شاهد، أعمال تركيب القضبان والفلنكات بمشروع الخط الأول من شبكة القطار الكهربائي السريع    الصين تُبقي أسعار الفائدة دون تغيير للشهر السادس رغم مؤشرات التباطؤ    ترامب يوقع قانونًا لنشر ملفات جيفري إبستين.. ويعلن لقاءً مع رئيس بلدية نيويورك المنتخب    حجبت الرؤية بشكل تام، تحذير عاجل من محافظة الجيزة للمواطنين بشأن الشبورة الكثيفة    سيد إسماعيل ضيف الله: «شغف» تعيد قراءة العلاقة بين الشرق والغرب    ترامب يرغب في تعيين وزير الخزانة سكوت بيسنت رئيسا للاحتياطي الاتحادي رغم رفضه للمنصب    أخبار فاتتك وأنت نائم| حادث انقلاب أتوبيس.. حريق مصنع إطارات.. المرحلة الثانية لانتخابات النواب    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 20 نوفمبر 2025    انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    تحريات لكشف ملابسات سقوط سيدة من عقار فى الهرم    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    زوار يعبثون والشارع يغضب.. المتحف الكبير يواجه فوضى «الترندات»    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    بيان سعودي حول زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    سفير فلسطين: الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية ثابت ولا يتغير    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    كيفية تدريب الطفل على الاستيقاظ لصلاة الفجر بسهولة ودون معاناة    فلسطين.. تعزيزات إسرائيلية إلى قباطية جنوب جنين بعد تسلل وحدة خاصة    مكايدة في صلاح أم محبة لزميله، تعليق مثير من مبابي عن "ملك إفريقيا" بعد فوز أشرف حكيمي    مصادر تكشف الأسباب الحقيقية لاستقالة محمد سليم من حزب الجبهة الوطنية    طريقة عمل البصل البودر في المنزل بخطوات بسيطة    يحيى أبو الفتوح: منافسة بين المؤسسات للاستفادة من الذكاء الاصطناعي    إصابة 15 شخصًا.. قرارات جديدة في حادث انقلاب أتوبيس بأكتوبر    طريقة عمل الكشك المصري في المنزل    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    مأساة في عزبة المصاص.. وفاة طفلة نتيجة دخان حريق داخل شقة    أسعار الدواجن في الأسواق المصرية.. اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    خبيرة اقتصاد: تركيب «وعاء الضغط» يُترجم الحلم النووي على أرض الواقع    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    بنات الباشا.. مرثية سينمائية لنساء لا ينقذهن أحد    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    مهرجان القاهرة السينمائي.. المخرج مهدي هميلي: «اغتراب» حاول التعبير عن أزمة وجودية بين الإنسان والآلة    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء ببولاق الدكرور    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    موسكو تبدي استعدادًا لاستئناف مفاوضات خفض الأسلحة النووي    بوتين: يجب أن نعتمد على التقنيات التكنولوجية الخاصة بنا في مجالات حوكمة الدولة    تأجيل محاكمة المطربة بوسي في اتهامها بالتهرب الضريبي ل3 ديسمبر    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    