إن الذي يجهل تاريخ( أم الدنيا) لا يصح حكمه علي الحاضر ويفقد استشراف القادم من أيام الله فلا يملك رؤية مستقبلية, ومن لا يعرف تطورات الإنسان لا يستطيع وضع قوانين التحضر والسلوك الإنساني في الحياة, نعم ذلك لعموم الناس, فما بالنا والمسئول يجهل هذا وذاك, والأدهي أن يكون المسئول صاحب القرار الأول داخل حدود محافظته, ثم الأسوأ أن تكون هذه المحافظة الأولي عالميا في اقتناء آثار الأقدمين, إنها( محافظة الجيزة) التي تستقبل قوافل السائحين من كل بقاع الدنيا, يأتون للوقوف علي أخبار العالم الأول ليضيفوا صفحات الخلود إلي مصادر التاريخ, ثم يحققان السبق في تطوير الفنون والعلوم والصناعات بعدما تتلمذوا علي أيدي رواد الفكر منذ نحو سبعين قرنا..!! وعلي ذكر رواد الدنيا من المصريين القدماء, نوجه رسالة من أعماق تراثهم العظيم إلي كبير( أم الدنيا) الرئيس( السيسي), لعله يدق أعناق المسئولين النهازين والمخربين جهلة التراث والتاريخ: إن الملك في مصر القديمة لم يكن كل شيء في مصر, بل كان لأمراء الأمة ووزرائها- في كثير من الأحيان- أثر عظيم في الإصلاح وفي الحكم, فكانوا أمة جد..!! كان ذلك قبل الميلاد( أمة جد), ثم دارت دورة الفلك ونحن في الألفية الثالثة بعد الميلاد يشمر فيها المسئول عن سواعد الهدم والتشويه في حاضرة( أمة الجد) لتصبح حاضرة التخريب واغتيال الجمال وتشويه التراث, واستمرار مقاصد الجهل المتسارع الذي يتجاسر علي معالم حضارة الإنسانية فتكاثفت غيوم التشويه وسحب التلوث وجهالة الجوار لأعظم تراثيات الدنيا, فانتشرت البنايات السرطانية في محافظة الجمال المعماري, تطغي علي الهوية وتطمس المعالم, فانتحر الانتماء أو فر هاربا من نفوس الأبناء, ثم استعمر التلوث الأنفس ففسدت النفوس المخلصة واتجهت إلي الخنوع والإحساس باستحالة الإصلاح, فماذا كان الحصاد؟ الخراب المعماري والتصورات الخاطئة التي جعلت عمائر شاهقات تطاول السحاب داخل شوارع أقرب إلي الحارات والأزقة معظمها في حدود الأمتار الخمسة فأقل, فابتليت الحياة من أجل مكاسب محرمة أضرت بالبيئة والناس, مكاسب لا تقل خطرا عن تجارة المخدرات لأنها قتلت البيئة وأفسدت الأرض ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها( الأعراف/56), ولم يعد هناك موضع قدم للمشاة وأحيانا العربات, ثم انفجار مواسير الصرف ومياه الشرب, فازداد التلوث, وأصبحت( الجيزة) عاصمة الأقدمين مرتعا للأوبئة والأمراض حتي استعصت علي العلاج, وكبير المحافظة يصرح بأنه من أحسن الصنيع وأسبغ الرفاهية والنظافة والجمال علي أحفاد الأقدمين من المصريين, وكذا علي قوافل السائحين..!! لقد أصبحت قبلة السواح محافظة الغرائب والأعاجيب, بينما المأمول أنها تدخل الشعور بالفخر علي وجدان المصريين خاصة بعدما حاق بأم الدنيا من عوادي الدهر ما أوشك أن يهزم الهمم, فما حقائق عظمة الأجداد إلا سبيل الخروج من القنوط واليأس الذي ألم بناس مصر وهم يعيشون فوضي العمارة وطغيان التشويه والفساد..! نحن ما قصدنا سوي أن نسهل علي الأبناء معرفة ماضيهم العظيم, فإن حقيقة وجودهم هي مجموع ماضيهم وحاضرهم, فإن معرفة الماضي خير سبيل لمعالجة الحال حتي نصل به إلي مستقبل رغيد. فهل العقل المصري أشهر إفلاسه في إيجاد طرق صحيحة لتفادي الهدم, فبجانب دائرة غير المستطاع دائرة المستطاع.