يبدو أن قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة لوطنهم الأم، باتت تمثل كابوساً يؤرق إسرائيل ، مما جعل الأخيرة تبحث عن السبل التي يمكن من خلالها سحب حق العودة من الفلسطينيين الذين أجبروا على مغادرة فلسطين في عام 1948 ، وذلك استمرارا لمسلسلها المتعمد لإنكار حقوق الفلسطينيين سواء في الداخل أو الخارج . فكما هو حال كل اللاجئين، رحل الفلسطينيون عن منازلهم خوفاً على حياتهم بسبب الصراع العسكري الدائر. كما رحل الكثيرون بسبب الهجمات العسكرية المباشرة على مدنهم وقراهم ، وآخرون تم طردهم على أيدي القوات الاحتلال. والمذابح التي ارتكبت بحق المدنيين الفلسطينيين خلقت أجواء من الخوف جعلت الكثيرين منهم يبحثون عن السلامة في أماكن أخرى ، فقد ارتكبت أكثر المذابح وحشية في دير ياسين حيث قَتَلَ اليهود وفقاً لأقل الاحصاءات ما يزيد عن 100 رجل وامرأة وطفل فلسطيني.
وفي الوقت الذي يعتبر حق العودة والحق في التعويض هما من المطالب الأساسية التي يجب عدم التخلي عنها، والنضال من أجل تحقيقها، والتأكيد على أن أيّ حل سياسي نهائي للقضية الفلسطينية يجب أن يقترن بإيجاد حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وحقهم في العودة، وتقرير المصير ، تحاول اسرائيل انتزاع هذا الحق من خلال سعيها لنزع صفة "اللاجئ" عن أبناء وأحفاد الفلسطينيين الذين هجروا من وطنهم عام 1948.
يأتي ذلك في إطار محاولة إسرائيل الالتفاف على قضية اللاجئين الفلسطينيين التي تعتبرها عائقاً رئيسياً أمام استئناف مفاوضات السلام.
حق قانوني ومن الواضح انه لن يكون هناك حل عادل ونهائي إذا لم يتم الاعتراف بحق اللاجئ العربي في العودة إلى منزله الذي اقتلع منه ... سيناقض مبادئ العدالة الأساسية حرمان ضحايا هذا الصراع الأبرياء من حق العودة إلى منازلهم بينما يتدفق المهاجرون اليهود إلى فلسطين، ويشكّلون في حقيقة الأمر تهديداً بحصول نزوح دائم للاجئين العرب الذين تعود جذورهم في الأرض لقرون خلت.
وحسب القانون الدولي، يحق للمدنيين الفارّين من الحرب العودة إلى منازلهم وتم تجسيد هذا الحق في: - قرار الأممالمتحدة رقم 194 (تم إقراره في 11 كانون الأول 1948 وأعيد التأكيد عليه كل سنة منذ عام 1948، والذي ينص على "اللاجئون الفلسطينيون الذين يرغبون في العودة إلى منازلهم والعيش بسلام مع جيرانهم يجب أن يُسمح لهم بعمل ذلك في أقرب وقت ممكن، ويجب أن تُدفع تعويضات عن ممتلكات أولئك الذين يختارون عدم العودة، وعن الخسارة أو الضرر في الممتلكات التي، وفقاً لمبادئ القانون الدولي أو الإنصاف، يجب إصلاحها من قبل الحكومات أو السلطات المسئولة" ، إلا أن ذلك لم يتم .
- كما ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "كل شخص له الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، والعودة إليه". وتنص المعاهدة الدولية للتخلص من كافة أشكال التمييز العرقي: " تتعهد الدول الأطراف بحظر وإلغاء التمييز العرقي بكافة أشكاله وضمان حق كل شخص، من دون تمييز على أساس الجنس، اللون، أو الأصل القومي أو العرقي، في المساواة أمام القانون، وخصوصاً في التمتّع ... بالحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، والعودة إليه".
- كما ينص الميثاق الدولي حول الحقوق المدنية والسياسية: "لن يتم حرمان أي شخص بشكل تعسّفي من الحق في دخول بلده".
ورغم هذا الحق الذي كفلته كافة القوانين ، إلا أن إسرائيل ترفض الانصياع للقانون الدولي فيما يتعلّق بحقوق السكان الأصليين غير اليهود. تُعرّف إسرائيل نفسها على أنها "دولة يهودية"، واللاجئون الفلسطينيون هم مسيحيون ومسلمون.