ديلي ميل: أرسنال يراقب "مايكل إيسيان" الجديد    بالأسماء| إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وملاكي بأسيوط    فتح باب حجز تذاكر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدورى أبطال أفريقيا    أرسنال يكبد ريال مدريد أول خسارة في دوري أبطال أوروبا للسيدات    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    تصل إلى 100 ألف جنيه، عقوبة خرق الصمت الانتخابي في انتخابات مجلس النواب    أمريكا: المدعون الفيدراليون يتهمون رجلا بإشعال النار في امرأة بقطار    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    قليوب والقناطر تنتفض وسط حشد غير مسبوق في المؤتمر الانتخابي للمهندس محمود مرسي.. فيديو    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإخوان‏..‏ والصعود نحو الهاوية 10‏

تاريخ الجماعة سلسلة من التحالفات تنتهي بالغدر بالحليف الإخوان لم يخلصوا إلا لأنفسهم ولحلمهم بالخلافة‏,‏ والحزب الواحد تراجع حكومة حسين سري عن نقل حسن البنا إلي قنا
خامسا‏:‏ الإخوان وحكومات الأقلية‏:‏ الناظر لتاريخ الإخوان المسلمين‏,‏ لابد له أن يلحظ أنه يقوم علي سلسلة من التحالفات تعقبها خصومة أو غدر بحليف الأمس‏,‏ وربما تزامن الموقفان فيظهر الإخوان التأييد بينما يضمرون غير ذلك فهم وعلي رأسهم مرشدهم العام لم يخلصوا إلا لأنفسهم‏,‏ وإلي حلمهم بالخلافة‏,‏ وبالحزب الأوحد‏.(‏ هدي شامل أباظة النقراشي دار الشروق الطبعة الثانية‏,‏ ص‏215).‏ وأول دعم حقيقي حصل عليه الإخوان‏,‏ بعد دعم السراي الذي سبق أن تحدثنا عنه‏,‏ كان الدعم المقدم من حكومات وأحزاب الأقلية الموالية علي طول الخط للسراي‏,‏ وأول هذا الدعم حظي به الإخوان من قبل وزارة محمد محمود باشا رئيس حزب الأحرار الدستوريين‏(30‏ ديسمبر‏1937‏ 18‏ أغسطس‏1939‏ م‏)‏ فقد قامت تلك الوزارة باستصدار قانون يمنع التشكيلات شبه العسكرية لكل الأحزاب‏,‏ وقامت بتطبيقه علي كل من حزب الوفد فحلت اصحاب القمصان الزرقاء‏,‏ ثم مصر الفتاة فحلت أصحاب القمصان الخضراء‏,‏ ولكنها استثنت من كل ذلك جوالة الإخوان لاستخدامها فيما بعد كأداة لمحاربة حزب الوفد‏,‏ ومهادنة الاستعمار‏.‏
وقد ساهم هذا الموقف في استشراء نفوذ الجماعة إلا أن المد الحقيقي لم يبلغ أوجه إلا مع تشكيل حكومة علي ماهر في أغسطس‏1939.‏
ويتضح دعم الأحرار الدستوريين للإخوان علي الرغم من موقفهم المتأرجح من حكومة محمد محمود‏,‏ من خلال رواية الدكتور حسين هيكل وزير المعارف آنذاك لقصة نقل حسن البنا إلي قنا‏,‏ حيث يقول القطب السياسي الكبير إن السلطات البريطانية قد طلبت من حسين سري باشا رئيس الوزراء آنذاك الحد من نشاط حسن البنا‏,‏ الذي اتهمته تلك السلطات بالعمل لحساب إيطاليا في مستهل الحرب العالمية الثانية‏,‏ فرأي حسين سري نقله إلي الصعيد بناء علي أن مثل هذا السياسي لا يتفق والعمل الحكومي‏,‏ ثم يعقب الدكتور حسين هيكل قائلا‏:‏
