ما أجمل أن يعيش الإنسان متصالحا مع نفسه في حياة تسودها الطمأنينة, ويعمها الهدوء وتغشاها السكينة, حياة مليئة بالعمل والفرح والعلاقات الجميلة مع الآخرين, حياة تسير وفق تخطيط مبني علي ما يطيقه الانسان ويستطيع تحقيقه لا علي أهداف لا يمكن تحقيقها حتي لا تتحول الحياة إلي جحيم. وحول كيفية تحقيق المصالحة مع الذات ومع الغير يقول الدكتور سعد خلف عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بسوهاج أن النفس إما أن تكون مطمئنة أو لوامة أو أمارة بالسوء, وإما أن تكون راضية أو مرضية وهي ملهمة إما بالخير أو بالشر, وقد تكون نفس الانسان متغيرة علي مدي اليوم الواحد, بالإيمان يزيد وينقص ولكن نفس المؤمن دائما تلهمه بالخير فيعمل صالحا, ولكنه قد ينساق إلي هوي نفسه فتأمره بالسوء ثم بعد ذلك يتذكر إيمانه بالله فتلومه نفسه علي ما فعل فيتوب ويندم وتطمئن نفسه مرة أخري بذكر الله, وحتي يكون الانسان متصالحا مع نفسه لتغدو نفسه مطمئنة غير لوامة ولا أمارة بالسوء.يجب التخلص من السلبيات والأمراض التي تصيب النفس وهي كثيرة ومتنوعة منها الحقد والحسد والغلو والتطرف والنفاق والخيانة والعجب, الرياء وحب السيطرة, حب الظهور, وحب المناصب, والأنانية والكراهية فإذا تخلص المرء من هذه السلبيات نبتت في ذاته الإيجابيات, وهي عكس السلبيات والأمراض السابقة, وأصبح الانسان محبوبا عند الله والناس قنوعا راضيا نافعا خلوقا يألف ويؤلف يحب الناس والناس تحبه, وهي الحقيقة التي يجب أن يكون عليها الانسان متعايشا متسامحا سهلا خلوقا مع الناس, فمن الحكمة أن تكون متسامحا, وهذا هو منهج الرسل جميعا. الذي يجب علي الانسان العاقل أن يتخلق به لقوله تعالي ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك. ويضيف د. سعد خلف: إذا أراد الانسان أن يتصالح مع نفسه فمن الحكمة أن يكون قنوعا لما ورد منها قوله صلي الله عليه وسلم كنز لا يفني وقوله أيضا كن ورعا تكن أعبد الناس, وكن قنعا تكن أشكر الناس, فالقناعة هنا ليس معناها التكاسل أو التواني عن العمل والسعي في الأرض فتلك قناعة الخاملين والسلبيين, ولكنها القناعة المطلوبة ربي قنعني بما رزقتني إنها القناعة بما حقق الإنسان من إنجاز, وبما يحمل من أفكار ونظريات ورؤي عن الحياة, وعن الناس وهي أيضا القناعة بأن الحياة مراحل تتطلب كل منها الصبر والسير خطوة خطوة, وبدون استعجال أو تسرع ثم القناعة بما يطبقه الانسان من أساليب متنوعة في حياته كأسلوب في تربية الأبناء وعلاقته مع الآخرين, وطريقة التعامل معهم وأسلوب قضاء الوقت, وغير ذلك من أساليب الحياة سواء في الأكل أو الشرب أو النوم حتي يشعر بالراحة ولا يشعر بالندم أو إحساس بالذنب من أنه قد أسرف أو أفرط أو أخطأ في حق أحد من الناس, وبالتالي لا يعيش صراعا مستمرا مع النفس وتحدثه لماذا لا تكون مثل فلان؟ فتنقلب الحياة إلي عذاب مستمر لقول أحد الحكماء! سرور الدنيا أن تقنع بما رزقت وغمها أن تغتم لما لم ترزق وصدق القائل: هي القناعة لا ترضي بها بدلا فيها النعيم وفيها راحة الأبدان أنظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير القطن والكفن. فالمصالحة مع النفس تتطلب زرع الحب والخير وخلع الكراهية للآخر, فالحب واجب لكل من يحيطه بالإنسان سواء في البيت أو العمل أو الخير وحتي للخصوم وكل من يخالف في الرأي حيث أن يقتصد الحب