«بالمناسبة إحنا 90 مليون، لولا قدر الله ما أخدناش بالنا، مش هانقوم تانى». «فيه مشكلة كبيرة فى بلدى ماتواجهتش على مدى 40 سنة، كنا 30 مليون وبقينا 90 مليون، يلاقوا المدرسة مش كويسة، طيب ليه .. المستشفى مش كويسة، طيب ليه.. مفيش فرصة عمل، لأن مفيش.. مفيش..».. «مصر فيها 90 مليون وبيتصرف عليها بس 165 مليار جنيه، هى اللى بتتبقى من الموازنة بعد ما تنقص منها عجز الموازنة وفوائد الدين وكمان فاتورة الدعم، مطلوب يتوزعوا على كل القطاعات، التعليم والصحة والإسكان، والمواصلات وفرص العمل، عشان يكون فيه أمل للشباب المتخرج، فى حين أن اللى مفروض يتصرف على دولة زى مصر ما يقلش عن 3 تريليون».
توقف الكثير من خبراء السكان أمام هذه الجمل، التى جاءت على لسان المشير عبد الفتاح السيسى فى لقاءين له خلال الأسبوع الماضى، واعتبروها مؤشرا على رؤيته للقضية السكانية.
هذه الكلمات جاءت فى الوقت الذى يستعد فيه خبراء التنمية والسكان فى مصر للمشاركة فى المؤتمر الدولى للسكان، الذى يقام بعد أيام فى نيويورك، بمناسبة مرور 20 عاما على مؤتمر القاهرة الدولى للسكان والتنمية، الذى احتضنته مصر عام 1994، وخلف جدلا واسعا حول أبعاد القضية السكانية، وأوضاع السكان وحقوقهم.
فى أوائل شهر مارس الحالى أعلنت الساعة السكانية بالجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء وصول سكان مصر إلى 86 مليون نسمة بالداخل و8 ملايين بالخارج، أى وصول عدد المصريين إلى 93 مليونا، ويرى د. ماجد عثمان الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة ووزير الاتصالات وتكنولوجيا والمعلومات الأسبق، أنه لو ظل معدل الزيادة السكانية فى مصر كما هو فمن المتوقع وصول عدد سكان مصر إلى 150 مليون نسمة عام 2050، وهو الرقم الذى يتجاوز أسوأ سيناريو للزيادة السكانية فى مصر، من بين السيناريوهات الثلاثة التى وضعتها الأممالمتحدة، للزيادة فى عدد السكان فى مصر. السيناريو الأول، يعتمد على خفض معدلات الإنجاب، مما يصل بعدد السكان فى 2050 إلى 105 ملايين نسمة فقط ويثبت عدد السكان فى 2054، بينما يعتمد السيناريو الثانى على معدل إنجاب متوسط، يصل فيه عدد السكان فى نفس العام إلى 125 مليون نسمة ويستقر عدد السكان فى 0902، أما أسوأ السيناريوهات فيصل بسكان مصر إلى 140 مليون فى حالة الإنجاب المرتفع، حتى عام 2050، ولا يوجد سقف للزيادة، حيث يصل عدد السكان فى 2100 إلى 214 مليون نسمة.
المشكلة كما يشرحها د. ماجد أن هذه الزيادة يمكنها أن تكون نعمة، إذا كانت مصحوبة بارتفاع فى دخل الفرد، لأنها ستؤدى إلى اتساع السوق، وزيادة قوة العمل، وزيادة فى الإنتاج والدخل، لكن فى ظل تدنى الخصائص المعرفية والمهارية والسلوكية، للإنسان المصرى لن تصبح الزيادة السكانية سوى مجرد سوق استهلاكية غير منتجة يستفيد منها الآخرون.
∎ هل نستطيع المواجهة؟!
