من المهام الأصلية للحكومة هو (إعداد مشروع الموازنة العامة للدولة) وبالتالي فإن البحث عن جميع السبل لتصحيح الخلل المتعاظم في وجود عجز مفرط ومتنام في الموازنة العامة يتطلب تكريس جميع الجهود في مواجهة هذا العجز في مدي زمني قصير ولغرض المساهمة في طرح رؤية لمواجهة العجز نعود إلي جذور هذا العجز فنجد أنه كان هناك انخفاض مطرد في عجز الميزانية كنسبة من الناتج القومي الإجمالي للدولة منذ بداية عام 86-1987 حيث كان 18.6م ارتفع إلي 24.7% في عام 87-1988 ثم عاود الانخفاض إلي 18% في عام 88-1989 واستمر العجز في الانخفاض حتى وصل إلي 7.4% في بداية عام 1991 (مع بدء تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي ) ثم انخفض إلي 5.3% في عام 92- 1993 ثم إلي 6،2 في عام 893-1994 ثم إلي 5.1 في عام 94-1995 ثم إلي 3.1% في عام 95-1996. فمنذ يناير 1991 بدأت الدولة برنامج تمويل عجز الميزانية عن طريق إصدار أذون للخزانة العامة مستحقه الوفاء بعد ثلاثة أشهر أو ستة أشهر من تاريخ إصدارها، ويتحدد سعر الفائدة علي هذه الاذون بالتفاعل بين العرض والطلب وقد بدأ بمعدل فائدة سنوي 20.19% ثم انخفض تدريجياً آلي 10% ،وحيث كان جزءاً من برنامج الاصلاح النقدي والمالي مع صندوق النقد الدولي. هذا ويرجع الي التباين بين سلوك الايرادات العامة وسلوك المصروفات العامة،فالإيرادات العامة لاتزيد بنفس نسبة ارتفاع الاسعار بل تتخلف عنها بسبب جمود النظام الضريبي وليس معني ذلك أن عجز الموازن قضاء محتوم ولكن معناه أن السلوك العام للإيرادات والمصروفات في ظروف التضخم يؤدي الي تفاقم عجز الموازنة وبالتالي يقتضي ذلك الاعتماد علي السياسات الاقتصادية والمالية في الحد من هذا العجز او الاحتفاظ به في حدود معقولة ومأمونة وفي ظل ان تلك المشكلة الاقتصادية من اعقد المشكلات في مجال السياسات المالية والتي وصلت في التسعينيات من القرن الماضي الي نحو 17% ثم ارتفع الي ما يزيد علي 20% فيما بعد من ا لناتج المحلي الإجمالي إن المصادر التمويلية المتاحة للدولة يتمثل في ثلاثة مصادر رئيسية المصدر الاول بتمثل في الاقتراض من المؤسسات الحكومية وهيئات القطاع العام ذات الفائض وعلي وجه الخصوص صندوق التأمينات الاجتماعية وصناديق المعاشات وشركات التأمين ويتم هذا تنفيذا لقوانيها التي تفرض عليها ذلك والمصدر الثاني يتمثل في الاقتراض الاجنبي من مصادره المختلفة سواء كانت ثنائية او جماعية وساء كانت تجارية او ميسرة وفي هذا الصدد نوصي بالاعتماد علي المصادر الجماعية من البنك الدولي والبنوك الاسيوية للتنمية أما المصدر الثالث يتضمن الاعتماد علي الإصدار النقدي الجديد أو استخدام مطبعة النقود الورقية بعد استنفاد موارد المؤسسات العامة ذات الفائض والقروض والمعونات الاجنبية وهذا المصدر يتصف بأنه لا حدود له فالمطبعة موجودة والورق متوافر. حيث ان الضخ المباشر للنقود الجديدة يؤدي الي موجات تضخمية تعصف بالكثير من فئات المجتمع والتخلص من ذلك يتمثل في وضع برنامج للتمويل من خلال إصدار اذون وسندات الخزانة التمويل عجز الميزانية من خلال مدخرات حقيقية بهدف خفض معدلات التضخم بديلاً عن طريق التوسع النقدي وبهذا يزول احد المصادر الاساسية للضغوط التضخمية ،مع الاخذ في الاعتبار مراعاة حدود وقيود الاعتماد علي سياسة إصدار أذون وسندات الخزانة. بحيث لا تؤدي علي المدي المتوسط والطويل الي تراكم المديونية الداخلية الي درجة تنوء بها الميزانية والاقتصاد القومي، والثانية هي امتصاص نسبة عالية من المدخرات المحلية القومية واستخدامها في تمويل المصروفات العامة الاستهلاكية بدلا من استخدامها في الاستثمارات المنتجة وأخيرا فان العبرة في عبء المديونية ليس في حجمها المطلق ولكن في نسبتها الي الناتج المحلي الاجمالي بما يتطلب وجود ادارة للسياسة المالية (الإدارة الضريبية والإدارة الجمركية) والسياسة النقدية (أسعار الصرف والفائدة والاحتياطي النقدي) الحكيمة والواعية تعمل علي ان تكون عملية اصدار اذون الخزانة والسندات تبقي دوما في الحدود التي تتناسب مع القدرة علي الوفاء والاحتفاظ بنسبة زيادة الدين العام المحلي دائما اقل من نسبة زيادة معدل الناتج المحلي الاجمالي إن تمويل عجز الميزانية كليا او جزئياً من خلال إصدار أذون خزانة وسندات حكومية سياسة معقولة ومقبولة حالياً (ولتكن في حدود سعر 8%) ولكن ينبغي أن نعرف حدودها وما تستطيع ومالا تستطيع تحقيقه من أهداف. مع البدء في تبني برنامج إصلاح وطني يرتكز علي تطوير وتحسين هيكل الاقتصاد الكلي والذي يؤدي إلي زيادة مساهمة القطاع الخاص وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر بما يؤدي الي التحكم في عجز الميزانية وكذلك من خلال الإصلاح الضريبي ويتضمن: إحلال ضريبة القيمة المضافة بديلاً عن ضريبة المبيعات وإحلال الضريبة الموحدة للدخل محل الضريبة العامة علي الدخل وذلك بالتوازي مع تبني الإصلاح الإداري والتشريعي من خلال تخفيض عدد التشريعات وتبسيط القوانين والإجراءات وتوحيد قوانين الاستثمارات في قانون واحد وتبسيط الإجراءات الإدارية من خلال تقديم لإنهاء كل الإجراءات المطلوبة لتأسيس المشروعات وتحسين كفاءة وفاعلية الجهاز