هو الكره وهو الذي يقود إلي الحقد علي الآخرين, ويشعل الغيرة نحوهم وإذا منح الانسان الحب للجميع صار ذا قيمة عالية, وأصبح له مكانة في قلوبهم تشعره بالأمان والهدوء والسعادة والرضا. وتشير الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيد والفلسفة بجامعة الأزهر إلي أن النفس البشرية بتقلباتها المختلفة يستطيع الانسان القوي أن يجعلها نفسا زكية تقوده طبقا لما أراد الله, وهذه أولي الخطوات, فإذا نجح فيها زاده الالتزام بأوامر الله تزكية وطمأنينة, وأمن وبالتالي يصل إلي المصالحة مع الذات ويمتد ذلك لمن حوله سواء في مجتمعه الصغير بين أهله وأقاربه أو في المجتمع الذي يعمل فيه من مدرسو أو جامعة أو مزرعة أو مصنع, وهذه المصالحة مع النفس والارتفاع بها إلي السلام, والمصالحة مع الذات ومن حوله يمتد لأوسع نطاق في المجتمع, وهذا ما يحتاج إليه المجتمع المصري حاليا. ويؤكد الشيخ عبد القادر الوزيري بأوقاف الجيزة أن الانسان لا يستطيع أن يعيش بدون الحب والسلام فها من الأشياء الفطرية, والحب في الله له أثاره في الدنيا والآخرة ففي الدنيا يرون أن رجلا ذهب لزيارة أخاه فأرض الله له ملكا علي هيبة رجل في الطريق فسأله عن سبب الزيادة فأجابه لا لشيء إلا أنني أحبه في الله فقال له الملك أن الله يحبك لحبك لأخيك, وفي الآخرة فإن المتحابين في الله يكونوا في ظل عرش الرحمن يوم القيامة وفي الحديث سعيه بظلم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه, وكما أن الإسلام دعا للحب في الله فهي عن الكراهية والبغض لأن الكره يحول من العبد وبين مغفرة الله تفتح أبواب الجنة يوم الخميس والاثنين فيغفر الله لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال أنظرا هذين حتي يصطلحا وفي الحديث تري المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي, وقوله تعالي إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون وقوله صلي الله عليه وسلم عليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية. وقوله تعالي واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة الأمر الذي يتطلب من الجميع الإحساس بالمسئولية في وأد الفرقة والاختلاف والسعي نحو التوحيد والاعتصام بحبل الله جميعا. والتاريخ يؤكد أن ضعف الأمم والدولة يكون غالبا بسبب الفرقة والاختلاف, وهذه دولة الإسلام الأندلس امتدت لقرابة ثمانية قرون وعندما دب الشقاق والخلاف بين حكامها واستفحل ذلك الأمر كانت نهايتكم جميعا حكاما ومحكومين والتاريخ يؤكد أنه لا مكان للضعفاء, والاتحاد قوة, ووحدة الأمة عصمة ومنعة وقوة لها. ويشير الوزيري إلي أن تفكك المجتمع يرجع إلي البعد عن منهج الله, وتغليب المصالح الشخصية علي المصلحة العامة, وحب النفس والأنانية والتمييز بين الناس علي أساس اللون أو الجنس أو العصبية القبلية أو الأقاليم هذا شمالي, وذاك جنوبي, وغياب العدالة الاجتماعية, إهمال الفرائض الإسلامية كالزكاة والتصدق والإحسان وتراجع الوقف الخيري مما أدي إلي الحقد والحسد والكراهية والبغضاء, وهذا أبو ذر الغفاري يقول لرجل شتمه إلا تستغرق في شتمنا وضع للصلح موضعا. فإنا لا نكافئ من عصر الله فينا بأكثر من أن نطيع الله أي نعامله بما يرضي الله. وعلي من أبي طالب رضي الله عنه يقول! من لانت كلمته وجبت محبته, وحكمك علي السفينة يكثر أنصارك عليه.