تخرج علينا في أوقات متلاحقة أنباء عن سقوط وانهيار عمارة سكنية بالإسكندرية, والأمر السييء في الموضوع سقوط ضحايا تحت أنقاض العمارات المجاورة للعمارة المنهارة لأن المبني الذي يسقط لا يضار منفردا بل يصيب المباني الأخري بجواره. ولذا يستوجب علينا الأمر متابعة أسباب ظاهرة انهيار المباني بالإسكندرية, وخصوصا بعد تحذيرات المتخصصين في المجال الهندسي والمعماري بأن أقل هزة أرضية ستؤدي الي كارثة بكل المقاييس في الإسكندرية, نظرا لتدهور حال المعمار بها في الأونة الأخيرة, نتيجة ازدياد المخالفات في التشييد والتعلية بأدوار مخالفة واستخدام مواد بناء ضعيفة ولا تتحمل فترات طويلة, وذلك من خلال آراء خبراء في المجال, والذين أوضحوا حقيقة الوضع الراهن والأسباب التي أدت للانهيارات, ومدي صحة الانذار بالكارثة. في البداية يؤكد الدكتور هشام سعودي استاذ العمارة وعميد كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية, أن ملف المباني بالإسكندرية ينقسم الي ملفات عديدة, وكلها مؤثرة وتنبئ بالخطر. فالأول يخص المناطق السكنية القديمة والاسكان القديم علي مدي زمن وفترات طويلة, والذي يقطنه ملاك ومستأجرون لأجيال متعاقبة, والتي انعدمت الصيانة اللازمة فيها علي مدار التاريخ الانشائي لها, لأن الملاك يشكون من أن الايجارات التي يحصلون عليها منخفضة لا تسمح لهم أو تشجعهم علي أعمال صيانة, وبالشكل التراكمي في المدينة, وخاصة في منطقة الجمرك, وبعض المناطق القديمة بالإسكندرية إزدادت المنازل الآيلة للسقوط, وتظهر هذه الحالات في فصل الشتاء, والتي تزداد فيها حالات الانهيار بسبب الأمطار والعوامل الجوية, وتأثيرها علي حالتها المتهالكة مما يجعلها تنهار بسرعة, وهذا يستلزم التوقف أمام هذه الحالات في المباني القديمة بالاسكندرية وعمل حصر شامل لهذه المباني لحماية السكان, فيجب أن يتم ازالتها أو ترميمها بحيث يتخذ الاجراء الذي يحمي السكان بما يتناسب مع ظروف الحياة للسكان وتوفير بدائل لهم لايوائهم. أما الملف الثاني حالات المباني المخالفة والتي ازدادت بعد ثورة25 يناير والاحصائية تذكر أن المخالفات تعدت الألف منشأة مخالفة سواء منشآت شيدت بالكامل أو التعلية علي مباني قائمة, وكلها بالمخالفة للقانون دون اشتراطات بنائية أو قواعد هندسية لسلامة المبني الانشائي, ولتأمين السكن من أي عوامل تأثير خارجي تؤدي الي الانهيار. وبنفس المنظور أن الانسان له خيارات, بحيث أن كل هذه المنشآت التي شيدت بدون تراخيص وغير مأمونة انشائيا يجب أن تصادر بالكامل لكي نوقف نزيف استمرار حالات المخالفة, فيجب أن يستشعر المواطن بأن هناك قوانين تحمي الانسان, وأن هناك دولة دورها حماية المواطن, ويتم عمل لجان هندسية علي جميع المنشآت المصادرة, ودراسة حالتها الانشائية, وحجم المخالفات القائمة, ومدي سلامتها من حيث السكن, وعمل الاجراءات اللازمة سواء بالازالة أو الحذف للأدوار المخالفة, ويتم مراجعة الأمر بتوزيع هذه الوحدات علي السكان الذين اشتروا أو