ونحن في شهر القرآن نأمل أن تكون حياتنا علي المدي ترجمة واقعية للمنهج القرآني فتستقيم أحوالنا التي أشبهت الآن هذا المثل القرآني: خصمان بغي بعضنا علي بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلي سواء الصراط, إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب, قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلي نعاجه ببساطة يعني المثل براعة حجة الغني في الحصول علي ما في أيدي الفقير, فاحتكما إلي سيدنا( داود), عليه السلام. والمشهد ذات المشهد في أيامنا, فإلي من يحتكم الفقير في( أم الدنيا) وقد أتت حكومته علي ما يقتات به عندما قررت خفض عجز الموازنة علي حسابه مع متوسطي الحال بدلا من اقتلاع البذخ الحكومي ومصادرة الصناديق الخاصة و فرض الضرائب التصاعدية علي الأثرياء واستعادة أموال( أم الدنيا) المنهوبة, وإلغاء امبراطورية المستشارين المستوطنين دواوين الحكومة, ومحاربة النهازين وأصحاب رايات الجشع المتأصل, ومصادرة أملاك وأمول العاملين في الدولة خاصة أصحاب المناصب بعد إحياء قانون( من أين لك هذا؟), وغيرها من مصادر الدخل التي تجبر عجز الموازنة بعيدا عن صاحب( النعجة) الواحدة, فضلا عن إعادة ترتيب قطاع البترول والمسارعة في النظر إلي قطاع التعدين ومناجمه المنهوبة, والنظر في أمر التعاقدات الدولية الخاصة بالغاز بتعديل أو إلغاء الأسعار التي لم تعد تتناسب مع الوقت الراهن محليا ودوليا. إن ثروات( أم الدنيا) وتوزيعها مفترض أنها تحت إرادة الدولة تستطيع أن تتحكم فيها وتوزعها توزيعا عادلا أو أقرب إلي العدل, لأن أول ما تصطدم به نهضة الأمم توزيع الثروة في الأمة..! إن تنظيم الثروة عماد كل اصلاح ورقي حياتنا في كل نواحيها علما بأن انهيار تنظيم الثروة يستتبع انهيار جميع أحوال الأمة..!! إنه واجب الدولة نحو أفراد المجتمع, أو هو ما يعرف بالعدل أو العدالة الاجتماعية, فالحكومة هي المسئولة عن توفير الخدمات العامة للمواطنين, فهي الوحيدة أي الحكومة التي تملك تطبيق القوانين وفرض هيبتها ضد كل أشكال الفساد والانتهازية, هي أيضا من تملك السيطرة علي الأسواق, فالقرارات وحدها والقوانين علي كثرتها لن تحقق العدالة ولن تنقذ الفقير وأصحاب الرواتب الهزيلة, مالم تكن هناك رقابة( حديدية صارمة) مستديمة, وتعزيز هذه الإجراءات بالمزيد من تشديد العقوبات ولو وصلت في بعض الحالات إلي الإعدام. نحن لسنا ضد الاصلاحات الاقتصادية وغير الاقتصادية لكننا كنا نأمل أن يأتي الإصلاح من أعلي نزولا إلي السواد الأعظم من( الغلابة), فكم من أصحاب المناصب يتقاضون مبالغ تخطت المقارنة في دول العالم وفاقت خيال الخواطر في دولة مصنفة عالميا في دائرة( العوز)..!! لكن أن يبدأ الإصلاح من( جيوب) الفقراء وأصحاب المعاشات التي أصلا أي الجيوب خاوية أو كادت, فما كانت هذه البداية إلا نذير شؤم علي الحكومة, لأن فوضي الأسعار تتحملها الفئات الفقيرة وهي غالبية سكان( المحروسة) وبالتالي قد تؤدي إلي ثورة الجياع, وقد قرأت قديما لأحد فلاسفة اليونان الأقدمين عن العدل الاجتماعي قولته: إن خير دولة أو خير حكومة هي التي تضع كل فرد من أفراد الأمة في خير مكان يليق به حسب استعداده, ويستطيع أن يظهر فيه مواهبه, ثم تمده الدولة بجميع ما يحتاج إليه لأداء ما عهد إليه به.. نعم قد يكون كلاما فلسفيا, لكن ذلك يعود بنا إلي أحوال الفقراء وما أصابهم من( تسونامي) الأسعار, فكم هي حقيقة موجعة في مجتمع( أم الدنيا) الذي أصابته تخمة ثراء القلة واحتضار فقر الكثرة مع غياب ما كان يعرف قديما بالطبقة الوسطي..!! فالفقير لن ينال حظه من العدل الاجتماعي إلا إذا أصاب من المال ما يعينه علي الغذاء والصحة والتعليم, من هنا وجب علي الدولة التدخل لتنظيم توزيع الثروة, فتفرض الضرائب التصاعدية علي الأغنياء, بل وتجعل للأثرياء حدا لا يتجاوزونه, فما زاد كان من نصيب الدولة تنفقه علي رعاية الفقراء.. لقد آن أوان الإصلاح الحقيقي الذي يتجه صوب المقدمات والأخذ بمنطق السببية, فليست مساعدة الفقير حلا جذريا للمشكلة, وإنما القضاء علي الفقر, فلا يليق أن أعتقل المجرم ولا أجتث أسباب الجريمة, وهكذا تكون منظومة الإصلاح وقبل ذلك وبعده إعادة فتح ملفات المسئولين علي مدي سنوات مضت وصولا لليوم ومدي ما حققوه من ثروات طائلة لا تتناسب بكل الأعراف والمعايير مع الدخل الرسمي لكل مسئول, وإن لم تكن العقوبات المشددة والناجزة, فلن تجدي محاولات الاصلاح وليست أسعار الوقود التي زلزلت آمال( الغلابة) إلا قنبلة فجرت أركان الفساد تمهيدا للاصلاح الحقيقي...! إن البدهي أن تبدأ الدولة الإصلاح من أعلي حيث حرفية فساد المسئولين ومن أين له هذه الثروات, والضرب بشدة غير مسبوقة علي أيدي النهازين وأباطرة الجشع في كل مرافق الحياة..!! لقد آن آوان علاج المقدمات خاصة أن ثورة( الثلاثين) قد طوت صفحات علاج النتائج, فقد علمتنا التجارب أنه بجانب دائرة غير المستطاع دائرة المستطاع, وهي قاعدة الاصلاح, إن مصر درة الوجود, فعلي الحاكم أن يجعل التاريخ يسجل له مكارم خدمة شعب أرهقته قوافل الفساد علي مدي عقود طوال, نأمل الاصلاح الحقيقي ونحن في شهر المكارم نتمني استجابة الدعاء وتحقيق الآمال. وبعد: إذا ازدحمت هموم الصدر قلنا/ عسي يوما يكون لها انفراج (ولنا عودة إن كان في العمر بقية)