لا أحد يعلم علي وجه اليقين ما الظروف التي دفعت ناقدة مسرحية نادرة وقديرة كالأستاذة صافيناز كاظم علي أن تهجر مهنتها التي برعت فيها واحتلت من خلالها مكانا مرموقا بين عشرات الموهوبين من أبناء جيلها لكي تتخصص في الدعوة الدينية, غير أن الأمر الذي يدعو الي الأسف حقا هو أنها لا تدعو الي سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة كما أمر الله سبحانه وتعالي, رسوله الكريم صلي الله عليه وسلم في سورة النحل)آية125 والأمر الواضح للعيان في حالتها انها قد وجدت في ميدان الدعوة هذه الأيام ودعاتها الجدد أمرا سهلا يسير المنال لا يتطلب جهدا ولا فكرا ولا ثقافة ولا حتي مجرد قراءة وتدبر, وكم شهدنا في زمننا هذا الدعاة من الطبالين والسباكين والسمكرية وغيرهم مع عظم احترامي طبعا لكل صاحب مهنة يتقنها وينفع بها الناس ويرتزق منها رزقا حلالا المهم انها وجدت فيها أمرا قريب المنال, ووفير الرزق بلاشك. وليس أمام الراغب في الولوج الي هذا الميدان سوي أن يملأ جعبته من القدرة علي سب الناس وشتمهم, طالما اختلفوا عنه ولم يصفوا معه في خندق طالبان ولم يشيدوا بكرامات المجاهد العظيم اسامة بن لادن, الذي أحال حياتنا الي جحيم. أقول هذا بمناسبة ما نشرته الكاتبة في صحيفة المصري اليوم الغراء في عددها الصادر يوم الاثنين15 فبراير الجاري في عمودها الخاص وعنوانه ليالينا الحلوة والمقال نفسه بعنوان في فقه اللادينية.
وكم ما حفل به المقال القصير من مغالطات وتهجم وتجرؤ علي الحق والحقيقةهو الأمر الذي دفعنا للكتابة عن فقه التطرف والليالي الغبراء. وأول ما نلاحظه في مقال الأستاذة انها تجمع لا أعلم كيف؟ من قدم بيانا ضد الارهاب الي كوفي عنان, يطالبونه فيه بالمحاكمة الدولية لفقهاء سفك الدماء منذ سنوات خمس, الي من احتمي بحكومات العسكر, ومن احتمي بالسفارات الأجنبية, الي الذين تحالفوا مع موسوليني الفاشي ضد المجاهد الكبير عمر المختار, كل هؤلاء وياللعجب الي جانب الذين يسعون لمواجهة فوضي ميكروفونات المآذن في مصر وينتقدون بعضا من سيرة عمرو بن العاص, ويرون في المادة الثانية من الدستور تعارضا مع مادته الأولي الداعية للمواطنة, ومن عجب ان كل هؤلاء علي اختلافهم تضعهم الكاتبة القديرة تحت عنوان واحد هو اللادينيون ولأنني رغم انني لم احتم بسفارة دولة اجنبية ولم أؤيد موسوليني في مواجهة عمر المختار ولا أري نفسي أحد اللادينيين غير انني ممن يدعون لإلغاء المادة الثانية من الدستور وممن يدعون الي ضرورة التمسك بالهوية الوطنية ضد محاولات شق الجماعة الوطنية تحت دعاوي اسلمة المجتمع, اجدني مهتما بالرد عليها وسوف أوجز الرد في الملاحظات التالية:
أولا: دخل الإسلام مصر سنة640 للميلاد, وراح ينتشر تدريجيا حتي أصبح دين غالبية السكان, ولأسباب لاسبيل لبيانها أصبح مسلمو مصر ومسيحيوها شعبا واحدا, واجه عسف الحكام العرب والمماليك والأتراك, وفي ظل الاحتلال البريطاني اعترف اللورد كرومر بأنه لايميز من المصريين مسيحيا عن مسلم إلا وقت صلاتهم فهذا يدخل كنيسة بينما يدخل الاخر مسجدا هذا بالمقاونة بما رآه من اختلافات بين نحل الهند ومللها, حيث عمل قبل وجوده في مصر, وهكذا سعي المصريون جميعا لمواجهة الاحتلال البريطاني وبناء الدولة المدنية دولة الدستور والقانون, وارساء مبادئ المواطنة وحرية الفكر وانحاز بعضهم الي سعد زغلول ومصطفي النحاس بينما انحاز اخرون الي لطفي السيد وعبد الخالق ثروت ومحمد محمود, ووقفوا الي جانب محمود مختار وواجهوا معه مؤامرات تعطيل صرحه الجميل تمثال نهضة مصر, وبنوا جامعة حديثة كانت بحق معقلا لحرية البحث والاستقلال الفكري وواجه المصريون جميعا مؤامرات الاستعمار والصهيونية, واحبوا جميعا أغنيات أم كلثوم واصطحبوا زوجاتهم سافرات لحضور حفلاتها الشهرية الرائعة وأحبوا أغنيات عبد الوهاب وفريد وأسمهان ومحمد عبد المطلب وكارم محمود وعبد الحليم حافظ واحبوا أفلام نجيب الريحاني وفريد شوقي وليلي مراد وفاتن حمامة وسعاد حسني وصلاح أبو سيف وحسن الإمام وبركات, وسعت بناتهم لدخول الجامعة سافرات ومحتشمات, لكي يتمكنوا من بناء الوطن جنبا الي جنب مع اخوتهم في الوطن, هذه هي مصر التي نعرفها حتي مطلع سبعينيات القرن الماضي, فهل كانت مصر وكان غالبية المصريين قد تخلوا عن دينهم الإسلامي؟ أم تراهم كانوا من الفسقة الضالين والمغضوب عليهم؟ أم تري كان تدينهم منقوصا؟
