جاءت التصريحات الرسمية المتكررة بخصوص السعي الحكومي لطرح صكوك إسلامية خلال العام المالي الحالي، لتعيد الجدل الذي طالما أثير بين خبراء الاقتصاد حول طبيعة هذه الأدوات المالية الإسلامية، التي لجأت إليها بعض البلدان الإسلامية لتوفير المزيد من الاحتياجات التمويلية لميزانية الدولة، وللاستفادة من سيولة البنوك الإسلامية فى دعم الخزانة العامة، لتوفير 5 مليارات دولار تحتاجها الدولة بتكلفة منخفضة. وبالفعل، تستعد السوق المصرية للتعامل وفق آلية الصكوك الإسلامية، ووفقا لمصادر، قامت هيئة الرقابة المالية مؤخرا بتوزيع مذكرة للمناقشة على العاملين في سوق المال من أفراد وجمعيات، تتضمن عزم الهيئة على إجراء تغييرات على اللائحة التنفيذية لقانون سوق المال رقم 95 لسنة 1992، تسمح بالتعامل في أنواع مختلفة من الصكوك، ومن بينها الصكوك الإسلامية.وتأتي هذه الإرهاصات كخطوة جادة للاستفادة من هذه الآلية التمويلية التى شهدت خلال الآونة الأخيرة نموا ملحوظا، ذلك علي الرغم من المشاكل، التى تواجه الاقتصاد العالمي، حيث شهد عام 2009 إصدار صكوك بقيمة 23.3 مليار دولار مقابل 14.9 مليارا فى 2008، ليبلغ حجم سوق الصكوك الإسلامية ى العالم ما يزيد على 111.5 مليار دولار عام 2009. وفي هذا السياق، تتزايد مطالب خبراء الاقتصاد الإسلامي بضرورة إسراع الحكومة فى اتخاذ ما يلزم من إجراءات تشريعية وتنفيذية للبدء فى إصدار هذه الصكوك، التى يراهن عليها الكثيرون لتكون الحصان الأسود فى عهد الرئيس محمد مرسى، لكونها تمثل كلمة السر فى معضلة نقص الموارد، التي تعد أهم التحديات التى تواجه الاقتصاد القومي عقب الثورة، وذلك فى ظل تزايد متطلبات خطط التنمية وسداد المديونيات وعجز الموازنة. بداية أكد د. أشرف الشرقاوي، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، أن الحكومة ماضية في اتخاذ كافة التدابير اللازمة لطرح صكوك إسلامية للاستفادة من الفرص الواعدة التي توفرها هذه الأداة التمويلية التي حققت نجاحا ملموسا في الخارج، نافيا كل ما يثار بخصوص اعتراض الهيئة علي إصدار هذه الصكوك، خاصة أنه ليس من صلاحياتها الاعتراض على أية آليات تمويلية جديدة، وأن دورها يقتصر على تنظيم العمل بالآليات المختلفة في الأسواق المالية غير المصرفية والتأكيد على حماية حقوق كافة الأطراف. وأوضح أن الدور الرقابي للهيئة يتمثل في تنظيم آليات العمل بتلك الأدوات المالية، وأنه سبق للهيئة أن وافقت علي العديد من الأدوات المالية الإسلامية مثل صكوك الإيجارة المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، لافتا إلي أن صكوك التمويل المتداولة في الأسواق نوعان، الأول، صكوك تصدرها الدولة سواء من خلال وزارة المالية أو البنك المركزي وليس للهيئة رقابة مباشرة عليها، مثل أذون الخزانة، التي تصدرها المالية لتمويل عجز الميزانية. والنوع الثاني، وفقا للشرقاوي، الصكوك التي تصدرها الشركات لتمويل مشروعاتها، وللهيئة الرقابة الكاملة عليها، وذلك من خلال إلزام الشركات المصدرة بتوضيح مركزها المالي وأوجه استخدام التمويل وغيرها من الافصاحات لضمان حقوق الممولين. وقال د. الشرقاوي إنه لإصدار الصكوك الإسلامية لابد من وجود تشريعات برلمانية تضم دراسات وآراء الخبراء ورجال الدين وكافة الأطراف المعنية، وأن الهيئة بادرت بالفعل بتوزيع مذكرة للمناقشة على العاملين في سوق المال من أفراد وجمعيات، تتضمن عزم الهيئة على إجراء تغييرات على اللائحة التنفيذية لقانون سوق المال رقم 95 