لكن نقل حسن البنا أدي إلي ما لم يؤد اليه نقل مدرس غيره فقد جاءني غير واحد من النواب الدستوريين يخاطبني في إعادته إلي القاهرة ويرجوني في ذلك بإلحاح‏,‏ ولما لم أقبل هذا الرجاء ذهب هؤلاء النواب إلي رئيس الحزب‏,‏ عبدالعزيز فهمي‏(‏ باشا‏),‏ وطلبوا اليه أن يخاطبني في الأمر وتنجح وساطة عبدالعزيز فهي لدي حسين سري‏,‏ في إعادة الرجل إلي القاهرة‏,(‏ هدي شامل المصدر السابق ص‏217).‏
والذي لا شبهة فيه أن تراجع حسين سري أشعر الشيخ حسن بأن له من القوة ما يسمح له بمضاعفة نشاطه من غير أن يخشي مغبة ذلك النشاط‏,‏ وأن هذا الشعور كان له أثره في تطور جماعة الإخوان المسلمين من بعد‏.(‏ هدي شامل المصدر السابق ص‏217).‏
وينعكس هذا الشعور بالزهو والقوة في اللهجة الحاسمة التي يخاطب بها حسن البنا الملك‏,‏ في الخطاب الذي رفعه اليه عام‏1941‏ جاء فيه‏:‏
أرجو أن تأمروا جلالتكم بأن تعني الحكومة المصرية عناية جدية بإيجاد علاج سريع لفوضي الحياة الاجتماعية‏,‏ التي وصلت إلي حد من الاختلال والفساد ينذر بأخطر العواقب‏,‏ فتصدر التشريعات التي توجب علي كبار رجال الدولة والوزراء وحكام الأقاليم‏,‏ أن يؤدوا الصلوات في أوقاتها وأن يكونوا قدوة صالحة لغيرهم في احترام الدين‏....‏
ويبلغ الصلف مداه إبان المؤتمر الذي دعا اليه الإخوان أعضاء الشعب في شهر أكتوبر‏1945,‏ ويبلغ من اقبال المدعوين عليه ان تكتظ دار الإخوان بشارع أحمد بك ثم دارهم المقابلة في ميدان الحلمية بالحاضرين‏,‏ وقد بلغ عددهم‏5000‏ شخص فوقفوا في الشارع‏,‏ مما اضطر البوليس إلي تحويل المرور عن هذين الشارعين‏.‏ ويتحدث حسن البنا فينسب اتجاه الإخوان المسلمين ووجهة نظرهم السياسية في الفترة الأخيرة إلي تناحر الأحزاب وإغفالهم حقوق البلاد ويعلن انه سيوحد صفوف الأمة ويترك الصف الأول للزعماء لقيادة الشعب فإذا تخلفوا فإنه سيضطر إلي قيادتهم‏(‏ وفق تقرير مرفوع عن حكمدار بوليس مصر إلي مدير عام إدارة عموم الأمن العام بتاريخ‏1945/10/3).‏
كما تحالف الإخوان كذلك مع اسماعيل صدقي‏,‏ كان قد أدرك ما لديهم من نفوذ‏,‏ فزار مركزهم العام فور توليه الوزارة في عام‏1946,‏ خلفا للنقراشي الذي ساهم الإخوان في اسقاط وزارته‏,‏ وقد استقبل استقبالا هائلا من جماعة الإخوان الذين استشهدوا بالآية الكريمة‏:(‏ واذكر في الكتاب اسماعيل إنه كان صادق الوعد‏..‏ وكان صدقي يريد استغلال هذا النفوذ المستشري لضرب الوفد والشيوعية‏,‏ فمنح الجماعة عدة تسهيلات رسمية منها ترخيص بإصدار الصحيفة الرسمية للجماعة‏,‏ جريدة الإخوان المسلمون التي بدأت تظهر في مايو‏1946,‏ وقد منحهم كذلك امتيازات في شراء حبر الطباعة بالاسعار الرسمية‏,‏ مما كان يعني توفير من‏20‏ إلي‏30%‏ من أسعار السوق السوداء‏,‏ ثم عاد الإخوان وانقلبوا علي صدقي بعد انهيار مفاوضات صدقي بيفن‏,‏ بدعوي أن هذه المفاوضات لم تحقق إلا التافه القليل علي حد قول محمود عبدالحليم (‏هدي شامل المصدر السابق ص‏218‏ 219).‏
