إن المدن هي من تدون للأجيال تاريخ الأسلاف وكيف كانت حياتهم بكل نواحيها, فجاءت أشكال المدن تعبيرا عن ملامح الإنسان وسياساته, فكانت المدن البدائية, ومدن الكهوف, والأخري المحصنة بالقلاع والأسوار, كما وجدت مدن الصفوة من الملوك والأمراء, وكذا عرفنا المدن الاسلامية, والمسيحية, وغيرها من المدن. تلك كانت بعض صنوف المدن التي لاتزال شاهدا علي الحياة الإنسانية عبر العصور, ثم ذهب أصحابها وبقيت هي تقص علي أسماع الزمان أسرارا وحكايات, ثم جاء عصرنا الذي نعيش فيه, فرأينا المدينة( الهلامية) التي استعصت علي التوصيف وتجردت من الهوية بعد أن اختلفت شؤون وحالت أحوال, وبات كل شئ صائرا إلي تغيير خطير, هو بالفناء أشبه منه بالبقاء, فما فوضي العمارة في( أم الدنيا) سوي قنابل موقوتة, فوضي معمارية- خاصة في محافظة الجيزة- تنم عن غفلة مزمنة, حتي يخيل إلي القاصي والداني أننا جهلنا حتي نضحنا جهلا, وأننا بهذه الفوضي قد فقدنا العقل الذي أكد علي فقدانه غياب التخطيط و انعدام الفكرة, نعم, إنها حقيقة ما أظن أحدا يجادل فيها, وهي أننا نقصد هنا( محافظة الجيزة) دون سواها من محافظات( المحروسة) لأنها تحتضن تراث العمارة الأعجب في تاريخ بني البشر, تراث القدماء المصريين المعماري الذي يعلن عن حضارة فريدة وتخطيط رائد وعقلية نادرة, فكان الأدعي للمسئول الأول عن( الجيزة) أن يحاكي هذه العظمة و يقتدي بأسلافه من التخطيط والفكر والوعي وفاء لأسلافه وحرصا علي استمرارية بصمات التحضر داخل حدود محافظته, أو هكذا تراءي لي, خاصة أن الأمة- أو المجتمع- من حيث هي أمة, لا يمكن الاعتراف بوجودها إلا إذا أخذت بنصيبها من الفكر والتخطيط والرقي, والحرص علي سلامة أبنائها.. لكن ماذا حدث في بيت التاريخ وموطن التراث المعماري الخالد؟!!. لا تسل هنا عن أية قيمة انسانية تبديها عمارة هذه المحافظة, فإن فوضي وعشوائيات البناء هنا لا تخرج عن كونها إرهابا يفوق إرهاب المليشيات, ومن أعجب العجب أن يعلنها صراحة السيد محافظ الجيزة في حوار تليفزيوني أنه لا يمنع الأدوار المخالفة ولا يعاقب من يخالف ترخيص المباني المصرح به, بل يباهي سيادته أنه- يحصل أموالا عن كل دور مخالف, ثم يستثمر هذه الأموال- علي حد قوله- في مشروعات أخري..!! هذا كلام مفترص أنه مسئول..!!. إن مثل هذه التصريحات جديرة بمحاكمته محاكمة عاجلة ليكون عبرة لمن يتعظ, فهو بذلك يغرس بذور شرور المال وطغيانه, فمن يملك المال يخالف القانون ويمزق التراخيص, وهو لا يدري خطورة التخطيط ولا يعبأ بالفكر ولا يعتني بصلاح البيئة, فلا دهش أيها القارئ الكريم وأنت تري في( حواري) فيصل والهرم عمارات شاهقات قاربت علي الأدوار العشرين, فكيف يتسني لأجهزة الإنقاذ أن تؤدي مهام عملها عندما تقع الكوارث داخل هذه الحارات؟!. وكأن ثورتين لم تقما أو تشتعلا ضد سطوة المال الذي أفسد حياة( أم الدنيا), فكيف بأشباه هذا المسئول يطلقون عنان رأس المال يحطم القانون ويطيح باللوائح والتراخيص؟!, إنها الغفلة المزمنة التي أراها بحاجة إلي ثورة( المشانق) لنطهر( المحروسة) من جذور الفساد ونحمي( أم الدنيا) بعد أن أهدر قيمها وعظمتها حب المال الذي لا يعدل بامتلاء( الجيوب) شيئا, ولا يتردد في سفك الدماء, وإزهاق النفوس وتيتيم الأطفال وتأييم النساء, ليتاح لشرذمة من الناس أن يعيشوا مترفين, وليذهب الجميع إلي الجحيم..!!, هكذا أصبحت حياة الناس أرخص ما يجري عليه البيع والشراء, باعتماد وتوقيع المسئول الأول في محافظة الجيزة, وفي ذات المحافظة سل إن شئت عن شئ آخر فلن تجد غير ما ينغص عليك يقظتك نهارا, ويجلب عليك كوابيس النوم ليلا, فكيف تصبر الأنفس, وإلي متي نغض الطرف علي صناع الفساد؟!. مشكلات العمارة العشوائية أو( الإرهابية) التي يرعاها( كبير) محافظة الجيزة, سوف تكلف الدولة أموالا طائلة لعلاجها ومع ذلك لن يفلح العلاج لأن مثل هذه الأمراض المعمارية أو( السرطانية) لا سبيل لها سوي التدمير الشامل مع استحالته..!, لتبقي مثل هذه الأمراض تنخر في كيان( أم الدنيا) وتسهم بنصيبها في دمارها أو زوالها, لا قدر الله.. آمين..!, فكيف بهذا المسئول لا يدرك توابع قراره المدمر, فالمشكلات المرورية وتزاحم المركبات وارتفاع مؤشرات التلوث السمعي والصدري والنفسي والبصري, ثم ما ستتركه هذه الملوثات علي آثار المصريين القدماء وهي ثروة قومية, ثم مشاكل الصرف الصحي والمياه والكهرباء, وغير ذلك من أمراض فوضي العمارة, والدولة قبل ذلك تعاني ما تعانيه للقضاء علي هذه المشاكل..!! إن الضغوط النفسية والتلوث الأخلاقي سوف يدفعان مؤشر الجريمة إلي الصعود ثم انتشار الكيوف بكل مسمياتها, وانعكاس كل ذلك علي المراحل التعليمية لعدم استيعاب مدارس الأحياء لكل ذلك علي المراحل التعليمية لعدم استيعاب مدارس الأحياء لكل هذه البنايات الشاهقات المتسارعة الإنشاء, والسيد( كبير المحافظة) يركن إلي( دراهم معدودات) عن الأدوار المخالفة وهو يحسب أنه يحسن الصنيع..!! وقد تسألني عما حملني علي أن أتناول هذا الأمر و فساده؟ فسل نفسك عما تراه, وعما تعانيه, فستجد في نفسك وستجد في نفس الآخرين الجواب علي هذا السؤال..!! فليس ينبغي لمصر أن تضحك من نفسها وأن تضحك الناس منها, وأن تنفق المليارات من الجنيهات لعلاج هذه المفاسد, ولا تجتث الفساد والمفسدين..!! وبعد: اللهم من ولي من أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه, ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به.