هذه الزيادة تعنى أننا سنحتاج إلى 91 ألف فصل فى المرحلة الابتدائية لاستيعاب الزيادة فى المواليد خلال الست سنوات القادمة، لنحافظ على متوسط الكثافة الحالية فى الفصول والتى تقدر بنحو 34 طالبا فى المتوسط العام على مستوى الجمهورية، فى الوقت الذى بنينا فيه 34 ألف فصل فى المرحلة الابتدائية لاستيعاب الزيادة فى الست سنوات الماضية، فى حين أن خفض الزيادة السكانية يقلل الضغط على الخدمات التعليمية والصحية، ويرشد استهلاك الطاقة، ويقلل من استيراد المواد الغذائية، ويحد من تآكل الأراضى الزراعية.
ويرد عثمان على من يرون الحل فى إعادة توزيع السكان بأن الأرقام تدل على أن معدل الهجرة للمحافظات الحدودية يقدر بنحو 300 ألف نسمة فى 10 سنوات، والمتوسط السنوى للهجرة للمحافظات الحدودية يساوى مواليد 5 أيام، وعدد سكان سيناء، يساوى عدد مواليد 3 شهور، وعدد سكان البحر الأحمر ومطروح والوادى الجديد معا يساوى مواليد 5 شهور فقط. الحل من وجهة نظر عثمان هو رفع نسب استخدام وسائل تنظيم الأسرة، وزيادة الموارد المتاحة لتنفيذ البرنامج السكانى، وربط المعلومات السكانية بالسياسات الوطنية والمحلية، واستبدال طرق التقييم التقليدية بطرق أخرى تشرك الشباب وجمعيات المجتمع المدنى، وتفسح المجال للأفكار الإبداعية.
∎الناس ونداءات الحكومة
فى نوفمبر الماضى عقد أول مؤتمر للقضية السكانية بعد ثورة يونيو، لإعادة وضع القضية على أولويات الحكومة، بعد أن كان الكثير من رموز نظام الإخوان السابق يرون أن قضية ضبط النمو السكانى ليست من أولويات الحكومة، كما دعمت بعض الخطابات الدينية وقتها هذه الرؤية أيضا.
المشاركون فى المؤتمر اتفقوا على أن مصر تواجه مشكلة سكانية، سوف تزداد تعقيدا، إذا لم تهتم الجهات المختلفة بمتابعة الخطط الجديدة، بطرق علمية دقيقة لأن السياسات السكانية السابقة أغفلت الجوانب الاجتماعية والثقافية للقضية السكانية، ونجحت فى خفض معدل الخصوبة الكلى من 5.3 طفل لكل سيدة فى عام 1980 إلى ثلاثة أطفال لكل سيدة فى عام 8002، لكن الألفية الجديدة شهدت بداية فترة ثبات فى معدلات الخصوبة، وأصبح من الصعب خفض معدل الإنجاب عن ثلاثة أطفال.
وركز المؤتمر على أن قضية السكان ترتبط بقضايا التنمية المستدامة، وأن مشكلة الزيادة السكانية غير المنضبطة، هى أنها تخلف وراءها عددا من الفئات المهمشة التى تعانى الفقر والحرمان من جميع الخدمات الأساسية التى يجب على الدولة أن توفرها لجميع المواطنين دون تمييز، وأن الحل فى وضع برنامج سكانى يشارك فى وضعه الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدنى، ليسانده الإعلام وتخدمه الدراسات.
وربط رئيس الوزراء بين نجاح البرنامج السكانى، وبين توفير خدمات الصحة الإنجابية،ئضمن مجموعة متكاملة من الخدمات الصحية، بالتنسيق بين وزارة الصحة والمجلس القومى للسكان المسئول عن وضع البرنامج وتوفير قاعدة بيانات متكاملة حول القضية السكانية يستفيد منها الجميع، بالإضافة إلى حزمة من الخدمات فى كل المجالات، ليمكن للأسرة أن تمارس حقها فى اتخاذ قرار بعدد الأطفال الذين تقدر على رعايتهم وحمايتهم.
