اللواء صلاح المناوى بطل من أبطال حرب أكتوبر المجيدة سطر بطولات بأحرف من نور بالقوات الجوية شارف على عامه الخامس والثمانين يقضى يومه فى استحضار بطولات عسكرية أو بالأحرى "جوية" قام بها وقت أن كان ضابطا صغيرا بالجيش، لا يبرح بيته إلا نادرا، ولا يتلقى زيارات من رفاق أو أقارب، هكذا صارت حياته بعد رحيل زوجته، خاصة أن اللواء صلاح المناوى، قائد عمليات الجو فى حرب أكتوبر، لم يرزق بأولاد. يتذكر البطولات ونحن نحتفل بالذكرى الواحد والاربعين للنصر يشتاق بين الحين والآخر لامتطاء إحدى الطائرات والتحليق بها، الرجل لم ينس الطيران بعد، يقول: "الطيران لا ينسى، أنا كان فيه شركات أمريكية عرضت عليا طائرة خاصة، وكنت هجيبها، إما أطير بيها بنفسى، أو يكون فيه طيار مصاحب ليها، لكن مفيش مكان أصونها فيه". لم يعد قائد الضربات الجوية راغباً فى ارتداء "بدلته" العسكرية بعدما قام بخلعها عام 1979، ونقله إلى الاكاديمية ويعيش على ذكريات يتمنى نقلها للاجيال القادمة لتكون دروسا فى الوطنية والفداء. وكان للاهرام المسائى معه هذا الحوار: حول بدء تفكيره فى الطيران ليكون صقرا من صقور الجو يقول اللواء صلاح المناوي: كنت الطفل المفتون بالطائرات التى تمر من فوق منزله وأنا أعيش فى المنصورة، طائرات إنجليزية تمخر سماء مصر أثناء الحرب العالمية الثانية، الطفل المولود فى عام 1929 لم يكن يحلم أن يحالفه الحظ يوما ويركب إحدى هذه الطائرات، ينظر لها فى صمت، فى هذه اللحظة اختار "صلاح" مصيره: "سأصبح ضابطاً فى الجيش". ودخلت الكلية الحربية عام 1948، وتخرجت منها عام 1950، وكانت الكلية الجوية وقتها تستعد لإستقبال دفعة جديدة من الطلاب، لم أكن لأصدق أن حلمى فى التحليق بات قريباً منى، فالتحقت بها فى فبراير 1951 ضمن طيارى القتال، كنت قبل ذلك بسنين أهوى الطيران، سماعى عن طيارينا المعدودين أيام الملكية دفعنى لتقدير هؤلاء الرجال النادرين من نوعهم". تذكر المناوى أيامه الأولى فى سلاح الطيران، كان وقتها ضابطاً برتبة ملازم أول حين استدعاه الضابط جمال سالم، عضو تنظيم الضباط الأحرار فى استراحته بالعريش وقتها، ليقنعه بالانضمام لتنظيم الضباط الأحرار الذى يسعى لإصلاحات واسعة المدى فى الجيش، والدولة، اقتنع المناوى بما عرضه عليه سالم، لينضم إلى تنظيم الضباط الأحرار. لم تقف العلاقة بين جمال سالم أحد قادة ثورة 1952، والملازم أول صلاح المناوى قائد سرب الطائرات السوخوى الروسية فى العريش، بعد الثورة، لكنها إمتدت وزادت فى العمق، يقول المناوى: "حاول جمال سالم إقناعى بعد نجاح الثورة بالعمل خارج القوات الجوية فى إحدى وزارات الدولة ذات الطابع غير العسكرى، وزارة الخارجية بالذات، إلا أننى رفضت وقلت له: أنا راجل بتاع طيارات ومناورات جوية مش بتاع خارجية أو غيره، ولا أحب سوى قتال العدو على جبهة القتال وضرب أهدافه من الجو". حياة القائد الجوى حديث السن لم تخل من التحديات، يذكر المناوى أنه حين وصل لرتبة الرائد "صدر أمر لى بالذهاب للقاء الفريق أول صدقى محمود، قائد القوات الجوية وقتها، ليخبرنى أنه أثناء عودة الرئيس جمال عبدالناصر من رحلته الأخيرة للعاصمة الروسية موسكو، كان قد حل ضيفاً على اليونان، وقامت القوات الجوية اليونانية وقتها أمامه بأداء عرض جوى بتشكيل من 6 طائرات مقاتلة قامت بألعاب جوية مشتركة، وأعجب الرئيس عبدالناصر بالعرض الجوى ثم سأل: هل لدينا مثل هذا فى مصر؟ فكان جوابى على الفريق أول صدقى محمود نحاول يا فندم". أشرف الرائد المناوى بنفسه على إعداد أول تشكيل طائرات للعرض الجوى فى مصر، "المشكلة أننى لم أحصل على وقت كاف من قائد القوات الجوية لتدريب الطيارين على هذه الألعاب الجوية شديدة الصعوبة، وكنت قد أكدت لقائد القوات الجوية أننى سأعد تشكيلاً للألعاب الجوية هو الأكبر عددا من 9 طائرات كالذى يقدمه السلاح الملكى البريطانى، لم يكن أمامى وقتها سوى 25 يوماً لتقديم العرض فى حفل تخرج الدفعة الجديدة من الكلية الجوية، والطلب شديد الصعوبة، ولتوضيح مدى هذه الصعوبة التى تورطت فيها لتوى، أن التشكيل الذى كانت تقوم به القوات الأمريكية الجوية لم يكن يضم وقتها سوى أربع طائرات، ورغم ذلك فإن الخطأ الصغير الذى وقعت فيه إحدى هذه الطائرات الأربع تسبب فى اصطدام الطائرات كلها فى الأرض، ومات طياروها". الحياة ليست مملوءة بالنجاحات وحسب، مر المناوى بأصعب فترات حياته حين هزمت القوات الجوية فى معركة لم تدخلها حين ضُربت طائراتها على الأرض فى غارات العدو الجوية، لكن هزيمة يونيو 1967 كانت سببا فى الدفع بالمناوى ليشغل منصب قائد عمليات القوات الجوية، يقول المناوى: "انتكاسة القوات الجوية فى حرب 67 كانت سبب إزاحة عدد كبير من القادة الجويين، وصعودى ضمن قادة جدد لتولى مهمة إعادة القوات الجوية أقوى مما كانت، كنت فى ذلك الوقت برتبة عقيد طيار عندما توليت رئاسة عمليات القوات الجوية، وهى الجهة المسئولة عن إعداد القوات الجوية وتجهيزها للحرب". "كنت أصغر من تولى هذا المنصب، فلم يكن يتولاه أقل من لواء طيار، أول ما قمت به وقتها عقد مقارنة بين قواتنا وقوات العدو، من جميع النواحى، وكان أول طلب لى هو ضرورة الدفع بعدد كبير من الطيارين إلى القوات الجوية، وكان الرد من القيادة أن ذلك (غير ممكن)، فكان إصرارى سببا فى فتح باب التقدم للقوات الجوية، وكان العدد المتقدم أضعاف ما طلبت"، يقول القائد الجوى المتقاعد. يعد المناوى أمورا كانت هى السبب الرئيسى وراء هزيمة القوات الجوية فى النكسة منها: "أسلوب استخدام القوات الجوية لتأدية مهامها بصورة فعالة لم يكن هو الأمثل حين توليت قيادة عمليات القوات الجوية، كان لابد من تدريب القوات الجوية بكامل طياريها على ضرورة تدمير أهداف العدو فى وقت محدود مع إحداث أقل الخسائر فى صفوف قواتنا الجوية، وهو ما تم فى الضربة الأولى التى شارك فيها 220 طائرة مقاتلة ومقاتلة قاذفة، ولم تكن الخسائر سوى 6 طائرات أربعة منها سقطوا بواسطة قوات الدفاع الجوى للعدو، وطائرتان اصطدمتا بالمياه نظراً لطيرانهما على ارتفاع منخفض جدا". يتألم اللواء المناوى كلما تذكر الحوار الذى دار بينه وبين الفريق مدكور أبوالعز، قائد القوات الجوية وقت النكسة، حين قال المناوى: "يا فندم إحنا هنرص الطيارات مرة تانية على الممر، علشان العدو يضربهم تانى بسهولة؟"