الأحد المقبل, الثامن والعشرون من نوفمبر, تجري انتخابات مجلس الشعب المصري, وهي الانتخابات التي تحظي باهتمام كبير ليس في الداخل فقط, بل وفي الخارج أيضا حيث كثرت التدخلات والمطالب من أطراف دولية مختلفة بضرورة إجراء انتخابات شفافة ونزيهة, ورغم الرد الحاد من الخارجية المصرية علي مثل هذه التصريحات التي صدرت من عواصم عالمية أبرزها واشنطن, فإن هذا الاهتمام من جانب العواصم العالمية المختلفة إنما يعكس وزن مصر وثقلها من ناحية, ويكشف في الوقت نفسه عن تقدير لما يمكن أن تلعبه مصر من أدوار في تطوير المنطقة والأخذ بيدها نحو مزيد من التطور الديمقراطي, إضافة إلي تقدير أطراف دولية عديدة أن مصر يمكن أن تقدم للمنطقة' النموذج' الذي يمكن الاقتداء به في مسيرة دول المنطقة باتجاه التطور الديمقراطي, وهو أمر بات أقرب إلي المسلمة, فإن لم تقدم مصر النموذج في التطور الديمقراطي لدول المنطقة, فأي دولة أخري في المنطقة يمكنها تقديم هذا النموذج, لذلك لابد من إعادة تقدير ردود فعلنا باتجاه مطالب أطراف دولية بشأن الانتخابات البرلمانية أو غيرها من التطورات التي تمر بها مصر دون أن نبالغ في التعامل معها باعتبارها نوعا من التدخل الخارجي في شئون مصر الداخلية, فالمؤكد أننا لا يمكن أن نقبل بأي تدخل في الشئون الداخلية المصرية, بشرط أن توضع الأحداث والتصرفات والتصريحات التي تصدر عن عواصم عالمية في إطارها الصحيح, أي دون مبالغة وتهويل, وكذلك أيضا دون تهوين. ويبدو مهما للغاية في المرحلة التي تمر بها مصر التركيز علي قضية جوهرية ضمن سياق عملية التطور المأمول في مصر وهي قضية المواطنة, فرغم النص علي بند المواطنة في المادة الأولي من الدستور المصري, إلا أن هذه القيمة لا تزال مجروحة بشدة في مصر, ولم يعد يصلح التعامل معها وفق منطق شكلي يتحدث فقط عن النصوص دون الممارسات, ويركز علي معيار الإحصاء دون المضمون, إضافة إلي عدم الحسم في مواجهة المظاهر الطائفية التي لا تزال تنتشر في بعض جوانب المجتمع المصري ومواصلة الضخ من قبل بعض أدوات التنشئة. فيما يخص المنطق الشكلي الخاص بالنصوص, يبدو أننا في مصر من أنصار مدرسة شكلية تري أداء المهمة واكتمال الغاية بمجرد النص علي الأمر المأمول, فالنص علي مبدأ المواطنة في المادة الأولي من الدستور المصري بدأ وكأنه كفيل بترسيخ المبدأ, دون أن يستتبع ذلك إجراء التعديلات المطلوبة في القوانين واللوائح التنفيذية, ودون تجريم واضح للمارسات الطائفية عبر الحزم في تطبيق نصوص قانونية تجرم الخروج علي المواطنة. أما فيما يخص المعيار الإحصائي, فيلاحظ أن قطاعا واسعا من المصريين بات أسير لغة الأرقام, يبحث في الأسماء المرشحة ويقوم بعمليات حسابية, ويفتش عن أديان المرشحين, يشعر بالسخط أو الرضا وفق منطق العدد. طالب أنصار هذا القطاع بتعيين أقباط في مناصب معينة, وفتح المجال أمامهم لدخول وظائف معينة, وهو منطق مغلوط في جوهره ويمس بجوهر قيمة المواطنة ويصيبها في مقتل, فقيمة المواطنة تترقي بإرساء الأسس وإزالة كافة أشكال التمييز دون التوقف أمام أديان المرشحين, صحيح أن التواجد في مختلف المواقع أمر مهم حيث يعتاد المواطنون علي ذلك, إلا أن الصحيح أيضا أن الإغراق في لغة الأرقام عادة ما يأتي بنتائج عكسية, سواء تمثلت في ردود فعل سلبية لدي عناصر معينة تسعي إلي استغلال ما جري للترويج لمقولات من قبيل الاستقواء, التدخل الخارجي, الرضوخ لمطالب الأقلية...., أو تكريس الحس الطائفي لدي عناصر الأقلية علي النحو الذي يدفع بالأبعاد الطائفية إلي صدارة المشهد, فيغدو المواطن المنتمي إلي فئة معينة أسير الحس الطائفي, وهو أمر يرتب ردود فعل تعمق من الطائفية في المجتمع. أما فيما يخص عدم الحسم في مواجهة المظاهر الطائفية, فرغم أهمية ما أقدمت عليه الدولة من إغلاق لعدد من القنوات الطائفية, فإن قدرا كبيرا من الجهد مازال مطلوبا بقوة من أجل ضمان وقف عمل أدوات تكريس الطائفية وأبرزها ما بيد الدولة من أدوات تنشئة وفي مقدمتها مناهج التعليم ووسائل الإعلام ودور أماكن العبادة, فلا يزال مطلوبا وبقوة تنقية ما تبقي في مناهج التعليم من نصوص ومواد تحض علي الطائفية والتمييز بين المصريين, مواد تجرح قيمة المواطنة والمساواة بين المصريين منذ نعومة أظفارهم, أيضا لابد من إعادة الانضباط إلي وسائل الإعلام المختلفة وفي نفس الوقت وقف ظاهرة تديين البرامج وحشر رجال الدين في غالبية البرامج ليفتوا في قضايا محسومة علميا ولا تحتاج إلي فتوي بقدر ما تحتاج علي قرار سياسي مستند إلي رؤي ودراسات لا علاقة لرجال الدين بها, باختصار نحن في أمس الحاجة إلي وقف تديين الفضاء العام في الوطن. أيضا لابد للدولة المصرية أن تتوقف عن سياسة المواءمات التي تتبعها بعض أجهزة الدولة في الكثير من المواقف, فقط تطبيق القانون بحزم وقوة وعدم تعطيله لأي سبب, عدم التراجع أمام مطالب جهات مهما كان ثقلها وأهميتها. أخيرا يمكن أن تكون الانتخابات البرلمانية التي ستجري الأحد القادم فرصة لتطبيق كافة القوانين واللوائح المصرية التي تواجه التمييز والطائفية وفي مقدمة ذلك منع كافة الشعارات الطائفية ومواجهة البرامج الطائفية التي تحض علي التمييز وتتوجه لقطاع من المواطنين دون غيرهم علي أساس ديني/ طائفي....نأمل أن تكون الانتخابات البرلمانية2010 بكل ما تشهده من ظواهر جديدة ممثلة في' كوتة المرأة, منع الشعارات الدينية' خطوة أولي علي طريق تكريس قيمة المواطنة في المجتمع المصري.