هكذا خرج علينا الدعاة الجدد مع مطلع السبعينيات, لا ليواجهوا مشكلات الفقر والفاقة, ويرفعوا رايات العدل, ولا ليواجهوا الظلم والاستبداد ويؤكدوا مبادئ الشوري والديمقراطية وحكم القانون, ولا ليقدموا اجتهاداتهم وحلولهم لمشكلات التعليم والبيئة والاقتصاد؟ وإنما ليؤكدوا ان شعر المرأة عورة وصوتها حرام وأنه لايجوز ان تجمع مدرجات الجامعة بين البنات والأولاد ولا يجوز ان تصافح المرأة بيدها رجلا أجنبيا, ومع هذا فإن رضاع الكبير جائز شرعا ويجوز أيضا الزواج العرفي والمسيار, وان لبس الرجل لخاتم الزواج من الذهب حرام, وانه لايجوز اقامة المأتم, ولا الأفراح, كما لا يجوز الاستماع الي الموسيقي أو الغناء ولا يجوز الاحتفال بأعياد ميلاد أولادنا ولا الاحتفال بشم النسيم, ولا يجوز ان نقول لبعضنا صباح الخير, ولا نهارك ابيض ولا ليلتك سعيدة, ولا تجوز الصلاة في جوامع الحسين ولا السيدة زينب ولا أبو العباس المرسي, كما راحوا يطاردون المفكرين والشعراء والمثقفين ومخرجي السينما ويدعون لقتلهم علنا, كما راحوا يؤكدون انه لايجوز إلقاء السلام علي مسيحي ولا تهنئته في عيده كما لايجوز مؤاكلة المسيحيي أو مشاركتهم أو تبادل الهدايا معهم أو مبادأتهم بالمودة والتراحم, كما لايجوز موالاتهم ولا قبول شهادتهم ولا تجنيدهم في الجيش ولا توليتهم مناصب القيادة في الدولة.
نأتي بعد هذا الي ما ذكرته حول المادة الثانية من الدستور المصري, لنقول لها انها مادة دخيلة لم يعرفها دستورنا المصري لقرن كامل من الزمان منذ ان شرع المصريون في وضع دستور لهم زمن الخديو اسماعيل)1863 1879( وهي مادة تفرق بين أبناء الوطن الواحد وتتعارض مع مبادئ المواطنة كما تنص مادة الدستور الأولي, ومع الكثير من مواد الدستور التي تؤكد المساواة بين المصريين جميعا بلا تمييز بسبب الدين أو العقيدة أو النوع أو غيرها. أما ما تراه من ان اللادينيين يرمون به الصحابي الجليل وفاتح مصر عمرو بن العاص ويفحشون فيه القول, فإنني هنا لن أحيلك الي ما كتبته الراحلة سناء المصري بعنوان حكايات الدخول أو الكاتب عادل الجندي بعنوان حكايات الاحتلال, فانت تعتبرينهم الادينيين, بلا شك وإنما سأحيلك الي ما كتبه المؤرخون من المسلمين ومنهم ابن هشام في السيرة, والطبري في تاريخ الأمم والملوك, والزركلي في الإعلام, والزهري في الطبقات الكبري, وابن خلكان في وفيات الاعيان, وابن الجوزي في المنتظم في تاريخ الملوك والأمم, وابن كثير في البداية والنهاية, والبلازري في فتوح البلدان, وغيرهم وغيرهم.
فهم الذين تحدثوا عن أن عمر اشار علي أبنيه بأي الفريقين يلتحق فريق معاوية أم فريق علي, فاختار فريق معاوية حيث المغنم العظيم والمكسب الوفير, وهم الذين تحدثوا عن اظهاره لسوءته امام علي مخافة الموت, وهم الذين تحدثوا علي حيلته الجهنمية برفع المصاحف علي اسنة الحراب ليختلف حولها المسلمون في فريق علي, ولم يتحدوا بعدها أبدا وهم الذين تحدثوا عن خديعته الكبري لابي موسي الأشعري يوم التحكيم وغير هذا الكثير هذا اذا اردنا ان نقرأ ومن ثم نكتب عن بينة ومعرفة, ولا نتوقف عند فحش القول وبذاءة اللفظ والتعبير ويبقي بعد ذلك ان اتساءل كيف لكاتب يحترم نفسه ويحترم قارئه ويحترم الصحيفة التي يكتب فيها ان تضم مقالته الصغيرة كل هذا القدر من الألفاظ النابية والسباب والردح ومن اراد ان يتأكد فليرجع الي المقال. [email protected]