، فتألم قائد القوات الجوية من كلام المناوى ثم أزال عن نفسه الرتبة من فوق كتفيه، وأجاب: "خد رتبتى انت وقولى نعمل إيه؟". بعدما أنهى العقيد المناوى حواره مع قائد القوات الجوية مدكور أبوالعز، بدأت القوات الجوية فى "بناء 600 دشمة شديدة القوة لوضع الطائرات بداخلها، وكان تدمير هذه الدشم أمر غاية فى الصعوبة حتى مع إستخدام قنابل الممرات". وحول ذكرياته مع الفريق أحمد شفيق قال أن "أحمد شفيق كان ضابطا صغيرا فى سلاح الجو برتبة نقيب أيام الحرب، لكنه كان ضابطا ممتازا، ولا يجوز أننا نبخسه حقه لأى اعتبارات سياسية، أذكر مثلا أن أربع طائرات إسرائيلية كانت تلاحقه فى وقت واحد، وحاول طيارو الطائرات إسقاط طائرة الطيار أحمد شفيق، لكنه تمكن من مراوغة الطائرات كلها، وطار بعيداً عنهم دون إلحاق الأذى به". وحول طرق مراقبة اسرائيل إستعدادا للحرب قال كنا نراقب كل تحركات وإستعداد العدو فى إستخدام قواته وكل طلعه يقوم بها كنا نقوم بدراستها وعندما كانت طائرات العدو ترتفع وأخرى على "وش الأرض" كنا نعلم بها وكنا عارفين كيف نقوم بتوجيه طائراتنا على العدو ازاى وطائرات الفانتوم كنا عارفين نقاط ضعفها وضربنها والتى كانوا يقولوا عنها الطائرة الأمريكية الضاربة فى العالم والميراج كنا عارفين قدراتها تماما وكنا نحاربها بحيث نستخدم ضعف قدراتها فى القتال معها من خلال تشكيلات ندخلها على الطائرات المعادية ومن يقوم بتشكيل العملية كلها وكيف نقوم بتنسيق التعاون مع الدفاع الجوى نحن سبب من اسباب النكسة فى 67 إنه لم يكن لدينا نقط مراقبة تكشف العدو الذى يأتى على ارتفاع منخفض لمهاجمتنا وتم حلها فى 73 بواسطة الدفاع الجوى من خلال قيامه بعمل نقط مراقبة على طول الحدود المصرية حيث بلغونى الفريق محمد على فهمى قائد قوات الدفاع الجوى بأننا سوف نبلغك إذا كان هذا عدو ولا صديق فالعدو يأتى فى 900 كيلو متر فى الساعة يعنى 15 كيلو فى الدقيقة فأبلغته إننا أريد أن اسمع كلام العدو بنفسى فطلبت من القيادة الجوية وبإصرار شديد انهم يأتوا ليه بكل اجهزة اللاسلكى التى استطيع أن أسمع بها وكل القوات الجوية تسمع كلام العدو عن تحركاتهم واستعدادتهم بنفس التوقيت ونقوم على أساسها بتنسيق التعاون بحيث أن طائراتنا لو طلعت بإعداد كافية لصد العدو تكون قوات الدفاع الجوى متحفز ولكن لا تشتغل وانما لم نطلع بالطائرات الكافية يبقى الطائرات بتاعتنا تأخذ نصف المنطقة والدفاع الجوى يأخذ نصف المنطقة ولو اضطرينا للقتال فى منطقة واحدة، حيث قمنا بوضع أجهزة فى طائراتنا للتواصل مع الدفاع الجوى للتعرف إذا كانت طائرة عدو ولاصديق. وحول دور القوات الجوية فى الحروب قال اللواء صلاح المناوى رئيس عمليات القوات الجوية وأحد قادة حرب أكتوبر الذين شاركوا فى التخطيط للضربة الجوية بأن السلاح الجوى هو السلاح القادر على إنه يصل إلى الأهداف البعيدة التى لم تستطع المدفعية ان تصل لها ، فلابد ان تدمر الأسلحة المضادة للطائرات الأسلحة التى يمكن أن تستخدم ضده أثناء الحرب ويصل للأهداف البعيدة فى اى وقت كان ، كما يقوم بتأمين نفسه لانه بيضرب كل الاهداف التى يمكن أن تعمل ضده ، كما أن هناك اهدافا خطيرة تحدث تداخل على اللاسلكى والاتصالات وعلى الرادارات ولهذا لابد من تدميرها فى بداية الحرب.