بالطبع كان من نتائج كل هذه التحالفات وسقوط أحزاب الأقلية في براثن الإخوان تحت دعوي استغلال شعبيتها أن استفحلت الجماعة واستشري نفوذها إلي حد وصل إلي تحدي رئيس احدي حكومات احزاب الأقلية تلك وقتله في وضح النهار وفي عقر داره‏(‏ وزارة الداخلية‏)‏ وأقصد هنا محمود فهمي النقراشي باشا ففي مرافعته امام المحكمة العسكرية العليا‏,‏ المنوط بها الحكم في الاتهامات الموجهة للجماعة‏,‏ عقب اغتيال النقراشي يلقي أحمد حسين المحامي ورئيس حزب مصر الفتاة‏,‏ اللوم علي الأحزاب التي قد أجمعت علي تملق جماعة الإخوان‏,‏ مما أغراهم بالمضي قدما حتي نهاية الشوط علي حد قوله فالاحزاب بصفة عامة والنقراشي بصفة خاصة مسئولون عما آل اليه الأمر‏(‏ هدي شامل المصدر السابق ص‏220)‏ وأضاف الرجل مستشهدا علي ذلك الأمر بالسياسة التي انتهجتها الحكومات المختلفة‏,‏ باستثناء الوفد‏,‏ بغض الطرف عن نشاط الجوالة علي الرغم من صدور القانون رقم‏17‏ لسنة‏1937,‏ والذي يحظر التشكيلات العسكرية وشبه العسكرية والذي تم تطبيقه علي التنظيمات المماثلة التابعة لحزبي مصر الفتاة والوفد وهو القانون الذي ينطبق علي جوالة الإخوان المسلمين‏,‏ وقد بلغ عدهم عشرين ألفا‏,‏ بالإضافة إلي ذلك فإن قانون الكشافة يحظر انتماءها إلي جماعة سياسية أو دينية‏.‏ ويستدل رئيس حزب مصر الفتاة كذلك علي ما يقول بزيارة وزير من وزراء الدولة في ذلك الوقت وهو حامد بك جودة لحسن البنا‏,‏ عندما كان في معتقل الزيتون في عام‏1941,‏ وهي الزيارة التي أعقبها الإفراج عن المرشد العام للإخوان‏,‏ ويعقب قائلا‏:‏ خرج الأستاذ حسن البنا من الاعتقال وقد زاد جاها وعزا بوقوف الوزراء إلي جواره‏,‏ ومضي في دعوته حرا طليقا‏,‏ يجوب البلاد‏,‏ يؤلف الشعب‏,‏ وينظم الجماعات‏(..)‏ واشتهر في البلاد أن الإخوان المسلمين في حماية الحكومة القائمة وفي حماية السعديين بصفة خاصة‏.(‏ هدي شامل المصدر السابق ص‏221).‏ واسترسل أحمد حسين في مرافعته قائلا‏:‏ إن الإخوان كانوا يجمعون السلاح من الصحراء الغربية لحرب فلسطين‏,‏ تحت سمع الحكومة وبصرها‏,‏ وقد قرر عمار بك وكيل وزارة الداخلية أمام المحكمة أنه تم التحقيق في واقعة انفجار حدث في دار الإخوان المسلمين‏,‏ وقد كشف التحقيق عن وجود ذخائر في هذه الدار‏,‏ إلا أنه صرف النظر عن هذه الواقعة عندما قرر الإخوان أن الانفجار كان سببه الذخيرة المخصصة لفلسطين‏.(‏ هدي شامل المصدر السابق ص‏221).‏
وتقدم الدكتورة هدي شامل أباظة حفيدة النقراشي باشا مرافعة رائعة عن جدها في كتابها السابق الإشارة إليه‏.‏ الصادر ضمن سلسلة إعادة قراءة التاريخ المصري تحت عنوان‏(‏ النقراشي الطبعة الثانية دار الشروق‏2009),‏ حيث تقرر منذ اللحظة الأولي أن فترة حكم النقراشي كانت بمثابة المحنة الكبري بالنسبة للإخوان علي حد التعبير الذي استخدموه فقد بدأ هذا الحكم باعتقال حسن البنا وأحمد السكري وعبدالحكيم عابدين‏,‏ بناء علي الشك في ضلوع الجماعة في مقتل أحمد ماهر‏,‏ حيث كان القاتل الذي كان ينتمي إلي الحزب الوطني مواليا لهذه الجماعة‏,‏ وبعد هذا الاعتقال الذي لم يدم لفترة طويلة توجه حسن البنا لزيارة رئيس الوزراء‏,‏ ليقدم له تعازيه في وفاة أحمد ماهر‏,‏ وليشرح له طبيعة دعوته‏.‏ ويتضح من أول اتصال معروف بين الطرفين أن البنا هو الذي سعي إلي النقراشي وليس العكس‏.‏ ومن ناحية أخري سارع النقراشي باصدار أوامره بإخضاع نشاط الجماعة وجميع تنظيماتها للمراقبة الدقيقة‏,‏ وهي السياسة التي اتبعها طوال فترة حكمه وفق كلام ميتشيل‏,‏ فهي إذن علاقة لا تتسم بالعطف ولا بالمحاباة‏(‏ هدي شامل المصدر السابق ص‏222).‏
