نجحت الصين في تحقيق نمو اقتصادي سريع ومذهل فأصبحت نموذجا ومصدرا لإلهام الكثير من دول العالم النامي. العمل الشاق والإصلاحات العميقة في الداخل والحرص علي السلام العالمي وتجنب التورط في صراعات في الخارج هما الوصفة الصينية للنجاح النموذج الصيني في التنمية قام علي الإنتاج من أجل التصدير, فاستفادت الصين من الأسواق العالمية المفتوحة في وقت لم تكن فيه لدي أهل الصين القوة الشرائية الكافية التي تمكنهم من استيعاب المنتجات التي تخرجها آلة الصناعة الصينية الجبارة. استفادت الصين من نظام السوق العالمية المفتوحة القائمة علي حرية التجارة والاستثمار ونظام سعر الصرف المرن, لكنها أبقت علي نفسها خارج هذا النظام. استفادت الصين من نظام السوق المفتوحة, لكنها رفضت العمل بقواعد هذا النظام, وظلت ترفض منحه ثقتها. تستفيد الصين من نظام صرف العملات الدولية المستقر, والذي يعمل وفقا لآليات العرض والطلب, لكنها لا تطبق القاعدة نفسها علي العملة الصينية. سعر صرف العملة الصينية تحدده الدولة, ولا تتركه لتحركات السوق, وهو ما بدأ العالم يشكو منه. سعر صرف العملة الصينية المنخفض بقرار سيادي يمكن الصين من تصدير منتجات رخيصة تنافس منتجات الدول الأخري, في نفس الوقت الذي يحرم فيه المواطن الصيني من التمتع بعملة وطنية قوية تتيح له شراء المنتجات المختلفة صينية وغير صينية. ضعف القوة الشرائية لدي الصينيين تحرم العالم من الاستفادة من السوق الصينية الضخم كقوة دافعة لنمو الاقتصاد العالمي, وهو ما تزيد الحاجة له في وقت الأزمة الاقتصادية. الصين تؤمن احتياجاتها المتزايدة من الطاقة ليس فقط عبر شراء النفط من السوق الدولية, وإنما عبر استخدام نفوذ الدولة الصينية الكبير لتمكين شركات إنتاج النفط الصينية من الحصول علي امتيازات التنقيب عن النفط وإنتاجه, لا لتضعه في السوق الدولية كما يفعل الآخرون, وإنما لترسله مباشرة إلي الصين ليتم استهلاكه هناك, دون المرور بنظام السوق الحر الذي يحقق عدالة السعر وتوازن الإنتاج والاستهلاك بطريقة أفضل من أي نظام آخر. مع صعود قوة الصين بدأت القوي الاقتصادية التقليدية الكبري في مطالبة الصين بممارسة سياسة أكثر وضوحا والتزاما بقواعد عمل الأسواق الدولية, وهو ما تعتبره الصين تهديدا لفرصتها في مواصلة النمو السريع, وحول هذا الخلاف سيتحدد مصير النظام الدولي اقتصاديا وسياسيا في الأعوام المقبلة.