بغير دليل. كيف تقيم أداء الصحافة القومية وما رؤيتك لإنقاذها من أزماتها الحالية؟ الأمر المؤكد أن الصحافة القومية لا تزال, رغم أمراضها العديدة ومشاكلها الاقتصادية, أشجع الصحافات العربية وأكثرها قدرة علي انتقاد نظام الحكم الذي تتبعه, لذلك أري أن مستقبل الصحافة سوف يكون أفضل خاصة أن نظام الحكم الآن مقتنع بأنه لابد من تغيير البنية القانونية لكل ما يتعلق بالصحافة وهناك لجنة تعمل في مجلس الوزراء شكلها المهندس إبراهيم محلب وتضم عددا من كبار الصحفيين والاستشاريين تعمل علي قانون لمجلس أعلي للإعلام جديد وأيضا قانون للصحافة القومية والإعلام والتليفزيون. كما أن النقابة شكلت لجنة مقابلة, والمشكلة الحقيقية الآن هي ماذا نفعل بالصحف القومية فالحكومة تحس بأهمية الصحف القومية الآن وتمد يد الإصلاح لها وتعيد النظر في أوضاعها وتعمل علي تصحيح هياكلها المالية ولكن لا تزال الصحف القومية بكافة المعايير الموجودة هي أكثر الصحافات المصرية مقروئية عن الصحف المستقلة فلدينا مجموعة من الصحف المستقلة محترمة وتحترم حقوق الصحفيين ولكن لدينا وضع بائس في الصحافة الخاصة فهناك صحفيون يعملون دون عقود رسمية أو حقوق ويقدمون استقالات مسبقة لرؤساء تحرير بعض الصحف والمجلات وكل ما يتحصلون منه شهادة بأنهم أعضاء في نقابة الصحفيين لصرف العون المالي الذي تقدمه الحكومة من خلال النقابة. كيف تري المنافسة بين الصحف المستقلة والقومية ؟ أعتقد أن المنافسة شديدة في الصحافة المصرية الآن وإن كنت المح قدرا من الفتور ولكن هناك منافسة كبيرة بين الصحف والمجلات وهذه المنافسة هي الطريق الوحيد للارتقاء بالمهنة والعمل الصحفي وإذا لم يكن هناك منافسة تغيب الصحافة القوية والجودة ونلاحظ اليوم بعض الاجتهادات التي تميز صحيفة عن أخري والحرص علي السبق الصحفي وفي إطار الحرية الموجودة اعتقد أن المنافسة واضحة وشديدة. وماذا عن الصحافة المسائية ؟ الصحافة المسائية لها تاريخ قديم في مصر فهي من أقدر الصحف وأعتقد أن الصحافة المسائية لم تكن فقط عنصرا للأخبار ولكن للتثقيف أيضا وهناك منافسات شديدة بين عدد من الصحف المسائية التي تصدر في مصر وأصبح لها جمهورها والصحافة الورقية عموما تواجه منافسة شديدة من برامج التليفزيون والذي ينتقل إلي الحدث في نفس التوقيت وتكون تغطيته أكثر حياة وأسرع ومتجددة ومتطورة وكثيرا ما تعيش في الحدث مما يجعل ذلك تحديا صعبا أمام الصحافة الورقية لأنه سلب منها فكرة مفاجأة القارئ في الصباح بالخبر عندما تكون الاخبار تذاع علي مدار الساعة مما يلزم الصحافة أن تجدد نفسها وتكون أكثر تحليلا للأحداث وتبحث عن ما وراء الخبر لتقديم قصص خبرية جديدة لأن الخبر قد أفلت من أيديها وأصبح أكثر انتشارا من خلال التليفزيون. هناك مناقشات حول تأسيس المجلس الوطني للإعلام. كيف تري الشكل الأمثل لتشكيله ؟ لم يصدر قانون تأسيس المجلس بعد, فقد تم الانتهاء فقط من مسودة القانون, وأعتقد إذا صدر القانون علي النحو الذي انتهت اليه اللجنة, يمكن أن يكون قانونا جيدا, وأهم شيء كيفية اختيار أعضاء المجلس الأعلي فهناك رأيان الأول يتحدث عن أن يكون لرئيس الجمهورية الحق في الاختيار, ورأي آخر يصارع بقوة هذا الرأي ويقول إن اختيار أعضاء المجلس لابد أن يكون من خلال اختيار مؤسسي وترشيحات لا مانع من دراستها وانا اعتقد أن التوفيق بين الرأيين يؤكد أن الذين رشحوا لعضوية هذا المجلس لا ينبغي أن يتجاوزوا15 شخصا والبعض يري أنه من الأفضل أن يكونوا أقل من هذا ولكن لابد في النهاية أن يكونوا شخصيات عامة يتوافق عليها الوطن ونثق في احكامها وقدرتها علي اتخاذ مواقف مستقلة وإذا صدر القانون بالشكل الذي انتهت إليه اللجنة سوف يكون خطوة إلي الأمام واللجنة اليوم تناقش القانونين الآخرين للصحافة والإعلام. ما تقييمك لدور نقابة الصحفيين في الدفاع عن قضايا الحريات وزملاء المهنة ؟ لا ألمس دورا نشيطا للنقابة, بل أري معارك كثيرة بعضها شخصي وآخر للاستعراض أو تغيب العمل النقابي الحقيقي ولا يوجد جهد حقيقي للارتقاء بالمهنة أو تحسين خدمات الصحفيين رغم أن النقابة مجهزة من ناحية التدريب علي الكمبيوتر واللغات والإسكان ولكن للأسف لا يوجد شيء من ذلك علي أرض الواقع ونسمع فقط عن المعارك ونتمني من النقابة أن تصحح نفسها لأنه لا يحتمل الصحفيون المصريون مع كثرة مشاكلهم وجود نقابة مغيبة أو ضعيفة. هل ما زالت الأحزاب السياسية ترقص تحت السلم كما وصفتها ؟ للأسف نعم الأحزاب ما زالت ترقص تحت السلم, فباستثناء بعض الأحزاب التي كنا نأمل أن تنشط وتمد جذورها في قلب المجتمع المصري, فالأحزاب لم تستثمر كل الفرص المتاحة لها وغرقت في الصراعات الداخلية وعجزت تماما عن استيعاب النشاط السياسي لشباب مصر لذلك كل الأداء السياسي الذي تم خلال هذه الفترة كان من خارج الأوعية الحزبية ابتداء من حركة كفاية انتهاء إلي تمرد لأن تلك الأحزاب لم تستطع أن تكون واجهة جاذبة لهؤلاء الشباب فقد فقدت ديمقراطيتها الداخلية وعجزت عن إنشاء مدارس تربية كوادر حزبية حقيقية وأيضا دخلت في صراعات شديدة أدت إلي العديد من الانشقاقات في البنية الحزبية وربما يكون أحد الأسباب أيضا أن الأنظمة السابقة لم تكن تعطي للأحزاب حرية الحركة. هل يفتح هذا الضعف الباب أمام عودة رجال الحزب الوطني المنحل للمنافسة في الدوائر وأمام المال السياسي؟ أظن أن نظام مبارك قد سقط ولا عودة له ورموز حكم مبارك لن يعودوا مرة ثانية إلي الحياة السياسية ونحن نعلم كل هذه الرموز والشعب لن يعطيها الفرصة مرة أخري لكي تمثله وأحمد عز يتحدث عن أن له بعض الشعبية في بلدته ولكن أعتقد أنه لن يغامر ويعود إلي الحياة السياسية, ولكنه يريد فقط أن يقول إنه متواجد علي الساحة وبالتالي فكرة عودة الحزب الوطني تعتبر فزاعة يستخدمها الإخوان لإقناع المصريين أنه لم يعد هناك مستقبل لمصر بعدهم, وأيضا الحزب الوطني ربما يكون كل ما تبقي منه هو بعض العصبيات القبلية خاصة في صعيد مصر حرصا علي مصالحهم وسوف نجد نسبة لهؤلاء في البرلمان القادم ولكن أقطع بأن البرلمان القادم لن يشهد الوجوه القديمة للحزب الوطني فربما يستطيع البعض أن يتسلل خاصة أنه لم يصدر قرار بالعزل السياسي لمعظمهم ولا ننكر أنه كان هناك بعض الشخصيات الجيدة نسبيا في النظام السابق لأن هذا الحجم الواسع من العضوية لا يمكن أن نصفهم جميعا بأنهم كانوا أشرارا أو فاسدين ولكنها كتلة استثمرت مواقعها في الحزب لتحقيق منافع ضخمة ونشرت الفساد إلي الركب ولكن نسبة كبيرة من هؤلاء الأعضاء دخلوا الحزب الوطني باعتباره حزبا حاكما وبالتالي أنا لا أتفق مع هذه الفزاعة التي لا تتواجد علي أرض الواقع وهناك بدايات واضحة في أقاليم مصر الآن سوف تشهد تقدم تجمعات ضخمة من المستقلين الشباب من الجيل الوسط ما بين30 و50 عاما يقدمون أنفسهم باعتبارهم وجوها جديدة من المهن المختلفة ولم يتلوثوا بالعمل السياسي في الفترة السابقة ويمثلون ثورتي25 يناير و30 يونيو واعتقد أن هذا التيار المستقل سوف يكون قويا داخل البرلمان. كيف نحصن البرلمان القادم من الإخوان؟ وما ضمانات عدم عودتهم للحياة السياسية؟ لست قلقا من وجود جماعة الإخوان لأن الشعب يبغضها ويسير وراءها بالمرصاد ولن تستطيع الجماعة أن تقدم وجوها خفية فما فائدة أن تقدم وجها خفيا سوف تكشفه المعركة الانتخابية, وبالتالي أنا علي يقين أن الإسلام السياسي ضرب في مقتل ولن يتواجد في البرلمان القادم, وأظن أن المصريين أصبحوا يؤمنون بالفصل بين الدين والسياسة كنوع من ردود الأفعال التلقائية لفترة حكم الإخوان الذين استخدموا الدين لتحقيق أغراضهم الخاصة وسوف يؤثر ذلك أيضا علي السلفيين الذين سوف تنكسر شوكتهم رغم مكافحتهم لإثبات أنهم لا ينتمون إلي الإخوان ويدخلون معهم في معارك علي جميع الجبهات لإثبات أنه حزبهم النور مختلف وأعتقد أنه سوف يصاب ببعض رذاذ هذه العملية. هناك دعوات تطالب بتشكيل جبهة وطنية لدعم السيسي..