ولكن الدكتورة سرعان ما تقول ولكن موقف الإخوان من حكومة النقراشي قد اتسم بالمهادنة من جانبهم‏,‏ فأيدوا قراره بتدويل القضية المصرية‏,‏ وقامت جوالة الإخوان‏(‏ لم يقم النقراشي بحلها طبقا للقانون السابق الإشارة إليه متبعا في ذلك أسلوب من سبقوه‏)‏ باستعراض في القاهرة في‏20‏ يونيو‏1947‏ لبعث الروح في الشعب وفق تعبير إحدي قيادتهم‏,‏ فتصدي لهم البوليس لمنعهم من مواصلة استعراضهم‏.(‏ هدي شامل المصدر السابق ص‏222)‏
ولكن سرعان ما استغل الإخوان قوتهم المتاحة في التخريب فقاموا بإغتيال حكمدار القاهرة والقاضي الخازندار ونفذوا عددا من التفجيرات في عدد من المحلات العامة‏,‏ والمنشآت الإقتصادية‏,‏ وأقسام البوليس‏,‏ فلما عزم النقراشي علي حل الجماعة كتب البنا خطابا للملك في الرابع من ديسمبر‏1948‏ هذا نصه‏:‏ حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول ملك وادي النيل حفظه الله‏:‏
أحمد اليكم الله الذي لااله إلا هو واصلي وأسلم علي سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين وأحيي سدة جلالتكم المجيدة بتحية الاسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته متبوعة بأصدق آيات الاخلاص وأخلص معاني الولاء‏.‏
يا صاحب الجلالة‏:‏
لقد حرمنا جهادنا في فلسطين أو كدنا لا لضعف في جيشنا أو تخاذل في شعبنا أو نقص في عددنا أو جهل بواجبنا ولكن لتحكم السياسة المترددة في الحرب الصارمة وتدخل رئيس الحكومة في شئون القتال وتردده في مواجهة المواقف بما تقتضيه إلي جانب العوامل الأخري التي لايد لنا فيها ولكن كان في وسع الحازم اللبق والقوي الفن أن ينتفع بها ويستفيد منها‏.‏
ولقد انفرد الحاكم العام بالعمل في السودان ينفذ فيه سياسة بريطانيا المرسومة وخططها الانفصالية المعلومة وأخذ يوجه إلي مصر اللطمة بعد اللطمة وينفذ من برنامجه الخطوة تلو الخطوة والحكومة المصرية تمد له في ذلك وتشجعه علي المضي فيه بسياستها السلبية وهو ممعن في عدوانه حتي بلغ به الأمر أخيرا إلي أن يمنع بعثة المحامين من أداء واجبها ويعلن علي لسان رجاله أن مصر شيء والسودان شيء آخر وكل هذا يحدث والحكومة المصرية لم تفعل شيئا بعد‏.‏
والعالم كله الآن يا صاحب الجلالة تغلي مراجله بالأحداث الجسام والخطوب العظام ويبدو في آفاقه كل يوم شأن جديد لايقوي أبدا دولة النقراشي باشا علي أن يضطلع بأعباء التصرف فيه بما يحفظ كرامة مصر ويصون حقوق الوادي المجيد العظيم‏,‏ والنزاهة وطهارة اليد لا تكفي وحدها لمواجهة هذه الغمرات المتلاحقة من أحداث الزمن ومضلات الفتن‏.‏
وفي وسط هذه اللجة من الحوادث الجسيمة التي تتصل بحاضر الوطن ومستقبله وكيانه في الصميم يعلن دولة النقراشي باشا الحرب السافرة الجائرة علي الاخوان المسلمين‏.‏
فيحل بالامر العسكري بعض شعبهم ويعتقل بهذه السلطة نفسها بدون اتهام أو تحقيق سكرتيرهم العام وبعض أعضاء هيئتهم ويأمر الوزارات والمصالح المختلفة بتشريد الموظفين الذين يتصلون بالهيئة ولو بالاشتراك في أقسام البر والخدمة والاجتماعية تليفونيا أو تلغرافيا إلي الأماكن النائية والمهاوي السحيقة وما عليهم أن ينقلوا فذلك شأن الموظف المفروض فيه ولكن صدور هذه التنقلات في هذه الصور القاسية التي تحمل معني الانتقام والاتهام تجرح الصدور وتثير النفوس وتسيء اليهم في نظر رؤسائهم ومرءوسيهم علي السواء‏.‏
