لا تمويل.. لا مشروعات, تلخص هذه العبارة العلاقة بين المشروعات والتمويل. فمتي توافرت الأفكار البناءة تحسس المستثمرون جيوبهم وجيوب الآخرين بحثا عن رأس المال ذاتيا كان أم قروضا. تساعد القروض ذات الشروط الميسرة علي تنفيذ المشروعات بكلفة أقل, في حين تضع القروض التجارية عبئا إضافيا مرده ارتفاع سعر الفائدة وقصر مدة السداد. تصنف مشروعات البنية التحتية تحت بند مشروعات كثيفة الاستثمار, فعادة تتخطي تكلفة أحد مشروعات الطرق, أو شبكات الاتصالات, أو محطات الطاقة, مئات الملايين من الجنيهات يصعب تنفيذها مع نمو الناتج المحلي بمعدل أدني من3%. في ذات السياق, مثلت حزم مشروعات البنية التحتية في خطاب السيد الرئيس ركنا أساسيا في برنامج العمل للفترة المقبلة, تنوعت مجالاتها وتعددت أغراضها لتشمل مشروعات شرق التفريعة, وتنمية محور قناة السويس, ومحطات طاقة شمسية ونووية, والتوسع العمراني للمحافظات بالاستفادة من ظهير صحراوي, علاوة علي مراجعة شبكة الطرق, وإنشاء المطارات ومحطات الكهرباء والمياه والصرف وأنظمة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات, والخدمات الاجتماعية كالمستشفيات والمدارس والمساكن منخفضة التكاليف. وسواء قررت الدولة التكفل بإنشاء مشروعات البنية التحتية منفردة أو عبر شراكات أو من خلال القطاع الخاص وحده, يطارد هاجس التمويل كافة الأطراف. ومع ضعف التمويل المحلي يأتي التمويل الأجنبي المقيد بشروط والخاضع دائما وأبدا للمناخ السياسي. لذا تقدم آليات التمويل المبتكرة حلولا التنفيذ, منها الشراكة بين الجهات الحكومية والخاصة والمعروفة اختصارا بPublicPrivatePartnership,PPP, ومشروعات البناء والتملك والتشغيل والنقلBuildOwnOperateTransfer,BOOT, وغير ذلك من آليات تخفيف ضغط الاستثمارات علي ميزانيات الدول, ليرتبط نجاح هذه المشروعات بجودة التنفيذ وتسعير عادل يضمن عائدا جاذبا للشركاء كافة. ويثبت التاريخ أن مصر استطاعت تقديم تجارب وطنية فريدة في هذا الصدد, فعندما اكتتب126 مصريا أسس طلعت حرب بنك مصر عام1920 برأسمال80 ألف جنيه, استطاع أن يحدث بها نقلة نوعية في تمويل المشروعات مع حرية اتخاذ القرار. إلي جانب ذلك لدينا بنوك متخصصة مثل بنك التنمية الصناعية وآخر لتنمية الصادرات وغيرها من البنوك ذات التوجه التنموي المباشر والتأثير الإيجابي علي القطاعات المختلفة. أيضا- ومع الفارق- يسر بنك التنمية والإئتمان الزراعي, وبنك ناصر, والصندوق الاجتماعي تمويل المشروعات الصغيرة بهدف خفض معدلات الفقر. ومع تطور القطاع المصرفي عالميا ربما تطلب الأمر تطوير هذه البنوك لتعمل علي غرار بنك الفقراء الذي أنشأه محمد يونس في بنجلاديش عام1976 بهدف مساعدة الفقراء علي إنشاء مشروعات بسيطة تنقلهم من فئة الاحتياج إلي الإكتفاء لتنتشر فروعه في أنحاء كثيرة من العالم, حتي أن أمريكا بها ما لا يقل عن20 فرعا. تتحدد آليات تمويل المشروعات العملاقة في مصر مستقبليا في عدة بدائل, أولاها وأقصرها بإقامة تكتل عدد من البنوك الوطنية كبنك مصر والأهلي والقاهرة وربما رأي بنك إقليمي المشاركة كالبنك العربي الإفريقي في تكتل يؤسس لرأس مال يوجه لمشروعات البنية التحتية إما من خلال الاتفاق علي حصص تمويلية مع بقائها في حوذة مالكيها لتقديمها عند الطلب بموجب اتفاقات واضحة ومحددة, أو بإنشاء بنك للتنمية والاستثمار يمول مشروعات البنية التحتية مع دعوة أبناء الوطن للاكتتاب العام المفتوح لتتحول فيه الأسهم إلي خزانة البنك بدلا من توجيهها إلي مشروع بعينة. وتعد السندات طويلة الأجل- تستحق خلال20 إلي25 سنة- ثاني البدائل التي يمكن انتهاجها لتمويل المشروعات كثيفة الاستثمار, إذ تتميز بمستوي مخاطر منخفض, وثقة عالية من المكتتبين, حيث تمثل نحو10% من إجمالي تمويل المشروعات عالميا, مع الأخذ في الاعتبار ما تتطلبه من قواعد تنظيمية تكسبها الثقة. أيضا تعد الصكوك الإسلامية بديلا ثالثا تنتهجه الكثير من الدول في المنطقة كوسيلة لتمويل مشروعات البنية التحتية, وتفيد بعض التقارير إمكانية توفير تمويل من خلال الصكوك يقدر بعشرات المليارات من الدولار لمشروعات البنية التحتية في المنطقة العربية مقارنة بنحو130 مليار دولار عام.2014 كما تتضمن آليات التمويل سبل الشراكة بين القطاعين العام والخاص اعتمادا علي أداء سريع ومنضبط يميز أداء القطاع الخاص مدفوعا بالرغبة في تعظيم أرباحه, مع توفير ضمانات سيادية ضد المخاطر السياسية لتجنب احتمالات التأجيل أو الإلغاء. وتتسم آليات الشراكة بتخفيف الأعباء المالية علي الموازنة الحكومية ولا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الانتقالية التي تمر بها الدولة. وعلينا أن نعلم أن قوانين السوق لا تسمح بوجود فراغ استثماري, بمعني أن وجود فرص استثمار حقيقية وجادة وذات عائد مربح مرهون بتدبير روافد مالية تساند المستثمرين الذين تتراوح مساهماتهم الذاتية بين20 إلي30% من رأس مال المشروع, ارتفعت تحت وطأة ارتفاع مؤشر مخاطر الاستثمار إلي40% مقابل60% للبنوك. كما أن غياب التمويل المحلي سوف يدعو البنوك الدولية لفرض شروطها التمويلية متعللة بحالة عدم التوازن السياسي التي عاشتها الدولة لسنوات ثلاث وتأمل أن تتعافي منها بعد إتمام الاستحقاق الرئاسي. إن إنشاء بنك لمشروعات البنية التحتية تحت مسميات من قبيل بنك التنمية والاستثمار يمكنه تقديم التمويل اللازم لهذه المشروعات مع تغطية لمخاطر الاستثمار مما يحسن من قدرة هذه المشروعات للوصول للتمويلات اللازمة لها, ومن ثم تيسير بلوغ مصر لأهدافها المنظورة.