الدكتور محمد عوض أستاذ العمارة بجامعة الإسكندرية ورئيس اللجنة الفنية للحفاظ علي التراث المعماري سابقا أحد أهم علماء العمارة المصريين المهمومين بالتراث المعماري في مصر, يعكف حاليا علي رصد وتحليل أوجاع العمارة المصرية من أجل الحفاظ علي التراث ولإنشاء مدن جديدة تتسم بالتخطيط والتصميم الجيد, وهو الأمر الذي نفتقده حاليا, حيث يضج المجتمع بالعشوائية والتعديات والمخالفات. وفي حواره مع الأهرام أكد الدكتور محمد عوض أن كم المخالفات والتعديات بالإسكندرية لا يحصي بصورة صحيحة رغم فجاجتها, وذلك بسبب اختفاء الأحياء وتواطئها مع المخالفين. وأوضح أن ظاهرة انهيار المباني بالإسكندرية نتيجة لأن القوانين المصرية تمنع أصحاب العقارات من صيانتها, بالإضافة إلي تفاصيل أخري كثيرة حول قوانين الإسكان والعشوائيات وتطويرها.. وإلي نص الحوار: لماذا تنتشر ظاهرة انهيار العمارات الجديدة بالاسكندرية ؟ لان هذه العمارات لم تحصل علي تراخيص سواء لرسوماتها أو لمواصفاتها ولا يتابعها أو يراقبها أحد من المسئولين بالأحياء بحيث يتم وقف الأعمال المخالفة أو التي لم تحصل علي ترخيص من الأساس. ولدينا أمثلة كثيرة لعمارات صدر لها تراخيص مخالفة مثل عمارة رشاد عثمان في شارع الإيمان ب رشدي وكل هذه الأعمال عبارة عن فساد في الأحياء والمحليات, وهذه ظاهرة تمثل كارثة بمعني الكلمة, ولها سببان وهما: أنه لا يوجد تحكم في البناء أو التصميم, أو ما يدخل من مواد بناء في هذه العقارات, الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلي حدوث الانهيارات في المباني بعد فترة وجيزة, وفي أغلب الأحيان حسابات الأساسات غير مضبوطة, سواء من المهندس أو المقاول, هذا بالإضافة إلي أن هناك الكثير من المباني القديمة, والتي تنهار نتيجة انعدام الصيانة لها لسنوات طويلة, فقوانين إسكان الإيجار لا تسمح لأصحاب العقارات بأن يقوموا بالصيانة اللازمة لها, وهذا أمر غير منطقي حدوثه, فلا يوجد بلد في العالم لا يسمح لأصحاب العقارات بصيانتها كل عام كما يحدث في مصر. ولكن التساؤل الذي يطرح نفسه كيف تسقط عمارة وهي حديثة البناء?. تسقط هذه العمارات من سوء الصنعة بها وسوء التنفيذ ونتيجة فك الشدات الخشبية قبل أن تجف الخرسانة بها. ما صحة القول بأن مواد البناء المستخدمة هي السبب في انهيار العمارات؟ هذه مقولة خاطئة, فمواد البناء ليست هي المشكلة ولكن السبب في انهيار المباني نتيجة عدم الاهتمام بالمواصفات في البناء أو الرقابة من الجهات المختصة علي أعمال البناء. والأخطر من ذلك أن سقوط العمارات بالاسكندرية سيستمر لعدم اتخاذ اجراءات ضد المخالفين. من وجهة نظر أستاذ العمارة.. ما ضرورات ومتطلبات المرحلة الحالية والمقبلة في مصر؟ لابد من البدء بالعمل من قبل جميع المصريين, مع ضرورة أن يكتفوا ويكفوا الحديث عن الماضي والمؤامرات, بحيث نعمل في مسار البناء والتنمية. ألا تري أن المناخ الحالي يعوق أي عمل.. فكيف نتفادي هذه المعوقات؟ أري أن تلك المعوقات لا تمنع العمل, وعلينا كمواطنين أخذ خطوات نحو المستقبل وبسرعة, لأننا نحتاج للعمل والإنتاج والتفاؤل بالمستقبل حتي يكون أفضل من خلال التفاني في العمل, وذلك هو دور الأفراد بهذه المرحلة, والذي يدعمه دور الدولة من خلال قيامها بمهامها لدفع الإنتاج وتحفيز الاستثمار, الذي يتم من خلال أمرين وهما: توفير الأمن وهو شيء مهم جدا لمناخ العمل, بالإضافة إلي ضرورة اتخاذ الدولة لإجراءات إعادة هيكلة وتأهيل الجهاز الإداري في الحكومة, لكي يحفز المواطنين ويخلصهم من ربكة البيروقراطية الموجودة في أغلب مؤسسات الحكومة, فمثلا أمر حصول المواطن علي ترخيص لبناء عقار شيء مستحيل, ويضطر من أجل ذلك إلي الذهاب إلي أكثر من41 جهة للحصول علي موافقتهم علي طلب الترخيص, كما يضطر المواطن في معظم الأحيان لاستجداء تلك الجهات لمنحه الترخيص الذي يأخذ مدة لا تقل عن سبعة أشهر من الإجراءات المعقدة والمرهقة من أجل الحصول علي ترخيص لبناء منزل. ما تقييمك لمجال الإسكان في مصر بصورة عامة؟ ذلك المجال يحتاج لإعادة نظر في سياسات الدولة الخاصة به, والتي يجب أن تركز في البنية الأساسية والإسكان منخفض التكاليف للفقراء, ويستلزم ذلك علي الدولة البدء في بناء مدن جديدة لكي يعيش فيها هؤلاء المواطنون.. أما الحديث عن العشوائيات وتطويرها, فهو أمر خاطئ, لأنها مجتمعات غير آدمية, وعلي الدولة بناء مجتمعات جديدة بديلة لأهالي تلك المناطق لكي يسكنوها, ويتم إلغاء تلك المناطق, وذلك سيجلب مكاسب كبيرة للدولة من خلال استغلال تلك المناطق وإعادة تأهيلها وبنائها. ولكن هذه المدن تحتاج إلي أموال طائلة وهو أمر يصعب توفيره في الظروف الراهنة.. فما المخرج المناسب حاليا؟ يجب أن تخطط الدولة لبناء مجتمعات جديدة, وتوفر وسائل التمويل لإنشائها, مثلما يحدث في كل دول العالم, بحيث تعطي الدولة قروضا للمواطنين من البنوك بفوائد قليلة لكي يتمكنوا من البناء والاستثمار في المجال العقاري, فدون تلك السبل لن تحدث تنمية بل سيؤدي إلي مشكلات كبيرة من جراء بقاء العشوائيات غير الآدمية. لماذا ترفض تطوير العشوائيات؟ الحديث عن تطوير العشوائيات من قبل اللغو, فلا يصلح تطوير العشوائيات, فهي غير آدمية, وغير آمنة أو صالحة للسكن فيها من الأساس, ويجب أن نبدأ في تعليم المواطنين أساليب البناء السليمة من خلال تخطيط مجتمعات صحية ونظيفة. ما المواصفات التي يجب أن تتوافر في الوحدات السكنية الآدمية.. وهل يجب تحديد مسطح محدد لها لكي تكون آدمية؟ المواصفات الصحية والآدمية لا ترتبط بمسطح الوحدة السكنية, فمن الممكن أن تقام وحد سكنية في مساحة04 مترا وأقل ويعيش فيها المواطن بصورة كريمة, فالقضية ليست المساحة, ولكن الأمر يتلخص في وجود مبني لا يزيد ارتفاعه علي ثلاثة أو أربعة أدوار, وبه خدمات صحية, ونور, وشمس, ويتخلله الهواء, وبه مناطق ترفيه, وملاعب ومدارس للأطفال, وأسواق, فلقد عشنا في فترات من حياتنا بالخارج في مساكن صغيرة جدا, ولكن مع ذلك كانت تحافظ علي آدميتنا, وتتوافر فيها الخدمات والمرافق. ذكرت لي أن لديك ملفا كاملا عن المخالفات والتعديات في البناء بالإسكندرية.. فما محتواها؟ أعد مركز دراسات الإسكندرية وحضارة البحر المتوسط رصدا لهذه المشكلة, والتي تتمثل في انتشار التعدي بالبناء المخالف بالإسكندرية, وقدمنا تلك الورقة لوزير الإسكان السابق من خلال مكتبه, والتي تضمنت المشكلة وأسبابها وظواهرها. ما حجم تلك المخالفات والتعديات؟ حجم المخالفات بالإسكندرية يمثل مشكلة كبري, وعلاجها الوحيد هو وقف المخالفات التي تحدث بصفة يومية, وعدم السماح باستمرارها, وبعد ذلك يبدأ العمل في محاسبة المخالفين. أما ما يحدث حاليا فعكس ذلك, بحيث يتم ترك المخالفات في البناء والتعديات, وتستمر, ويطرح حل المصالحة مع المخالفين, ولا نعلم كيف يتم التصالح مع الذين يخربون في البلد بعد ارتكابهم جرائم المخالفة والتعدي, الأمر الذي جعل الإسكندرية الآن ومن زيادة حجم المخالفات بها مدينة دون هواء, وبشوارع مكتظة بالسيارات. هل تم حصر المخالفات والتعديات بالإسكندرية؟ نعم.. قمنا بحصر للمخالفات, ولكن المشكلة التي تواجهنا أن المعلومات التي تأتينا من الأحياء خاطئة وناقصة, لأنهم يتعمدون إخفاءها, ولا يصدرون لنا المعلومات الصحيحة. ولماذا تتعمد الأحياء إخفاء المعلومات.. وما مصلحتهم في ذلك؟ لهم مصلحة بالتأكيد من إخفاء هذه المعلومات, لأنهم متواطئون مع المخالفين, ولقد أبلغنا وزارة الإسكان والمحافظة بهذه الأمور, وأحطناهم علما بأن المعلومات التي ترد إلينا من الأحياء غير كاملة, ولا يمكننا توقيع العقاب علي المخالفين لأن العناوين الواردة إلينا خاطئة ومغلوطة. وهل عملية الإحصاء التي تقومون بها تطوعية؟ هذا العمل ليس تطوعيا, بل هو تكليف من قبل مديرية الإسكان بالإسكندرية ووزير الإسكان لمركز دراسات الإسكندرية, والذي طلب منا في ذلك التكليف أن نوقع المخالفات علي الخرائط لتحديدها وتنفيذ الجزاءات ضدها. ذكرت أن مدينة الإسكندرية لم يحدث فيها توسع وتنمو بعشوائية.. فهل لديكم تصور لتطويرها؟ نعم.. ويعد مركز دراسات الإسكندرية دراسة لمشروعات التطوير بالمدينة, والتي سيتم عرضها في مؤتمر بمارس4102, وستحدد الدراسة الخطة والتكاليف لهذه المشروعات. لماذا تخلف مجال العمارة في مصر, وافتقدنا للفن فيها, وأصبحت عبارة عن كتل خرسانية؟ حدث ذلك لأن مجال العمارة دخله نوع من الفهلوة, بالإضافة إلي الاختلاف الكبير بين الذين كانوا يبنون في الماضي والحاضر, فالذين يبنون حاليا يفعلون ذلك بعشوائية, ولا يهتمون أصلا بالاستعانة بمهندسين لتصميم مبانيهم, فلم يكن يخطر علي بال جدي أو أحد من المهندسين بالماضي أن يخالف في الارتفاعات أو يتعدي علي الشارع في العقارات التي أنشأوها, فلم يكن أحد منهم يجرؤ أو يتخيل أن يخالف القانون في يوم ما.