لسنة 1992، تسمح بالتعامل في أنواع مختلفة من الصكوك، ومن بينها الصكوك الإسلامية. تجارب ناجحة وبدورها أكدت د. نجوي سمك أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة أن صناعة الخدمات المالية الإسلامية شهدت خلال العقود القليلة الماضية، تقدما كبيرا في جميع جوانبها، شمل مختلف المؤسسات والمبادرات المتعلقة بالسياسات والتنظيمات الإجرائية والقانونية، وهو ما أدى إلى سرعة النمو، وحققت درجة من النضج والاعتراف والاندماج الدولى، حيث بلغ متوسط معدل النمو السنوى لهذه الأصول خلال الفترة (2005 – 2010) نحو 15?. وتوقعت أن ترتفع قيمة أصول هذه الصناعة المالية لأكثر من 2.8 تريليون دولار بحلول عام 2015، وهو ما أوضحه إطار عمل الخطة العشرية المعد من قبل البنك الاسلامى للتنمية ومجلس الخدمات المالية الإسلامية بماليزيا، لافتة إلى أن أسواق المال الإسلامية نمت كواحدة من مكونات هذه الصناعة، بشقيها الأسهم والصكوك الإسلامية بالرغم من حداثتها نموا ملحوظا. وقالت د. سمك إن مصر تمر بمرحلة تاريخية انتقالية، وتحتاج إلى مصادر تمويل مختلفة للحكومة بعد تزايد الدين العام وأعبائه بشكل يجعل هناك صعوبة في الاستدامة المالية للدين بالشكل التقليدي، فضلا عن أن القطاع الخاص يحتاج لأساليب تمويل تخفف عنه عبء وتكاليف التمويل والقيام بدوره التنموي في الفترة الحالية، وبالتالي فإن وجود قطاع مالي أكثر تنوعا، ويضم مساحة أكبر لمنتجات وصناعة الخدمات المالية الإسلامية، أصبح شرطا ضروريا في المرحلة وأن ما يزيد من أهمية وجود هذه الأدوات هو مكانة مصر كدولة إسلامية كبرى، وتمتعها بسوق مالي من أقدم الأسواق على المستوى الدولي والاقليمى، أضافت إلى أن انتشار الصكوك بهذه السرعة نتاج طبيعي لتميزها عن غيرها من الأدوات المالية كونها تصدر باسم مالكها بفئات متساوية القيمة لإثبات حق مالكها فيما تمثله من حقوق في الأصول والمنافع الصادرة مقابلها، وأنها تمثل حصة شائعة في ملكية أصول أو منافع أو خدمات يتعين توفيرها، ولا تمثل دينا على مصدرها، وتلزم صاحبها بتحمل مخاطر الاستثمار، وتصدر بعقد شرعي، ويتم تداولها بناء على الشروط والضوابط الشرعية، بالإضافة إلي انتفاء ضمان المضارب أو الوكيل أو الشريك، فلا يتحمل المصدر الخسارة، ولا يضمن رأس المال لحامل الصك. وأكدت د. سمك أنه من الممكن أن تسهم الصكوك بصورة فعالة في تمويل مشاريع البنية التحتية من الكهرباء والماء والطرق والسكك الحديدية، وعليه فهي في حاجة ماسة إلى دراسات الجدوى والتقييم والتصنيف وصياغة العقود بما يحقق مصلحة الطرفين الممول والمتمول مع اعتبار أن تحقيق نتائج استثمار مربحة لحاملي الصكوك يعطي المصداقية لإصدار غيرها، ويبني الثقة في الجهات المصدقة لها ومن ثم في تحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي ويشجع رءوس الأموال الصغيرة نحو الالتقاء والتعاون لبناء الاقتصادات النامية بقوة. تشريعات مدروسة ويري د. عادل عامر، الخبير بالمعهد العربي - الأوروبي للدراسات بالجامعة العربية، أن الصكوك الإسلامية وسيلة حيوية لإنقاذ الاقتصاد المصرى، الذى يعانى من جفاف ينابيعه، خاصة أن المقومات اللازمة لتشريع هذه الصكوك كمصدر تمويل جديد في السوق المصرية متواجدة، وتحتاج فقط إلى وضع تشريع جديد يختص بالصكوك الإسلامية، أو إجراء تعديل تشريعي محدود علي قانون سوق رأس المال رقم 95 لسنة 1992. وأوضح أن التصكيك أو التوريق الإسلامي هو عملية إصدار وثائق أو شهادات مالية متساوية القيمة تمثل