هل تسمح الهيئة العليا للانتخابات في مصر لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة كجماعة سياسية والمشروعة عندما تصير شكلا من الأفراد والمستقلين بطرح شعار الإسلام هو الحل خلال الحملة الانتخابية الراهنة للفوز بمقاعد مجلس الشعب؟ كان ذلك هو السؤال الذائع في الصحافة المصرية طوال الفترة الماضية رغم علم الجميع أن القانون لا يسمح, واللجنة المشرفة علي الانتخابات لم تترك فرصة إلا وصرحت فيها بأن الشعار الديني ليس مكانه الانتخابات العامة. ولكن القضية لم تكن أبدا الشعار المطروح بقدر ما كانت التجربة الدينية في ممارسة السياسة. فحتي لو استبعدنا التجربة التاريخية للدولة الإسلامية منذ قيام دولة الخلافة الرشيدة باعتبارها جزءا من التاريخ, فإن نتائج الأنظمة السياسية ذات التوجهات الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط كانت كارثية كما ظهر في حالات إيران والصومال وأفغانستان وباكستان. في هذه البلدان سيطر الفقر المدقع والتراجع الاقتصادي والفساد في توزيع الثروات, ونشطت الدعوات الانفصالية عن الدولة الوطنية, ومعها جري التضييق علي الحريات العامة. وتمثل السودان في منتصف الثمانينيات حالة بارزة فيما يتعلق بوصول نظام إسلامي إلي الحكم ويهدف إلي تطبيق الشريعة, حيث نتج عن الممارسات السائدة في ذلك الحين تعاظم الانقسامات الداخلية والدخول في أتون الحرب الأهلية التي لم تتخلص البلاد من تأثيراتها حتي اللحظة الراهنة إلي جانب تزايد احتمال انفراط الدولة ودخولها في مواجهة مع المجتمع الدولي, بعد أن بات رئيسها( عمر البشير) أول رئيس تطلب المحكمة الجنائية اعتقاله وهو في السلطة. ولم نجد دولا حكمها الدين خرجت من سياق الأزمات الدورية سوي تركيا وماليزيا, وإلي حد ما المغرب وإندونيسيا, ويظهر تأثير النوازع الأصولية الإسلامية يوما بعد آخر في اليمن ولبنان والعراق, وهو ما يبين الفارق بين الأحزاب والحركات الإسلامية المعتدلة ونظيرتها الإسلامية الراديكالية والمتطرفة, فالأولي تسعي إلي البناء والتراكم في حين تعمل الأخيرة علي الهدم والتدمير. كذلك تبدو حركة طالبان الأفغانية نموذجا للنتائج الكارثية لحكم الأيديولوجية, فقد تأسست الحركة علي يد الملا محمد عمر عام1994, وكان هدفها الأساسي في البداية هو مواجهة الفساد والانحلال الأخلاقي, لكنها طورت هذه الأهداف إلي إقامة الدولة الإسلامية علي نهج الخلافة الراشدة, وترسيخ الشريعة الإسلامية مصدرا للقوانين والتشريعات المختلفة, مع عدم الاعتداد بفكرة وضع دستور لتسيير شئون الدولة. وقد رفضت الحركة بشكل قاطع مسألة فصل الدين عن السياسة واعتبرت أن مهمتها الأساسية هي تطبيق الشريعة, وهو عنوان فضفاض استخدمته الحركة في فرض هيمنتها علي أفغانستان من خلال العنف والقمع. كما تبنت الحركة نهجا متزمتا في التعامل مع قضايا مثل الديمقراطية والحريات العامة والانفتاح الثقافي, وانتهجت سياسة قمعية تجاه حقوق المرأة مثل تحريم ارتداء الملابس الحديثة أو الكعب العالي أو إصدار الأصوات أثناء السير, إلي جانب إلزام الرجال بإطلاق اللحي ولبس العمامة ومنع إطالة الشعر. كذلك قامت بهدم بعض المعالم الأثرية بعدما اعتبرتها أصناما يتعارض وجودها مع الإسلام. كما حرقت جميع الكتب الطبية بحجة احتوائها علي صور محرمة, وقد