من المؤكد ان التناسل هو ضرورة للحفاظ علي الجنس البشري, وهو حتمية لوجود الدولة وبقائها, لأن التراجع الحاد في أعداد السكان يؤدي بالضرورة إلي تراجع القوي البشرية التي تدافع عن الدولة المتمثلة في جيش يزود عن حدودها وإلي تراجع القوي البشرية التي تبني الدولة والمتمثلة في قوة العمل التي تدير عجلة الانتاج وتوفير الخدمات الأساسية لسكان الوطن, واستمرار هذا التراجع في أعداد السكان قد يؤدي إلي انقراض السكان ويؤدي من ثم علي زوال الدولة, وبالتالي فإنه من المنطقي ان تسعي المجتمعات إلي الحفاظ علي بقائها من خلال عدم انخفاض عدد سكانها. وإذا كان وجود زيادة سكانية في أي مجتمع هو ضرورة لإحلال الوفيات التي تحدث سنويا, ولتجديد شباب هذا المجتمع وبقائه.. فيصبح السؤال الملح ما هو معدل الزيادة السكانية المناسبة؟ والإجابة البديهية تتضح في أن تتساوي أعداد المواليد والوفيات, وبالتالي يظل عدد السكان ثابتا, ولكن إذا فاق عدد المواليد عدد الوفيات فما هو تأثير هذه الزيادة علي تقدم الوطن؟ للإجابة عن هذا السؤال نقول: إن الزيادة السكانية تؤدي إلي تقدم الأمم إذا تحققت شروط رئيسية أهمها: أن يترتب علي هذه الزيادة مقابلة في الانتاج الحقيقي للدولة بمعني أن تؤدي الزيادة السكانية إلي زيادة في إعداد المنتجين والمبدعين وليس في أعداد المتعطلين.. وان يترتب علي الزيادة السكانية خفض في معدلات الفقر وزيادة في متوسط الدخل بحيث تصاحب الزيادة في حجم السوق زيادة مماثلة في القوة الشرائية تصبح دافعا لتنشيط التصنيع المحلي وبالتالي يصبح المجتمع قادرا علي خلق فرص عمل منتجة.. وألا تؤدي الزيادة السكانية إلي تراجع في نوعية الحياة أو إلي تراجع في إتاحة الخدمات الأساسية أو إلي تدني جودة هذه الخدمات.. وألا تؤدي الزيادة السكانية أيضا إلي الإضرار بالبيئة واستنزاف الموارد الطبيعية لاسيما في الأرض الزراعية ومصادر الطاقة.. وألا تؤدي الزيادة السكانية إلي خفض درجة الاكتفاء الذاتي من السلع الاستراتيجية مثل السلع الغذائية ومصادر الطاقة وبالتالي إلي تزايد الاعتماد علي الخارج وهو ما يؤثر بدوره علي استقرار القرار الوطني. وحتي نتدارس هذه الشروط الرئيسية في ضوء الوضع في مصر من الواجب ان نتأمل مستوي الزيادة السكانية التي تشهدها البلاد.. حيث تشير الإحصائيات الرسمية إلي انه خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات كان الفارق السنوي بين المواليد والوفيات نحو مليون ونصف مليون نسمة وبالتالي ازداد عدد سكان مصر بنحو30 مليون نسمة خلال العشرين سنة الأخيرة من القرن الماضي.. وابتداء من عام2006 اتجه عدد المواليد السنوي للزيادة التدريجية من مليون و850 ألف مولود ليصل عام2012 إلي2 مليون و600 ألف نسمة وهي زيادة نسبية يترتب عليها ضغط هائل علي الخدمات في ظل موارد محدودة.. وأحد هذه الضغوط هو الحاجة لزيادة عدد الفصول المدرسية ب40% لاستيعاب هذه الزيادة الإضافية, لمجرد الحفاظ علي مستوي كثافة الفصول الحالي الذي نشكو منه وهو ما يعني إضافة حوالي90 ألف فصل جديد في المرحلة الابتدائية علي مدي المشكلة الوحيدة بل يضاف إليها تحدي توفير الأراضي لبناء هذه المدارس الجديدة وهو تحدي الذي يزيد الأمر صعوبة لاسيما في المناطق الريفية التي ستضطرنا لتضحية بمزيد من الأراضي الزراعية لنبني عليها مدارس. في ضوء قدرات المجتمع المحدودة لم تتمكن منظومة التعليم العام من استيعاب الزيادة في أعداد التلاميد في سن التعليم والمقدرة ب40% ولن نتمكن بالطبع من تقديم تعليم بحودة عالية, ومن ثم فإن الزيادة السكانية بمستوياتها الحالية لن تؤدي علي الأرجح إلي زيادة في أعداد المنتجين والمبدعين وستضاف الزيادة السكانية معظمها علي أفضل تقدير إلي تصدير المتعطلين.. كما ستؤدي الزيادة السكانية إلي زيادة في حجم الطلب علي السلع دون أن يصاحب ذلك زيادة في متوسط دخل الفرد ومن ثم لن تؤدي إلي تحريك التصنيع المحلي وهو الأمر الذي سيتم اشباع الطلب عليه بالاستيراد الذي يجعل مصر سوقا واعدة لتصريف السلع التي تنتجها دول أخري.. كما ستؤدي الزيادة السكانية حتما إلي تراجع في نوعية الحياة وإلي تراجع في إتاحة الخدمات الأساسية وإلي تدني جودة هذه الخدمات كما ستؤدي إلي مزيد من التكدس السكاني الذي يؤثر سلبا علي السلوكيات والأخلاق العامة.. كما ستؤدي الزيادة السكانية حتما إلي الأضرار بالبيئة واستنزاف الموارد الطبيعية لاسيما الأرض الزراعية ومصادر الطاقة, كما ستؤدي هذه الزيادة إلي تزايد الاعتماد علي الخارج وستسهم في خفض درجة الاكتفاء الذاتي من السلع الاستراتيجية وأهمها السلع الغذائية ومصادر الطاقة وهي التي ستؤدي إلي صعوبة استقلال القرار الوطني في فترة دقيقة حاليا.