ويصدر الرقيب العام أمره بتعطيل جريدتهم اليومية إلي أجل غير مسمي بحجة لاقيمة لها ولا دليل عليها بل انه لو صحت الأوضاع لكان للجريدة أن تؤاخذ الرقباء أشد المواخذة بمواقفهم منها وتعنتهم معها وعدم اصغائهم الي شكاياتها المتلاحقة‏.‏
ويتردد علي الأفواه والشفاه قرار حل الهيئة ووعيد الحكومة لكل من اتصل بها بالويل والثبور وعظائم الأمور‏.‏
وأخيرا يحاول دولة رئيس الحكومة أن يلصق بالاخوان تهمة الحوادث الأخيرة التي لم تكن الا صدي لهذا العدوان من الحاكم في السودان ولجهاد اخواننا السودانيين في جنوب الوادي ويلقي عليهم تبعه هذا الحادث الأسيف حادث مصرع حكمدار العاصمة الذي كان المركز العام للاخوان المسلمين أول من اسف له وتألم منه اذ كان رحمة الله معروفا بعطفه علي حركتهم ودفاعه عن هيئتهم ومواقفه الطيبة في ساعات المحن إلي جانبهم مع حكمة في العمل واحسان في التصرف‏.‏
ويحاول دولته أن يتذرع لهذه الحرب الشعواء بتحقيقات لم ينته أمرها بعد ولم يعرف فيها المتهم من البريء إلي الآن وان كانت وزارة الداخلية في بلاغاتها الرسمية قد خالفت أمر النيابة وسبقت كلمة القضاء وأعلنت علي رءوس الأشهاد اتهام الأبرياء‏.‏
يا صاحب الجلالة‏:‏
اسمح أن أجرأ في هذا المقام الكريم فأقول إن هذه المجموعة من الاخوان المسلمين في وادي النيل هي أطهر مجموعة علي ظهر الأرض نقاء سريرة وحسن سيرة واخلاصا لله وللوطن وللجالس علي العرش في كل كفاحهم في سبيل دعوة لاتخرج أبدا عما رسم الاسلام الحنيف قيد شعرة وأنهم بحكم ايمانهم ومنهاجهم ونظامهم وانتشار دعوتهم بكل مكان في الداخل والخارج أفضل قوة يعتمد عليها من يريد بهذا الوطن الخير ويتمني له التقدم والنهوض وأكتب ورقة في يد كل عامل لخير البلاد والعباد وان تحطيم دعوتهم والقضاء عليهم وهو ما تستطيعه الحكومة إذا أرادته وصممت عليه ولو في ظاهر الامر إلي حين بما في يدها من سلطات عسكرية وما تملكه من قوة رسمية ليس من المصلحة في شيء بل هو قضاء علي نهضة هذا الوطن الحقيقية وقتل للبقية الباقية من روح الاخلاص والجد والاستقامة والطهر فيه علي ان نتائج هذا الموقف في مثل هذه الظروف غير مضمونة ولا معروفة ولا أدري لحساب من يقوم دولة رئيس الحكومة بهذه المهمة ويحمل هذه التبعة الضخمة أمام الله وأمام الناس وفي التاريخ الذي لا ينسي ولا يرحم‏.‏
ياصاحب الجلالة‏:‏
ان الأخوان المسلمين باسم شعب وادي النيل كله يلوذون بعرشكم وهو خير ملاذ ويعوذون بعطفكم وهو أفضل معاذ ملتمسين أن تتفضلوا جلالتكم بتوجيه الحكومة إلي نهج الصواب أو باعفائها من أعباء الحكم ليقوم بها من هو أقدر علي حملها ولجلالتكم الرأي الأعلي والله أسأل أن يتم عليكم نعمة التأييد والتوفيق والسلام عليكم ورحمة اله وبركاته‏,,,-‏ المخلص حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين‏..‏
والي لقاء‏.‏
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.