ابتهج الخليفة أبوبكر الصديق رضى الله عنه معجبا بشجاعة خالد بن الوليد التى بعثت فى نفوس المسلمين العزة والرضا والاعتداد بالقادة المسلمين العظام. ثم أرسل أبوبكر كتابه إلى خالد يقول (سرحت تأتى جموع المسلمين باليرموك. فليهنك يا أبا سليمان النية والحظوة فأتم الله لك. ولا يدخلنك عُجب فتخسر وتخذل وإياك أن تدل بعمل فإن الله له أكمن وهو ولى الجزاء). وكتب أبوبكر إلى أبى عبيدة بن الجراح فى الشام يخبره بمقدم خالد بن الوليد إليه: (سلام الله عليك، أما بعد فقد وليت خالدًا قتل العدو فى الشام فلا تخالفه وأسمع له وأطع فإنى لم أبعثه عليك إلا أن تكون عندى خيرًا منه ولكنى ظننت أن له فطنة فى الحروب ليست لك أراد الله يناوبك خيرًا والسلام). ولكن خالد بن الوليد بعث إلى أبى عبيدة بكتاب يقول فيه: (أتانى كتاب خليفة الله يأمرنى بالسير إلى الشام، وبالقيام على جنده والتولى لأمرها، والله ما طلبت ذلك قط ولا أرتضيه إذ وليته فأنت على حالك الذى كنت عليه لا نعصيك ولا نخالفك ولا نقطع دونك أمرًا فأنت سيد المسلمين لا ننكر فضلك ولا نستغنى عن رأيك. وبذلك كان خالد قائدًا محترمًا يحترم زملاءه من القادة الآخرين حتى ولو كان معينًا رئيسًا لهم. هذا، وقد كان الخليفة قد سير أربعة جيوش للقتال على طول الجبهات الرومانية، فسير يزيد بن أبى سفيان على رأس ستة آلاف أو سبعة آلاف إلى دمشق، وسير شر حبيل بن حسنة إلى الأردن بمثل العدد السابق، وسير عمرو بن العاص إلى فلسطين على رأس جيش يزيد على ذلك قليلاً، أما عبيدة بن الجراح فقد سار على رأس جيش قوامه خمسة آلاف أو ستة آلاف إلى الجابية كما ترأس عكرمة بن أبى جهل جيشا صغيرا سار به ليحمى ظهور من يحتاج منهم إلى الحماية ويسرع بالنجدة إلى من يحتاج إلى المعونة منهم. وقد كان الهدف من تقسيم هذه الجيوش فى الشام هو تشتيت جهد العدو فى عدة جبهات، كما أن الخليفة أراد أن يكون لكل قائد مسئوليته وفى تحديد التعاون بين هذه الجيوش، إلا أن الرومان أرسلوا عليهم جيوشا جرارة تجمعت فى أنطاكية بلغ عددها مائتين وأربعين ألفًا، وبجوار بيت المقدس تجمع سبعون ألفًا، وهذه الحشود تفوق ثلاثة أضعاف جيوس المسلمين بما فيها جيش خالد بن الوليد الذى اتجه من العراق إلى (اليرموك). ثم رأوا أنه من الأجدر أن تتجمع هذه الجيوش المتعددة فى جيش واحد كما أمرهم الخليفة أبوبكر الصديق، وأن يجتمعوا فى (اليرموك). وقد كانت قبل اليرموك، وتجمع الجيوش (معركة أجنادين) حيث أنزلوا الهزيمة بالروم برغم ضخامة أعدادهم وعتادهم، وذلك لبسالة المسلمين. مما أدى إلى انتصار المسلمين فى (اليرموك) بعد أن تجمعت جيوشهم فى جيش واحد، وقد كانت الحرب فى ميدان الشام تجرى على نسق الحرب فى ميدان العراق وفارس، فلم يحدث التصادم فيها إلا بين العرب وبين الجنود والمنتمين إلى دولة الروم. وقد ابتهج أهل البلاد الأصليون بانتصار المسلمين على الرومان ليستطيعوا الخلاص من نير الحكم الرومانى الظالم الفاسد. فلم يمض عام واحد على بدء القتال حتى ساد المسلمون الميدان بعد انتصارهم فى (موقعة اليرموك الكبرى). فكانت خاتمة لحكم الصديق الذى حكم الدولة نحو عامين فقط.