ويُقدّر العدد الأصلي للاجئين الفلسطينيين وذريتهم بأكثر من 6.5 مليون لاجئ يُشكّلون أكبر وأقدم مجموعة لاجئين في العالم، أي أكثر من ربع اللاجئين في العالم منهم أربعة ملايين من لاجئي عام 1948 مسجّلين لدى الأممالمتحدة ، و1.5 مليون من لاجئي عام 1948 غير مسجلين لدى الأممالمتحدة، إمّا لأنهم لم يُسجّلوا أسماءهم أو لم يحتاجوا للمساعدة عندما صاروا لاجئين ، كما يشملوا أيضا 773 ألف لاجئ نزحوا في عام 1967 و263 ألف لاجئ نزحوا داخل وطنهم .
والخطير في الأمر إن الأونروا والأمم لا تعترف إلا باللاجئين المسجلين في سجلاتها، ذلك أن هناك عدداً كبيراً من هؤلاء اللاجئين لم يسجلوا لدى الأممالمتحدة، أو فقدوا بطاقات تسجيلهم أثناء الهجرة، كما ان عدداً كبيراً منهم هاجر قبل التواريخ المحددة، وللأسباب نقسها التي نتجت عنها الهجرة، أو أنهم كانوا موجودين خارج البلاد لأسباب السفر أو الدراسة أو العمل في بعض دول الخليج وغيرها، أو العلاج أو الحج أو غيرها ، وهاجروا إليها داخل فلسطين، أو وجود أهل وأقارب لهم في الدول التي هاجروا إليها، أو بسبب توفر بعض الإمكانات المادية لدى هذه الأسر.
ونجد أن اللاجئين الفلسطينيين يعيشون في كافة أنحاء العالم، إلاّ أن معظمهم يعيش على بُعد 100 ميل فقط من حدود إسرائيل ، حيث يعيش نصف عدد اللاجئين في الأردن، وربعهم في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، وحوالي 15% منهم يعيشون في سوريا ولبنان. ويعيش ما تبقّى من اللاجئين الفلسطينيين في أنحاء العالم المختلفة، وبشكل رئيسي في الدول العربية، وأوروبا، والأمريكتين.
وأيّد المجتمع الدولي إلى حدٍ كبير حق الفلسطينيين في العودة وقدّم الدعم الكبير لوكالة أونروا، وهي الهيئة الأولى التي تقدّم المساعدات للاجئين. لكن المجتمع الدولي لم يتّخذ أي إجراء ملموس لإجبار إسرائيل على الانصياع للقانون الدولي والسماح للاجئين بالعودة.
اختيار التوقيت وحول اختيار هذا التوقيت بالذات لانتزاع هذه الصفة عن أبناء اللاجئين وأحفادهم، يقول المرة الخبير في الشئون القانونية سامر موسى لموقع "فلسطين أون لاين": "هنالك حديث عن محاولات أمريكية لإطلاق جولة مفاوضات بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني في أقرب فرصة.
وطيلة السنوات الماضية، كان ملف اللاجئين واحداً من أخطر الملفات المستعصية التي أدت إلى تعثر المفاوضات بشكل دائم بين الطرفين في حال البدء بمناقشتها".
ويشير موسى إلى أن القانون الدولي قد أكد في بنوده بما لا يدع مجالاً للشك أو التأويل على أن صفة "اللاجئ" لا تنطبق فقط على من تعرض للتهجير والاضطهاد وحده، بل وأيضاً على ذريته "من أبنائه وأحفاده وأحفاد أحفاده"، دونما تحديد لمدة زمنية معينة تُسقط بعدها عنهم جميعاً صفة اللجوء.
ويوضح موسى وجهة نظره أكثر قائلا :"ألم يكن من المفروض الآن أن نحيا نحن اللاجئين جميعاً وبشكل طبيعي في مدننا وقرانا الأصلية، لولا أن أجدادنا -ممن هجروا من قراهم ومدنهم- قد طردوا منها قسراً؟. إن معاناة الأجداد امتدت بالفعل إلى أبنائهم وأحفادهم. وبالتالي فإن ادعاء إسرائيل بأن اللاجئ هو فقط من هجر من أرضه هو باطل. إن حماية القانون الدولي تشمل بالفعل جميع اللاجئين الفلسطينيين".
ويشير إلى أن كل المحاولات الإسرائيلية الحالية لنزع صفة "لاجئ" عن السواد الأعظم من اللاجئين إنما يهدف وبشكل واضح إلى "خلق واقع يتوافق مع الأهداف الإسرائيلية، وهي إلغاء المظلة القانونية التي تُساندُ حق عودة اللاجئين، بحكم أنها خائفة من احتمال عودة هؤلاء- مهما كان هذا الاحتمال ضعيفاً - إلى أرضهم وديارهم، وبالتالي خلق واقع ديموجرافي جديد على الأرض، يكون فيه الفلسطينيون الأكثر عدداً في فلسطين المُحتلة".