تؤل للمحافظة لتوزيعها علي سكان الايواء. كما يجب تعديل قانوني لفرض عقوبة رادعة للمقاولين المخالفين الحقيقيين وليس الوهميين الذي يتم وضعهم بالتراخيص, وهناك ملف خاص بالمباني التي تنشأ مخالفة للمواصفات والكود المصري في الانشاء دون المراجعة الحقيقية للحالة الانشائية والرسومات الهندسية الانشائية, ومتابعة التنفيذ بها يتم الترخيص به. فهناك بعض القواعد العامة في مواصفات المباني والكود تساعد علي وضع ضوابط ومعايير للانشاء للمحافظة علي المباني في حالة اقترابها من البحر والذي يؤثر بدوره علي المباني وحالتها الانشائية. فالحالة لو هي بها التزام, فالالتزام بالتراخيص ومراجعتها الانشائية ومتابعتها أثناء التنفيذ بها يتفق مع المنشأ, في هذه الحالة نحافظ علي رصد العقارات المصري وعلي السكان من أي مشاكل تحدث نتيجة تأثر المنشآت التي تطل علي البحر من عوامل التعرية, ولكن ما نراه من يخالف كل القواعد, بحيث نجد كل المباني التي تطل علي البحر أصابتها عوامل التعرية وأصبحت مهددة جميعها بالانهيار. ويري الدكتور هشام سعودي, أن الوضع في الاسكندرية وبزيادة المخالفات الرهيبة والمستمرة يمثل كارثة قائمة, ويجب أن نقف أمامها بالقانون حتي نستطيع استيعاب الأمر قبل انفجاره. أما اللواء مهندس نبيل البلطيمي الخبير الاستثماري في الانشاءات, فيري أن أوضاع البناء في الاسكندرية بدأت في التسيب منذ فترة الانتخابات البرلمانية في عام2010, وذلك نتيجة الفساد في الأحياء والمحليات والذين أعطوا الاشارة لأصحاب العقارات بالمخالفة بالبناء في ظل انشغال الشرطة في العملية الانتخابية. وازداد مسلسل المخالفات بعد الثورة, حيث اتيحت الفرصة لذوي النفوس الضعيفة بالمخالفة وتشييد مباني هشة مقابل مكاسب سريعة دون رقيب علي أعمالهم, في ظل فساد العاملين بالأحياء والذين يتقاضون الرشاوي مقابل غض بصرهم عن المخالفات أو اتخاذ أي اجراء لردعهم. بالاضافة الي ان المحافظ في الاسكندرية ليس لديه قوة تحميه وتنفذ القانون, فهذا كله أدي الي تفشي ظاهرة المباني المخالفة, والذي سيؤدي الي حدوث كوارث من انهيار المباني حتي بدون عوامل خارجية أو طبيعية كهزات أرضية مفاجئة. أما في حالة حدوث زلزال بقوة5 ريختير فما فوق فلن يكون في المستشفيات بالاسكندرية مكان لاستيعاب حجم الكارثة. فما يزيد الأمر خطورة أن المقاولين يستخدمون مواد في الخرسانة لتسريع عملية شك مواد البناء بسرعة, بالاضافة الي أن تنفيذ المباني يتم بدون تصميمات هندسية متخصصة وينفذ من قبل مقاولين ليس لديهم أي خبرة في المجال, بحيث يتم العمل بالويم والفتاكة, وهذا يؤدي الي انهيار العمارات باستمرار بالاسكندرية, والخطورة تزداد لأن العمارات التي تنهار تسقط علي عمارات سكنية أخري وتهدمها وتزهق بها الأرواح. ويري البلطيمي أنه لأمر يستوجب حلولا جذرية تبدأ بتولي محافظ يستطيع تحمل المسئولية. ويؤكد المهندس ياسر سيف, رئيس الجمعية الدولية للتنمية ومنسق جبهة انقاذ الاسكندرية, أن النمو في الاسكندرية