اتذكر دائما كلمة قالها الدكتور الفيلسوف زكي نجيب محمود.. قال: انك لا تستطيع أن تحكم حكما عادلا إلا إذا كان لديك علم مسبق بهذا الشيء الذي أطلقت عليه الحكم.. وإلا لجأ حكمك علي مجهول الدكتورة وفاء كمالو لديها أوراق جمعتها في كتاب بعنوان تناقضات الوعي الفكري في تجربة الابداع.. فيه تسجل أهمية الفكر المسرحي في الستينيات.. فيه تقدم الفكر المصري بين فكر ميخائيل رومان المسرحي الذي يعبر عن المنظور الوجودي واللا انتماء.. في مسرحيته الشهيرة الدخان.. ثم تقدم الفكر الليبرالي الحر في مسرحية د.رشاد رشدي.. بلدي يا بلدي.. لتبين تباين الفكر المسرحي في مرحلة الستينيات التي مازال كل النقاد ينظرون إليها علي أنها أهم مرحلة في تاريخ الشعب المصري وعلاقة المسرح بصنع الفكر السياسي المصري بكل أبعاده ونظرياته السياسية. ولأن المسرح يقدم فكرا واضحا أو يقدم فكرا مستهترا.. لكنه في النهاية يقدم صورة للصراع الفكري في مجتمع ما.. ومن هذا الصراع الذي لا يحسم الصراع إلا انه يلقي الضوء كل الضوء.. علي الفكر الثقافي والسياسي في المجتمع في مرحلة تاريخية ويبدو لأول وهلة.. إننا في حاجة إلي هذا الفهم في المجتمع المصري الآن الذي يدور في حلقة دائرية تبحث عن ملاذ جديد. في الصراع الدائر بين مجتمع الشمولية.. ومجتمع الرأسمال الحر والتي تدور رحاها الآن ونجدها متجسدة في ميدان انتخابات مجلس الشعب في مصر الآن. وإذا سألت الكاتبة عن هذا العمل وأهميته قالت: لما كان المنظور النقدي في هذه الفترة يغلب عليه التأثير أو المفهوم الايديولوجي من منظوره السلبي.. ولذلك تجرد النقد من فعالية وضع القضايا موضع التساؤل لتجاوزها ثم تغييرها.. لتعثر عن طريقه بين ما هو ثابت أو موروث ولتدور في دائرة ثابتة ومذاهب أدبية.. فنية.. سياسية سابقة! ويأتي دور النقد في هذه الفترة ليبين أن هناك تقنية لإخفاء ما يتضمنه النص في العمل الأدبي لفضح مواقف يدور حولها الجدل الذي يتساءل من نحن! الكاتبة في هذا الموضوع لها رأي ان النقد في تلك الفترة لم يتمكن من أن يعيد صياغة اشكالية المسرح المسرحي ضمن منظور يتيح له أن يضع موضع التساؤل جميع المفاهيم المغلوطة التي تحول دون تجاور حقيقي لأزمة المسرح. لعل ذلك ما يجعلني اتصور أن هناك أفكارا مهمة قدمت في مسرح الستينيات في حاجة إلي اعادة نقدها بمزيد من الحرية.. ومزيد من الزمن.. الذي تقدم فيه الشعب المصري.. ليؤكد لنا أن ما قدم منذ خمسين سنة فاتت.. كان بينها أعمال فكرية مهمة لم تأخذ حقها من النقد والابراز وهذا الذي يصنع نثر الانسان المصري منذ بذر البذرة لتصبح نبتا كبيرا ومؤثرا إلي الأفضل تكوين الإنسان المصري المتحضر من جديد.. إن طبيعة النقد ما بين عام1936 1952 كان نوعان الالتزام.. حيث كان من الصعب تحديد افكار الانسان المصري آنذاك.. بالرغم من ظهور وعي جديد( وعي ممكن) ثم ظهور كتابات تبلور رؤية البرجوازية الصغيرة الصاعدة.. ويمثل هذا الاتجاه نجيب محفوظ في مرحلته الاولي ويوسف السباعي واحسان عبدالقدوس المحور الثالث كان الواقع الأدبي الذي شهد ميلاد ونمو الواقعية الاجتماعية التي تحاول تجاوز المطلق, وتمثلت في اعمال عبدالرحمن الشرقاوي.. ويوسف ادريس ويحيي حقي. إنه يمكن القول بأن الاتجاهات الايديولوجية السائدة في مصر قبل عام1952 م تمثلت في محاور ثلاثة: الايديولوجية الليبرالية المرتبطة اقتصاديا بالاجنبي بعد ثورة يوليو ظهر عنصر جديد يميل إلي الاتجاه إلي الاشتراكية والتأكيد علي المنظور العلمي والتقني.. وكان شعار الاتحاد القومي: الديمقراطية الاشتراكية التعاونية فكان الهدف هو بعث الروح الوطنية وتحقيق أهداف قومية. في عام1961 م واجهت الناصرية إشكالية غياب الايديولوجيا.. وانتفاء الوجود الفعلي للمثقفين وهذا ما جعل محمد حسين هيكل يفتح جدلا حول أزمة المثقفين في16 يونيو من نفس العام.. وفيها يدعو إلي التفاعل مع الثورة ومحاولة إعطائها نظرية ثورية من عينات النقد في الستينيات لكشف الركيزة الفكرية والطبيعة الايديولوجية اي الفكرية.. فقد رأي الدكتور محمد مندور ابو النقاد المصريين ضرورة الالتزام.. وهي ما كتبه الناقد الدكتور ابراهيم حمادة.. قال منذ أن خط مندور أول سطوره في النقد حتي آخر كلمة فيه بقي ملتزما بموقف أخلاقي هو جزء من مبادئه العامة تجاه القضايا التي تتعامل أساسا مع المواصفات العليا في المجتمع ونحن لا نهدف إلي القول بأن مندور كان ناقدا أخلاقيا بمعني انه كان يستخدم مقياسا خلقيا ثابتا يقيس به الأعمال الفنية.. كما لم يمارس القول في وجوب هدفنة الأدب الاخلاقية نحو مذهب كما فعل أفلاطون لكن مندور يعتقد في وجوب التطوير الاجتماعي علي أساس اشتراكي علي أن يتوازي ذلك مع ضرورة تدعيم الأدب للقيم التي تنظم مجتمعنا الشرقي. اللحظة الحرجة مسرحية يوسف إدريس بعد هزيمة1967. قال مندور: ان الذي لاشك فيه أن رغبة المؤلف أو اضطراره إلي أن يخفف من روح الهزيمة التي كانت متفشية إلي النصف الأول من المسرحية هو الذي دفعه إلي إدخال تلك التعديلات التي تبدو مصطنعة.. غير متسقة مع مقدمات المسرحية.. ويخيل إلينا أن المخرج قد زاد الأمور سوءا بطريقة اخراجه. هذه دراسة مهمة تربط الأدب والفن بالسياسة.. أكثر من ذلك أن هذه الدراسة قد أرخت من المسرح لتاريخ الإنسان المصري.