تنديد وتحذير وشهدت الساحة السياسية الفلسطينية موجة من التنديد بالسعي الاسرائيلي لنزع صفة "اللاجئ" عن أبناء واحفاد الفلسطينيين ، فقد ندد الدكتور صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين بمساعي إسرائيل لتغيير الصبغة القانونية الخاصة بتعريف اللاجئين الفلسطينيين في الأممالمتحدة.
وقال للإذاعة الفلسطينية الرسمية :"إسرائيل سبق أن وقعت على أن قضية اللاجئين هي من قضايا الوضع النهائي ومساعيها لإسقاط هذا الحق الفلسطيني لا يمكن أن تنجح ولا يمكن أن يقبل به الجانب الفلسطيني".
وأشار عريقات إلى نجاح الجهود الفلسطينية في حزيران / يونيو الماضي في إفشال مساعي إسرائيلية لإصدار قرار من الكونغرس الأمريكي يمهد لشطب قضية اللاجئين الفلسطينيين، مضيفا "لا أحد يمكنه انتقاص صفة اللاجىء الفلسطيني وشطب حقوقه وستبقى هذه القضية واحدة من قضايا الوضع النهائي التي لا يمكن التوصل إلى سلام حقيقي في المنطقة من دون حلها جميعها".
ومن جهته كشف محمد ابو بكر من دائرة شئون اللاجئين بمنظمة التحرير اطلاق حملة فلسطينية دولية لتكذيب وتفنيد الرواية الاسرائيلية التي تحاول الترويج بان ابناء وأحفاد اللاجئين الفلسطينيين ليسوا لاجئين، وذلك في الوقت الذي أصدرت فيه دائرة شؤون اللاجئين في حركة حماس الاثنين بياناً صحافياً قالت فيه بأنها لن تسمح بأي تلاعب يمس اسم وتعريف اللاجئ الفلسطيني في المواثيق الدولية.
كما أعلنت حركة "حماس" عن رفضها المساعي الإسرائيلية الرامية إلى تغيير الصبغة القانونية الخاصة بتعريف اللاجئين الفلسطينيين في الأممالمتحدة.
وقالت دائرة شئون اللاجئين في الحركة، في بيان، إنها "لن تسمح بأي تلاعب يمسّ إسم اللاجئ الفلسطيني وتعريفه في المواثيق الدولية". وأضافت "ان المسعى الإسرائيلي سبق أن عرض عبر عضو كونجرس أمريكي لإنهاء عملية النقل الأوتوماتيكية لصفة لاجئ التي تطلق الآن على أحفاد اللاجئين الفلسطينيين". وشددت على أن "توارث الصفة من جيل إلى آخر أمر طبيعي"، محذرة من أن "أي تلاعب في وضع اللاجئين ومستقبلهم وحقوقهم يعني إرباك المنطقة والعالم، ولن يسمح اللاجئون الفلسطينيون بمرور هذه المؤامرات مرور الكرام". وأشارت إلى أن إسرائيل "ستدفع من أمنها ثمناً لهذا التلاعب، وسيطال الأمر كل من يقف إلى جانبها في هذه الحماقات".
ودعت "حماس" الأممالمتحدة ووكالة "الأونروا" الى "عدم التعاطي مع هذه المطالب غير المسئولة"، مشددة على أن "الحركة وكل حركات شعبنا الفلسطيني المقاوِمة، لن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى أهم ثوابت الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، يتصرف بها الصهاينة وحلفاؤهم". وحذرت من أن إسرائيل "بمسعاها هذا ستدفع لتوتير المنطقة ككل".
كما طالب حزب جبهة العمل الإسلامي بالاردن الحكومة باتخاذ موقف حازم إزاء محاولة اسرائيل تغيير الصفة القانونية الخاصة بتعريف اللاجئين الفلسطينيين عبر الأممالمتحدة والتي تنفي صفة "اللاجئ" عن شرائح واسعة من الفلسطينيين الذين أجبرهم الكيان على مغادرة فلسطين في عام 1948.
وحذر مسئول الملف الفلسطيني في الحزب المهندس مراد العضايلة في تصريح له من مغبة "التلاعب" بما يمس اسم وتعريف اللاجئ الفلسطيني في المواثيق الدولية، وقال "هذا حق تاريخي مقدس وأحد أهم ثوابت الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف ولا يسقط بالتقادم وينتقل عبر الأجيال".