أدي ذلك إلي ندرة في الكتب المتخصصة في هذا المجال, وهو ما دفع بعض الأفغان إلي ممارسة الطب دون امتلاك كتب تشرح تخصصاته المختلفة. ولم تكتف الجماعة بذلك, بل كانت ترسل مراقبين إلي الفصول الدراسية في المراحل التعليمية المختلفة للتأكد من عدم رسم جسم الإنسان علي السبورة. وقد استضافت الحركة كوادر وعناصر تنظيم القاعدة, وكان قيام بعض عناصر التنظيم بتنفيذ تفجيرات11 سبتمبر عام2001, التي طالت بعض المؤسسات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية نقطة البداية للقضاء علي حكم طالبان في أفغانستان, حيث قامت الولاياتالمتحدةالأمريكية بشن الحرب علي أفغانستان, في7 أكتوبر2001, بعد أن رفضت طالبان تسليم زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن دون الحصول علي أدلة تثبت تورطه في التفجيرات. لكن المسألة لا ترتبط بالأيديولوجية الإسلامية فقط, إذ إن ثمة تداعيات كارثية لحكم الأيديولوجية أيا كان مذهبها وموقعها. ويمثل تيار المحافظين الجدد في الولاياتالمتحدةالأمريكية نموذجا لهذا الوضع, حيث اتسمت الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش بسيادة الفكر اليميني المحافظ المتطرف, الذي يغلب عليه عدة سمات, من أبرزها: الأيديولوجية كأساس للعلاقات الدولية, حيث رأت إدارة بوش أن أحد مصادر تهديد الولاياتالمتحدة قادم من الدول التي تتعارض قيمها مع القيم والمبادئ الأمريكية, وخاصة الدول الشيوعية وغير الديمقراطية. وساد اتجاه لدي المحافظين الجدد بأهمية إحداث تغيير في النظم الحاكمة التي تنتمي لدول العالم الثالث, وبصفة خاصة الدول العربية والإسلامية, لأن سياستها الداخلية وغياب الديمقراطية بها أدت إلي نشوء الإرهاب. ومن هنا, كان استخدام الأداة العسكرية سياسة العصا كإحدي أدوات السياسة الخارجية التي تمحورت في مرحلة ما بعد11 سبتمبر2001 حول الحرب ضد الإرهاب( فيما يعرف بمبدأ بوش), وهو ما يفسر شن الولاياتالمتحدة حربي أفغانستان لإسقاط نظام طالبان في( أكتوبر2001) والعراق لإسقاط نظام صدام حسين( مارس2003) وقد حدد بوش ملامح مبدئه ضد الإرهاب في20 سبتمبر2001, حيث ذكر أن كل دولة في أي منطقة في العالم عليها أن تتخذ قرارا سواء أن تكون معنا أو ضدنا( أي مع الإرهابيين), وأنه من الآن فصاعدا فإن أي دولة تستمر في توفير الحماية والمأمن للإرهاب سوف تعتبر نظاما معاديا للولايات المتحدة. كما مارست هذه الإدارة ازدواجية المعايير فيما يتعلق بخلط الأوراق بين المقاومة المشروعة والإرهاب, وخصوصا بالنسبة للقضية الفلسطينية, حيث رأي التيار المحافظ أن السلطة الفلسطينية تشجع الإرهاب, ومن ثم يجب علي الولاياتالمتحدة ألا تقف في وجه إسرائيل أو تمنعها من إتمام حملتها لأن حملتها في فلسطين شبيهة بحملتها في أفغانستان. وبدأ هذا التيار يطرح أفكارا من قبيل السيطرة علي دول العالم في إطار ما سمي بمشروع القرن الأمريكي الجديد, فضلا عن التدخل لإعادة بناء الدول وهو ما عرف بالهيمنة الحميدة للولايات المتحدة. ويبدو التيار اليميني المتطرف في إسرائيل نموذجا آخر, فقد أصبح معسكر اليمين بأطيافه المختلفة هو المسيطر علي معادلة صنع القرار, حيث أسفرت الانتخابات التشريعية المبكرة التي أجريت في10 فبراير2009 عن تقدم معسكر اليمين الذي فاز بأغلبية المقاعد, حيث