يحدث بصورة رأسية, وليس أفقية, وهذا أدي الي مهزلة كبيرة, لأن جميع المرافق تم تحميلها علي المرافق القديمة المتهالكة. ويؤكد سيف, أن بالاسكندرية تم إجراء36 ألف قرار إزالة, وبعد الثورة وصل المخالفين87000 حالة, وكل هذه المخالفات حملت علي المرافق من مياه وكهرباء وصرف صحي, والتي يتوقع لها الانفجار لعدم تحملها الضغط الزائد. والأخطر من كل ذلك السرعة التي تبني بها الأدوار المخالفة, ويستخدم مواد غريبة وغير متعارف عليها, وهذا شيء لا يحدث له مثيل في العالم كله. والأشبع أن تلك العمارات يتم التعلية فوقها دون وضع أساسا يتحمل كل تلك الارتفاعات, ويتم ذلك علي مرأي ومسمع الجهات الرقابية بالمحليات نتيجة الفساد المتفشي والاتفاقيات مابين المقاولين والإدارات الهندسية بالمحليات, وكل تلك الوقائع ازدادت عقب الثورة بطريقة رهيبة. ويري سيف ضرورة تطبيق قانون الحاكم العسكري بمصادرة كل المباني المخالفة ومعاينة الإدارات الهندسية لكل المخالفات. ويؤكد المهندس الاستشاري حسين جمعة, رئيس جمعية الحفاظ علي الثروة العقارية, أن الاسكندرية بعد الثورة زادت المخالفات فيها بصورة بشعة, بحيث واكب الانقلات الأمني عقب الثورة انفلات معماري, بحيث استغل الناس انشغال الدولة والأجهزة الأمنية وبدأوا في تكوين ثروة عقارية لأنفسهم وزادت أرصدتهم علي حساب أرواح المواطنين, وتحقق لهم ذلك بطرق رخيصة وخبيثة سواء باستخدام مواد مخالفة في البناء لتسريع شك الخرسانة, وهي في منتهي الخطورة علي العمر الافتراضي للخرسانة, بالاضافة الي استغلال الملاك لضعاف النفوس في الأحياء والإدارات المختصة, وتحت مرأي ومسمع منهم تمت الأعمال والبناء المخالف, وبتوجيهات من المسئولين في الأحياء لسرعة انجاز البناء, بل وساعدوهم في إدخال المرافق للمباني المخالفة. وإذا قلنا أن من الأسباب التي تؤثر علي سلامة المباني في الاسكندرية العوامل البيئية والتعرية والملوحة وتأثيرها علي المنشآت والمباني إلا أنها ليست السبب الرئيسي في انهيار المباني, ولكن العوامل الرئيسية هي انشاء المباني الغير مطابقة للمواصفات والضوابط في البناء, ولذا علينا أن نتوقع في كل لحظة انهيار تلو الآخر نظرا لخطورة الوضع. ولكي لا يتفاقم الوضع ومحاولة اصلاح ما فسد يجب في البداية توحيد القوانين التي تنظم المنظومة العقارية, والتي تصل الي150 قانونا, وكذلك حصر العقارات التي بها مشاكل وتقييم حالتها, ووضع جدول زمني لاصلاحها وايجاد مصادر تمويل لها, بالاضافة الي إنشاء جبهة عليا خاصة بالثروة العقارية بمصر كلها علي أن تتبع رئاسة مجلس الوزراء. وتفعيل قانون التموين والرهن العقاري ودراسة سلبياته وحلها, وايجاد شقق مناسبة للشباب بنظام التمليك أو الايجار العقاري. كما يجب ايجاد بدائل لمواد بناء جديدة لاسكان الشباب, توفر في التكلفة والطاقة, مع ضرورة الاهتمام بصيانة العقارات, وتفعيل دور نقابة المهندسين, ودور جهاز التفتيش الفني التابع لوزارة الاسكان, وكذلك المركز القومي لبحوث البناء والاسكان.