حصصًا شائعة فىملكية بعض الأصول القائمة فعلا أو التي سيتم إنشاؤها من حصيلة الاكتتاب، وتصدر وفق عقد شرعي وتأخذ أحكامه، وأن هذه الصكوك تختلف عن التوريق التقليدى، الذي يعني تحويل الديون إلى أوراق مالية (سندات) متساوية القيمة قابلة للتداول، وهذه السندات تمثل دينا بفائدة لحاملها اتفق جمهور الفقهاء علي أنها «ربا». وأكد د. عامر أن الصكوك الإسلامية تتسم بأنها تمثل حصة شائعة في ملكية حقيقية، ويصدر على أساس عقد شرعى، ويأخذ أحكامه، مع تحمل الطرفين مخاطر العملية الاستثمارية كاملة، وكذلك تحمل الأعباء والتبعات المترتبة على ملكية الموجودات الممثلة في الصك، سواء كانت الأعباء مصاريف استثمارية أو هبوطًا فى القيمة، أو مصروفات الصيانة، أو اشتراكات التأمين، وبالتالي يتميز التوريق الإسلامي بأنه لا ينطوي علي الربا المحرم شرعا. وشدد د. عامر علي أن هناك خارطة طريق لابد أن تتوافر في هذه التشريعات المفترض تطبيقها، أولها، الالتزام بقواعد وأحكام التشريع الإسلامي فى النشاط والعقود المستخدمة وآليات التنفيذ حتى لا يحدث خلط مقصود أو غير مقصود بين الحلال والحرام، وثانيها، وضع حد أقصى لقيمة إصدار الصكوك إلي إجمالى رأس مال الجهة المصدرة، وثالثها، تقنين الحقوق إذا استصدرت الجهة أكثر من عقد صكوك في نفس الوقت، ورابعها، الالتزام بقواعد المحاسبية لقياس الربح القابل للتوزيع عند تطبيق المضاربة أو المشاركة، وخامسها، تقنين القواعد المحاسبية لتوزيع العائد بين الجهة المصدرة وحملة الصكوك، وأيضاً المعالجة المحاسبية فى حالة تحقق خسائر. واشترط أيضا، ضرورة إقرار حقوق حملة الصكوك عند التصفية وإيجاد تشريعات رقابية للمحافظة على أموال نظام الصكوك الإسلامية، بالإضافة إلى أن تقيم أنشطة الجهة المصدرة للصكوك الإسلامية تقييم مالي وإداري دورى والتأكد من عدم صورية العقود ونهاية تلك المقترحات، وأخيرا، التأكيد على الإفصاح والشفافية وتداول المعلومات، مؤكدا أنه فى حال التطبيق الجيد لهذه الآلية التمويلة يمكن أن تكون الصكوك الإسلامية الملاذ الآمن للاقتصاد بما تمتلكه من قدرة علي توفير التمويل اللازم لتخفيف أعباء الموازنة العامة للدولة. قاطرة النمو فيما تصف د. ماجدة قنديل المدير التنفيذي للمركز المصري للدراسات الاقتصادية هذه الصكوك بالوسيلة الجادة، التي يمكن أن تكون المخرج الآمن للاقتصاد المصري الذي يعاني فيه الجهاز المصرفي من قصور، فالمشروعات الصغيرة والمتوسطة المنتظر لها أن تقود قاطرة النمو تحصل علي 3.5% من الاقراض، في الوقت الذي تمثل فيه نحو 80% من حجم الاقتصاد. أوضحت أن رئيس البنك قد يكون معذورا في حرصه علي تقليص حجم الائتمان المخصص لهذه المشروعات، التي لا يوجد لديها ضمانات وأوراق رسمية، وبالتالي فإن المنطق يقول بأن يتجه إلي استثمار أموال المودعين في أوجه تحقق عائد أكبر بمخاطر أقل مثل الاستثمار في الأدوات المالية الحكومية، مشيرة إلي أنه في ظل هذه الظروف يكون الحل في الإلتجاء إلي أدوات مالية جديدة، مثل الصكوك الإسلامية التي تمتلك القدرة علي توفير سيولة كبيرة من الأفراد لزيادة معدلات الاستثمار. توقعت د. قنديل أن التوسع في الاعتماد علي الصكوك الإسلامية بشكل مدروس قد يخلق انفراجة كبيرة في الأسواق، بحيث يتم عمل شراكة بين الحكومة مثلا والأفراد في المشروعات الخدمية التي تحقق أرباحا مثل مشروعات إنشاء محطات الكهرباء أو إنشاء المدارس أو الطرق أو الكباري أو حتي المشروعات القومية الكبري مثل مشروعات تطوير المجري المائي