فاز حزب كاديما بالمركز الأول بحصوله علي28 مقعدا, ورغم أنه محسوب علي تيار الوسط إلا أنه يمثل أحد منتجات اليمين, كما جاء حزب الليكود في المركز الثاني بحصوله علي27 مقعدا, تلاه حزب إسرائيل بيتنا في المركز الثالث الذي زاد عدد مقاعده من12 إلي15 وقد جمعت الحكومة الإسرائيلية التي شكلها بنيامين نيتانياهو بين اليمين واليمين المتطرف, حيث ضمت أحزاب الليكود وإسرائيل بيتنا والعمل وشاس ويهوديت هتوراه والبيت اليهودي لتضمن74 مقعدا في البرلمان. وقد أنتج ذلك مشكلات عديدة بالنسبة للدولة, أهمها وضع صعوبات أمام المضي قدما في عملية التسوية, والتمسك باستمرار عمليات الاستيطان, ومنح الأولوية للقضاء علي الخطر النووي الإيراني علي التوصل إلي تسوية سلمية مع الفلسطينيين, التي اعتبرها وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان زعيم حزب إسرائيل بيتنا مهمة شاقة قد تستغرق عقودا, في إشارة إلي اقتناعه بعدم جدوي المساعي المبذولة للتوصل إلي تسوية سلمية بين الطرفين. وقد ألمح بعض الوزراء المنتمون لحزب إسرائيل بيتنا إلي أن إسرائيل يمكن أن تتخذ إجراءات عقابية شديدة للرد علي احتمال اتجاه الفلسطينيين إلي إعلان الدولة من جانب واحد, منها إعادة اجتياح الضفة ومنع العمال الفلسطينيين من العمل في إسرائيل. وقد أدت السياسة المتشددة التي تنتهجها الحكومة اليمينية في إسرائيل إلي توتير علاقاتها مع القوي الإقليمية والدولية. فقد شهدت العلاقات الأمريكية الإسرائيلية نوعا من التوتر المكتوم بعد رفض نيتانياهو مطالب الإدارة الأمريكية تمديد قرار تجميد عمليات الاستيطان الذي انتهي في26 سبتمبر2010, كما دخلت العلاقات بين إسرائيل وتركيا في نفق مظلم بعد الهجوم الذي شنته إسرائيل علي أسطول الحرية الذي سعي إلي كسر الحصار المفروض علي غزة في31 مايو2010, وهو ما أسفر عن مقتل19 شخصا. كذلك كان حزب إسرائيل بيتنا, هو صاحب اقتراح قانون الولاء الذي أقرته الحكومة الإسرائيلية بالأغلبية في10 أكتوبر2010, حيث حصل علي تأييد22 مقابل معارضة8, ويقضي بإلزام كل من يطلب الحصول علي الجنسية الإسرائيلية أن يقسم علي الولاء لدولة إسرائيل اليهودية الديمقراطية. وقد أثار إقرار القانون استياء بعض المسئولين الإسرائيليين أنفسهم مثل يتسحاق هيرتزوج وزير العمل والرفاه الذي قال إن إسرائيل تتحول نحو الفاشية بسبب هذا القانون, فيما أبدي إيلي يشاي وزير الداخلية رئيس حزب شاس عزمه طرح مشروع لتعديل قانون الجنسية يسمح بنزعها عن أي مواطن يتورط في جريمة أمنية. ورغم الإخفاقات التي ارتكبتها الحكومة الحالية في عدد من المجالات, فإن استطلاعات الرأي الإسرائيلية ما زالت تشير إلي تزايد قوة معسكر اليمين. فقد قال استطلاع أجرته شركة بانوراما لحساب القناة الأولي بالتليفزيون الإسرائيلي إنه في حالة إجراء انتخابات تشريعية مبكرة فإن اليمين سيزداد قوة وسيزداد عدد مقاعد حزب الليكود بزعامة نيتانياهو من27 إلي31, فيما ستزداد مقاعد الأحزاب اليمينية المتحالفة معه من61 إلي68 والنتيجة النهائية لكل ذلك هي ضياع فرصة تاريخية كبري للسلام كان يمكن فيها لإسرائيل التعايش السلمي مع دول المنطقة, ولكن الأيديولوجية الصهيونية المتشددة لا تفتح بابا لحلول وسط, ولكنها تفتح الباب لصراع طويل ومستمر. [email protected]