∎ برنامج سكانى مبتكر
المجلس القومى للسكان الذى أنشئ فى عام 1985 ليقوم بتنسيق جميع الجهود الوطنية فى القضية السكانية، وليقوم بوضع سياسات البرنامج السكانى، ومتابعته وتقويمه، وتوفير قواعد البيانات والدراسات المعنية بالقضية للجميع، يتبنى الآن - كما تقول مقررته د. هالة يوسف - دمج الأبعاد السكانية فى خطة التنمية للدولة، بما يضمن تقاسما عادلا للموارد والثروة الوطنية لكل المواطنين دون تمييز، إضافة الى تحقيق نمو سكانى متوازن مع معدلات التنمية الاقتصادية والموارد الطبيعية للدولة.
وتتفاءل هالة باهتمام المشير عبدالفتاح السيسى، فى دعم البرنامج السكانى «كلمات السيسى توجه إيجابى من شخص يدرك المشكلة ويريد مواجهتها».
المجلس قدم خطته للفترة من 2014- 2017 إلى وزارة التخطيط قبل أيام لتدمج فى خطة التنمية فى مصر، وتنطلق الخطة من أهمية تحسين مهارات وخصائص الإنسان المصرى، من خلال وصول كل الأطفال إلى حقهم فى التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية، وبشكل خاص تعليم الفتيات ومحاربة الزواج المبكر قبل 18 سنة، واكتشاف مواهب الشباب، وتشجيع الإعلام ورجال الدين وقادة الرأى على تبنى القضايا السكانية والتوعية بها، وأن تتبنى كل محافظة برنامجا يتناسب مع خصوصيتها، بمشاركة القطاعين الأهلى والخاص.
كما تركز الخطة علي توعية الأسر بأهمية تنظيم الأسرة، وفى الوقت نفسه تشجيع الأسر على اختيار العدد الأمثل للأبناء طبقا لظروفهم المعيشية، والتى تمكنهم من تقديم الرعاية والحماية وباقي الحقوق فى حياة كريمة لكل أفراد الأسرة، وتركز أيضا علي تطوير السياسات الاقتصادية والاجتماعية من خلال منظور التنمية المستدامة.
تشرح د. هالة الخطة، و سنركز على زيادة طلب الناس لوسائل تنظيم الأسرة، وهو ليس فقط دور وزارة الصحة وإنما وزارات التعليم والشباب والرياضة والأوقاف والإعلام وغيرها، بتوعية القيادات المحلية والشباب بالعلاقة الوثيقة بين السكان والموارد والفقر والتنمية، وتشجيع خطاب دينى إسلامى ومسيحى، يؤكد على فكرة تحسين نوعية السكان لعمارة الأرض».
الخطة أيضا تعتمد على جمع وتكامل المعلومات عن القضية السكانية، ومتابعة تنفيذ البرنامج السكانى، وقياس رضا المنتفعين عن الخدمات الصحية، بما فيها خدمات الصحة الإنجابية وصحة المرأة والشباب، من أجل تحسين الخدمة، لأن افتقاد المتابعة كان سببا فى عدم تحقيق الكثير من الخطط التنموية لأهدافها، والجديد الذى تقدمه خطة المجلس هو وضع مؤشرات واضحة وشفافة لقياس الخدمات التنموية، لاسيما الخدمات الصحية والتعليمية، لتشجيع تعليم وعمل المرأة، والقضاء على الفقر، وتشجيع الجهود التطوعية والقطاع الخاص على تمويل وتبنى البرامج السكانية.
أما بالنسبة لإعادة توزيع السكان فترى هالة أن يبدأ إعادة توزيع السكان داخل المحافظة الواحدة فى البداية، بالتوازى مع تطوير البنية التحتية فى المحافظات الحدودية لاجتذاب عدد أكبر من المواطنين.
∎ الخدمة لمن يطلبها فقط
فى قطاع السكان وتنظيم الأسرة بوزارة الصحة، يضع رئيس القطاع د. عاطف الشيتانى، يده على مشكلة هى عدم وصول خدمات تنظيم الأسرة لكل الأسر المصرية، وهى أن الوزارة تقدم خدمة تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية، لمن يطلبها فقط، فى الوقت الذى تحول فيه عوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية وجغرافية، دون حصول البعض على هذه الحقوق، خاصة فى الريف، الذى تصل فيه نسبة النساء الراغبات فى استخدام وسائل تنظيم الأسرة، ولا يستطعن الحصول عليها إلى 15 ٪، والتى تصل على المستوى القومى إلى 2.9٪ من الأسر.
