- منذ عدة سنوات. فى زيارة سريعة لأمريكا. لفت نظري تجمع جماهيري كبير وعربات اطفاء وحريق يتحلقون حول بناية عالية فى واشنطن. ولما تحريت الأمر وجدت كل ذلك التجمع الكبير من أجل انقاذ "قطة" عالقة بأحد الأدوار العليا. ساعتها قلت "إن الدنيا مازالت بخير" وأن الإنسان. رغم مشاغله. مازال مهتما حتى بالحيوان. - والآن. وأمريكا ماتزال هي أمريكا. والإنسان لا يزال هو الإنسان. هل تغير شيء. سواء فى الناس أو فى الأحاسيس!. قطعا حدث تغيير. والمتوقع أن يكون ذلك التغير للأحسن. مع التقدم العلمي لكن نفاجأ اليوم بأنه للأسوأ. فما يحدث حولنا يشير الى ذلك. فهاص وسائل الإعلام المسموعة والمرئية تمطرنا كل يوم بصور فظيعة لما يحدث للاجئين السوريين. مثلا. فى لبنان والأردن وتركيا. حيث تتدنى درجة الحرارة الى عشر درجات تحت الصفر وربما تزيد إلى سمت عشرة درجة ويصل عمق الثلوج إلى متر كامل. تضيع تحته المخيمات وتتهدم ويموت الأطفال من البرد سواء فى لبنان أو سوريا. فى نفس الوقت الذى احتفل فيه العالم برأس السنة وأنفق الملايين من الدولارات على الألعاب النارية. كما لو كان هؤلاء "البنى آدمين" الذين يموتون بردا وجوعا. بعد أن نحوا من القتل في بلادهم. كما لو كان ما يحدث يحدث بالقرب من الكرة الأرضية وليس عليها هى نفسها. هناك ستة ونصف مليون نازح سورى أكبر رقم فى العالم. منهم أربعة ملايين لاجيء. يقاسون أنواعا من تدنى الحياة جملتهم وأوصلتهم إلى أن يعودوا لالتماس الناس. سواء فى الطبخ أو التغذية. على الأفران البدائية بقطع الخشب والبلاستيك الذى تخرج منه أدخنة شبه سامة تصيب بالاخنتاق. انهم بشر ياسادة. يشتركون معكم فى الانسانية وفى الفرح والألم. ومايهددهم اليوم قد يهددكم غدا. رغم كل التحصينات. فالطبيعة لا تفرق فى نفس هذا الوقت. الذى نحتاج فيه هذه الملايين البائسة الى الدفء والطعام والمعونة. تفاجئنا الأممالمتحدة بخفض المعونات إلى الثلث، كذلك ترفض البنوك في تلك الدول المحتضنة لهم تلقى أموال من الدول العربية لمصلحتهم بحجة أن تلك الأموال قد تئول الى الجماعات الإرهابية، كما ترفض تلقى أموال من المنظمات المدنية والدولية. انه حصار كامل إذن لصالح الموت. هل هذا مقصود من الغرب؟ يتساءل المتشائمون. - فى احدى مسرحيات "الفيلسوف الفرنسي" "ألبير كامو" بعنوان "العادلون" يرفض الإرهابي قتل القيص فى عربية المكشوفة بتهمة "الظلم" مبررا ذلك أن المسألة كانت سهلة ومتاحة له لكته. أى القاتل. رفض ذلك لأنه رأى فى العربة حفيده. حفيد القيصر الطفل. عندئذ تغلبت "الرحمة" على "العدالة". ونحن لا نطلب اليوم العدالة فيما يحدث حولنا لكننا نطلب الرحمة.