بعد أن تعرفنا علي معني الفتوي والمفتي وما ينبغي أن يكون عليه المفتي والأسباب التي تؤدي إلي فساد الفتوي, فإنه يتبين لنا أن المفتي إن لم يتخلق بأخلاق الله ويتأدب بآداب سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم فإن فتواه تكون سيئة لأنه يقول ما لم يعمل. فالضمير الحي هو الذي يقود صاحبه إلي رضا الله تبارك وتعالي, وفقهاؤنا الأجلاء كانوا يهتمون بالفتوي, لما لها من أثر في حياة الفرد والمجتمع لأن العلم بلا تقوي فساد وضلال. ولهذا فإن الله سبحانه وتعالي من النفاق أو المجاملة علي حساب الحق, وقد كان الفقهاء الأجلاء لا يخشون في الله لومة لائم فعاشوا مع الحق وكانوا مع الحق, ولهذا رفع الله شأنهم لأنهم كانوا مع الحق وتمسكوا به, وهذا كله إن دل علي شيء فإنما يدل علي أن منصب الإفتاء عظيم الخطر, لأن المفتي نائب عن سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم, فرسالته عظيمة ومكانته خطيرة, ولهذا كان الواجب علي كل من يجد نفسه أهلا للإفتاء أن يكون علي حذر شديد حتي يتمكن من بيان الحق للناس مهما تنوعت فتاواهم ومهما كانت منزلة المستفتي, لأن مسألة الإفتاء ينبغي ألا تتعلق بالمصالح الخاصة, بل الواجب أن تتعلق بالمصلحة العامة التي لا تجعل الناس يميلون إلي الهوي أو يضلون الطريق بسبب فساد الفتوي. وتبين لنا أيضا مرونة الشريعة الإسلامية, وأنها تتماشي مع كل زمان ومكان وتبين أيضا أن الضوابط الشرعية ضرورية في البحث العلمي. ومن بين ما تسبب في فساد الفتوي أن المسئول إما أن يتهاون أو يتظاهر بالتشدد, وهذا مخالف لمنهج سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم. روي الخطيب البغدادي عن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال: ألا أنبئكم بالفطنة حق الفطنة؟ من لم يقنط الناس من رحمة الله, ولم يرخص لهم في معاصي الله, ولم يؤمنهم مكر الله, ولم يترك القرآن إلي غيره, ولا خير في عبادة ليس فيها تفقه, ولا خير في فقه ليس فيه تفهم, ولا خير في قراءة ليس فيها تدبر. ومن الأسباب التي تؤدي إلي فساد الفتوي المجاملة علي حساب الحق, وما أكثر المجاملين في هذا الزمن, وما أكثر المنافقين الذين يخادعون الله, وهو خادعهم فهم يتلونون في المجالس علي حسب ما يقتضيه المجلس. ومن أسباب فساد الفتوي أيضا, عدم إيضاح القول الصحيح للسائل, وهذا يجعل المستفتي يأخذ الأمر علي حسب ما فهم, لأن المفتي لم يوضح له الحكم بما يزيل أي شبهة أو لبس عند المستمع. جاء رجل إلي الخليل بن أحمد وسأله عن مسألة فأبطأ بالجواب. فقال له صاحبه: لم تنتظر؟ فليس فيه هذا النظر. فقال: قد عرفت المسألة وجوابها, وإنما فكرت في جواب يكون أسرع لفهمك.