خدمات تنظيم الأسرة كلها مجانية، لكن تحرم منها بعض المناطق النائية والوعرة، التى ليس بها وحدات صحية، وترسل عيادات متنقلة لهذه المناطق، وإلى المناطق التى بها وحدات صحية ولكن لا يوجد بها أطباء.
واستجابة للخطة القومية للسكان بدأت وزارة الصحة، كما يؤكد د. عاطف فى تشجيع زيادة الطلب على وسائل تنظيم الأسرة، من خلال أخذ رأى الناس عن الخدمة لتحسينها ولتقديم خدمات إضافية مكملة مثل علاج الأنيميا والالتهابات بالنسبة للمستخدمات للوسائل.
يرى د.عاطف أن التوعية بهذه الحقوق هى أهم ما يدفع الأسر للحصول عليها، وبالتالى توفيرها من قِبَل الوزارة، لكن جهود التوعية تواجه بعض المشكلات أيضا مثل عدم كفاية أعداد الرائدات الريفيات للاتصال بهذه الأسر، وهناك حاجة إلى مساندة من قِبَل الجمعيات الأهلية والمجتمع بأكمله فى جهود التوعية هذه.
ويؤكد د.عاطف أنه لن ينجح أى برنامج لتنظيم الأسرة والسيطرة على النمو السكانى، إلا بالالتزام السياسى من قبل الدولة «ليس أقل من تبنى رئيس الدولة» للقضية السكانية، وهو ما حدث فى تونس وإيران وإندونيسيا وبنجلادش، بحيث يعلن رئيس الجمهورية برنامجا للسيطرة على النمو السكانى، ويوضح للشعب تداعيات الزيادة السكانية وزيادة أعداد المواليد على التعليم واستهلاك الكهرباء وغيرها، والجهود التى تبذلها الدولة فى التنمية، كما أشار المشير السيسى فى لقاءاته هذا الأسبوع، ثم يدعو الأحزاب ورجال الدين والوزارات لتنفيذ البرنامج وإدماجه فى خطة الدولة.
وضع السكان فى مصر بالأرقام
- تضاعف عدد سكان مصر خلال القرنين الماضيين فكان عدد السكان عام 1900 نحو عشرة ملايين نسمة، ليكسر حاجز العشرين مليونا فى 1950، ليصل الى 04 مليونا فى عام 1979، ليقفز الآن إلى80 مليون نسمة.
- يزداد عدد مواليد مصر سنويا 2 مليون مولود، 800 ألف منهم من ذوى الترتيب الثالث أو الأعلى فى الأسرة.
- عدد المواليد فى مصر فى 2010 يفوق عدد المواليد فى فرنسا وإنجلترا وإيطاليا مجتمعة.
- عدد مواليد مصر فى 2010 يفوق عدد المواليد فى اليابان وألمانيا مجتمعتين.
-عدد مواليد ريف الوجه البحرى يساوى 25٪ من جملة سكان مصر، وعدد مواليد ريف الوجه القبلى يساوى 41٪ من جملة مواليد مصر.
- نصف السكان فى الفئة العمرية من 15- 44 سنة.
-انخفضت معدلات الإنجاب فى مصر من 2,7 طفل لكل سيدة فى الستينيات إلى 3.7 طفل لكل سيدة فى 1995 بفضل برامج تنظيم الأسرة، لكن تباطأت معدلات انخفاض الإنجاب خلال السنوات الأخيرة، لتستقر حول 3 أطفال لكل سيدة، كان يفترض أن تصل إلى 2.1 طفل لكل سيدة بحلول 2017 للحفاظ على ثبات أعداد السكان، لكن المعدل لا يشير إلى ذلك.
- يعيش المصريون على 8٪ فقط من مساحة مصر، بما يساوى نفس مساحة سيناء.