لقناة السويس أو استصلاح الاراضي الزراعية، خاصة أن 50% من مدخرات الأفراد توجد خارج القطاع المصرفي، يتم توظيفها في أصول جامدة مثل العقارات. رأس المال الإسلامي وأكد د. يوسف إبراهيم، مدير مركز صالح كامل للاقتصاد الاسلامى بجامعة القاهرة، أن الحالة الاقتصادية التي تمر بها مصر الآن تفرض عليها ضرورة الالتجاء إلي تطبيق تجربة الصكوك الإسلامية، لما تتسم به هذه الأدوات المالية من قدرة علي جذب رأس المال الإسلامى، وأنه في ظل تزايد أعداد المؤسسات المالية الإسلامية تكون الصكوك هي أنسب الآليات لتوفير التمويل لخزانة الدولة. وأشار إلي أنه من الممكن أن تكون هذه الصكوك بمثابة الحصان الأسود في المرحلة القادمة بما تمتلكه من قدرة علي توفير التمويل للحكومة المصرية بتكلفة أقل للتوسع في الاستثمار، ومن ثم زيادة معدلات التشغيل وزيادة الانتاج وتوفير المزيد من فرص العمل، مطالبا الحكومة بدراسة التجارب الناجحة في هذا المجال، وألا يتم إصدار هذه الأدوات المالية إلا عقب الانتهاء من استصدار تشريعات وقوانين تسمح بوجود منتج يتفق مع الشريعة الإسلامية والضوابط الشرعية بدلاً من تغيير المسميات فقط دون الجوهر. 14 نوعا أما خبير التمويل أحمد النجار، المدير التنفيذي للجمعية المصرية للتمويل الإسلامي، فأوضح أن الصكوك أداة تمويلية تتجه نحو نوع من الشراكة الحقيقية بين عوامل الانتاج في تمويل التنمية، بصيغ المضاربة والمشاركة وغيرها من أنواع الصكوك، التي تتجاوز ال14 نوعا، لافتا إلي أن السوق المصرية الآن في حاجة ماسة إلي اصدارها، لكونها تساعد علي زيادة الادخار القومي؟ وأشار إلى أن هذه الصكوك تعتبر من أهم الوسائل لتنويع مصادر الموارد الذاتية للمؤسسات والشركات والحكومات، وأنها تعتبر أحد الأدوات المقبولة شرعا لاستغلال الفوائض المالية المتاحة لدي المصارف الإسلامية، لافتا إلي أن الظروف الاقتصادية التى تعيشها مصر تذهب إلي صعوبة الاستمرار فى النمط الساري لتمويل الموازنة، وكذلك تمويل الاستثمارات العامة، فضلا عن أنه لابد من ايجاد بدائل تمويلية جديدة أمام القطاع الخاص، الذي يعول عليه كثيرا فى احداث التنمية الاقتصادية المنشودة. وأشار المدير التنفيذى لجمعية التمويل الإسلامية إلي أن الصكوك الإسلامية تظهر كأداة تمويلية تصلح للاستعمال من قبل الحكومة والشركات الاستثمارية والبنوك في تعبئة الموارد المالية، لتنميتها بالطريقة التي تتفق وأحكام الشريعة، وطالب بضرورة إسراع الحكومة في إجراءات وضع الإطار التشريعى اللازم لعملية الاصدار والاستفادة من التجارب الدولية المتعددة فى هذا الإطار، حيث أن وجود اطار قانونى حاكم وتفصيلي يأتىبعد حوار مجتمعى سيضبط ايقاع السوق مستقبلا ويحميه من أى تجاوزات محتملة مرتبطة بحداثة اصدارارت الصكوك، وكذلك مراجعة كافة الجوانب المرتبطة بالصكوك مثل المعالجات المحاسبية والضريبية، والعمل علي نشر ثقافة الصكوك الإسلامية وتطبياتها، وتشجيع الحكومة والقطاع الخاص للاعتماد عليها. ونصح بضرورة الدراسة الجيدة للاصدارات المحتملة من كافة الجوانب المالية والاقتصادية، لأن الدراسة تؤثر مستقبلا علي نجاح الاصدار واستمراره، وأن تكون الاصدارات الأولي ذات قيم صغيرة ومدروسة بعناية فائقة، فإذا كتب لها النجاح أمكن بعد ذلك زيادة قيم الاصدار والتوسع فيها بسهولة ويسر، موصيا بالمضي قدما في إجراءات اعداد كوادر بشرية مدربة فى كافة الجوانب الشرعية والمالية والفنية المرتبطة باصدارات الصكوك، حيث يصنع السوق وينجح بالقائمين عليه.