واضاف ان الحكومة تتحمل مسئولية اضافية، اذ ان نصف اللاجئين الفلسطينيين في العالم موجودون في الاردن، وهذا "يتطلب موقفاً اردنياً رسمياً وشعبياً جاداً لإفشال المساعي الصهيونية بهذا الصدد". ودعا العضايلة الجامعة العربية والمنظمات الحقوقية العربية والدولية الى الوقوف في وجه المساعي "العدوانية" الصهيونية، مشدداً على ان اللاجئين "لن يسمحوا" بمرور ما وصفه ب "المؤامرة الجديدة" على حق العودة.
ونبه الى ان مثل هذه الاستفزازات الصهيونية الهادفة الى الالتفاف على قضية اللاجئين من شأنها "إشعال المنطقة بموجة غضب جديدة".
"لاجئ يهودي" وفي الوقت الذي تحاول فيه اسرائيل منع الفلسطينيين من العودة لوطنهم ، تسعى إلى تعويض اليهود الذين هاجروا إليها من الدول العربية منذ عام 1948.
ففي خطوة جديدة لالغاء حق عودة اللاجئين، اطلقت وزارة الخارجية الاسرائيلية حملة جديدة لليهود الشرقيين الذين وصلوا الى اسرائيل بعد 1948، تحت عنوان "انا لاجئ يهودي" وتدعوهم فيها الى تثبيت حقهم في الدول العربية التي جاءوا منها لافساح المجال امام الوزارة لحسم القضية عبر تحديد تعويضات لهؤلاء ولأبناء عائلاتهم.
وتسعى الحملة الى تجنيد اليهود الشرقيين بهدف نشر شهادات توثيقية واخرى ذاتية على صفحة "فيسبوك" التابعة للوزارة باللغات العربية والانجليزية والعبرية، يشرحون فيها ما تعتبره اسرائيل "معاناتهم وسلب حقوقهم في الدول العربية التي غادروها" وكيف تم سلب اموالهم وممتلكاتهم وطردهم ليس لسبب إلا لانهم من الشعب اليهودي الذي اقام الدولة العبرية".
وكان نائب وزير الخارجية، اليميني المتطرف داني ايالون اطلق الحملة. وفي ترويجه يقول انه ابن لاب جزائري طرد من الجزائر ويريد اليوم "تصحيح هذا الغبن التاريخي". واضاف مدعيا انه "تم طرد 865 ألف يهودي من الدول العربية"، أو "أجبروا على مغادرة بلدانهم معدمين ووصلوا إلى إسرائيل لاجئين، إلا أن قصة لجوئهم هذه لم تحظ باعتراف المجتمع الدولي ولا من جانب دولة إسرائيل". وفي ممارسة واضحة للتمييز الديني والعرقي يسمح لأولئك الذين يعتنقون اليهودية، بالهجرة إلى إسرائيل بحسب "قانون العودة" الاسرائيلي ، وفي المقابل يُمنع السكّان الأصليين من المسيحيين والمسلمين الفلسطينيين من العودة إلى منازلهم.
وتركز إسرائيل في الملف الذي تُعِدّه، على أن هناك فرقاً هاماً وكبيراً بين يهود الدول العربية واللاجئين الفلسطينيين، إذ إن "العديد من العرب الفلسطينيين كانوا ضالعين في النزاع الذي أحدثته الدول العربية، بينما كان يهود الدول العربية سكاناً مسالمين، وفي وضع أهل الذمة في بلدانهم الأصلية على مر قرون عديدة، إن لم يكن على مر آلاف السنين" – على حد زعمها.
وفي النهاية نؤكد انه يصعب على الإسرائيليين القبول بأن استقلالهم جاء على حساب السكّان الفلسطينيين الأصليين الذين شُرّدوا عن وطنهم وممتلكاتهم ، ونتيجة لذلك، تنشر إسرائيل عدداً من الأساطير عن أسباب أزمة اللاجئين الفلسطينيين، بما في ذلك مقولات أن: الجيوش العربية أصدرت الأوامر للاجئين الفلسطينيين بالرحيل، والاذاعات العربية وجّهت الأوامر للاجئين الفلسطينيين بالرحيل، والفلسطينيون ليسوا أصلاً من فلسطين، وقضية اللاجئين هي نتيجة للحرب التي بدأها العرب، وبالطبع كل تلك الأشياء يحاول بها الاحتلال الإسرائيلي تبرير موقفه من قضية اللاجئين الفلسطينيين .