ما رأيك؟ هذه الجبهات ضعيفة فهي في الأساس حزبية ونحن ننتظر لنري فكرة التحالفات, لكن علي العموم الجبهات في مصر فاشلة ولم نر حتي الآن جبهة استطاعت أن تنجز شيئا علي أرض الواقع. ما المعوقات التي يمكن أن تقف حائلا دون إتمام المصالحة مع قطر ؟ القطريون اتخذوا خطوة مهمة بوقف قناة الجزيرة مباشر ويحاولون إبعاد بعض الإخوان عن طريق إرسالهم إلي تركيا لكن لا يزال هناك الكثير مطلوب من قطر وأهم ما هو مطلوب أن ترفع يدها عن غزة وليبيا وهم متواجدون في غزة وليبيا للاسف ليس من أجل المساعدة ولكن لطعن الأمن المصري في خاصرته الشرقية مثلما تفعل حماس وإذا لم ترفع قطر يدها عن جماعة الإخوان وتتوقف عن التمويل وإرسال الطائرات المحملة بالسلاح إلي مصراته لكي تذهب إلي فجر ليبيا وتتوقف عن الإضرار البالغ بالأمن المصري يصعب أن نتحدث عن مصالحة وأعتقد أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يتخذ موقفا عاقلا وينتظر ليري ولا يهرع إلي مصالحة شكلية ويصر علي أن تنفذ قطر التزاماتها والمصريون ينفذون التزاماتهم نحو قطر فلم نتدخل في الشأن الداخلي لها ولم نحاول اتخاذ موقف يضر بمصالحها ولكن قطر تبحث عن دور وللأسف أخطأوا الدور فاذا نظرنا إلي الكويت نجد أنها تلعب دورا مهما في تشجيع التعليم بالدول العربية وإقامة المدارس فالوحيدون الذين يستغلون ثروتهم في الجريمة والإضرار بالأمن العربي هم القطريون فهل الخطوة التي يتخذونها سوف تتبعها خطوات نتمني ذلك ولا أظن أن مصر لديها أي ممانعة في أن تصالح. هل تتوقع مصالحة قريبة مع أنقرة ؟ لا أتوقع ذلك لأن أردوغان تزداد أخطاؤه وتكبر وقد أصبح متورطا في ليبيا بشكل بائس ولم تعد أخطاؤه قاصرة علي العالم العربي فقد أخطأ أيضا في حق الاتحاد الأوروبي خاصة بعد إلقاء القبض علي أكثر من60 صحفيا والامريكان اليوم لم يعودوا واثقين في أردوغان وهو الفاعل الأول في قضية داعش والارهاب الاوروبي الموجود الان لانه فتح حدود تركيا سداحا مداحا لأجيال من الشباب المسلم ينتمي لعائلات من أصول عربية وانتقل وعاش في المهجر فداعش لها ما يزيد عن15 الف شاب في العالم واعتقد أن داعش اليوم تلزم العالم أجمع بضرورة اليقظة الي الارهاب العالمي فهناك15 الف خلية نائمة تهدد اوروبا ويجب أن يتكاتف العالم بأجمعه لمواجهتها, لأن أمريكا لا تستطيع وحدها التصدي لهذا الإرهاب وانما يجب أن يصدر قرار من مجلس الأمن ينص علي إلزام كل الدول بعدم مساندة الإرهاب او دعمه وتجفيف منابعه وأن يكون هناك عقوبات لكل من يخالف هذا وأن نجيش كل القوات الدولية من أجل القضاء علي الإرهاب العالمي. ماذا تقول في مبارك ومرسي والسيسي؟ الرئيس مبارك لم يكن شرا مطلقا وعلي الاقل سنواته الخمس الاخيرة كانت مملوءة بالاخطاء وأهمها التوريث وتحالفه مع الثروة وتجاهله لمطالب التغيير الشديدة ولكن اعتقد انه انجز اشياء مهمة لمصر فقد كان بطل أكتوبر وقام بتحول اقتصادي جيد واعطي الفرصة للقطاع الخاص أن يقود التنمية وحارب الإرهاب فترة طويلة. أما مرسي كارثة علي مصر والمصريون نفضوا أنفسهم من هذه الكارثة لأنهم يتميزون بالصبر ومع ذلك لم يطيقوا حكم مرسي والإخوان المسلمين أكثر من عام لأنهم وصلوا إلي حد الفحش السياسي عندما أعلن مرسي قراره بتحصين قراراته من الطعن عليها أمام القضاء فلم يحدث ذلك في تاريخ أي سلطة مستبدة. أما الرئيس عبد الفتاح السيسي فلديه فرصة هائلة فالشعب لا يزال يثق فيه ويريد أن يعطيه فرصة.