أجاز مجلس الوزراء الإسرائيلي تعديلا علي قانون المواطنة يفرض أداء طالب الحصول علي الجنسية الإسرائيلية, من غير اليهود, لقسم الولاء لإسرائيل كدولة يهودية, وجاء ذلك محققا مطلب ألح عليه كثيرا وزير الخارجية الإسرائيلي, افيجدور ليبرمان, وتمت إحالة الموضوع إلي الكنيست- البرلمان- كي يمرره عبر ثلاث قراءات ليصبح قانونا ساري المفعول. في نفس الوقت تلح حكومة نتانياهو في طلب الاعتراف بإسرائيل من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية باعتبارها دولة يهودية. يأتي كل ذلك في وقت تكشف فيه استطلاعات الرأي العام في إسرائيل عن استمرار اليمين, واليمين المتطرف في تصدر هذه الاستطلاعات, بل إن المشترك بين أغلبها يفيد بأن حزب' إسرائيل بيتنا' الذي يقوده وزير الخارجية الحالي ليبرمان, سيرفع حصته بحوالي عشرة مقاعد إضافية وترشحه الاستطلاعات لأن يحتل المرتبة الثانية خلف تكتل الليكود. وفق هذا التصور فإن اليمين الإسرائيلي سوف يفرض هيمنته علي الساحة السياسية هناك لسنوات طويلة قادمة, فالأحزاب التي تحتل المراتب الثلاث الأولي في الكنيست الحالي( كاديما, الليكود, إسرائيل بيتنا) والمتوقع استمرارها في أي انتخابات قادمة مع تغيير في ترتيبها هي تنويعات من مدرسة الليكود, فكاديما وإسرائيل بيتنا إنشقاق علي الليكود, الأول علي يد شارون الذي مال إلي منطقة الوسط وجذب معه عددا من الأحزاب الأخري منهم شيمون بيريز الذي يرأس الدولة حاليا, والذي خرج من حزب العمل. أما حزب إسرائيل بيتنا, فهو انشقاق علي الليكود قاده أفيجدور ليبرمان الذي كان يشغل في يوم من الأيام منصب مدير مكتب نتانياهو. خلاصة الأمر أن المجتمع الإسرائيلي صوت لليمين بالأساس, وضاع اليسار وتراجع الوسط, فبتنا أمام مجتمع يعيد إنتاج اليمين بأطيافه المختلفة, وهو أمر يكشف عن عمق أزمة المجتمع ونخبته السياسية. وعلي الرغم من وضوح أزمة إسرائيل في كونها أزمة مجتمع ونخبة سياسية, إلا أن البعض هناك يفضل الهروب منها إلي الأمام عبر إحالة الأزمة إلي طبيعة النظام السياسي الإسرائيلي, حدث ذلك منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي, عندما تقرر استحداث الانتخاب المباشر علي منصب رئيس الوزراء, وهو الأمر الذي تم التراجع عنه بعد ثلاث جولات. ورغم ذلك لم ينقطع الحديث عن أزمة النظام السياسي, حدث ذلك بكثافة بعد الحرب بين إسرائيل وحزب الله في صيف2006, وتكرر الأمر نفسه أيضا بعد العدوان الإسرائيلي علي غزة في ديسمبر2008 ويناير.2009 في هذا السياق طرح موضوع تغيير النظام السياسي الإسرائيلي من البرلماني إلي الرئاسي, وعلي الرغم من تعدد الأصوات التي طالبت بذلك, إلا أن زعيم حزب إسرائيل بيتنا, أفيجدور ليبرمان هو الذي طرح المطلب بالتفصيل ووضعه كشرط مسبق لدخول حكومة أولمرت بعد الحرب بين إسرائيل ومقاتلي حزب الله. وقد جاء ذلك في سياق رؤية اختزلت مشاكل إسرائيل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية في طبيعة النظام السياسي, حيث رأي هذا التيار أن الخلاص من هذه المشاكل سيتحقق في حال اتباع النظام الرئاسي, وفي مخيلتهم النظام الأمريكي. والسؤال هنا هل تكمن مشاكل إسرائيل المركبة من داخلية وفي العلاقة مع الجوار والتفاعل مع العالم الخارجي في طبيعة النظام السياسي, أم أنها تتجاوز ذلك إلي مشاكل بنيوية في إسرائيل, سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وأيضا عسكريا, وأن هذه المشاكل تطفو علي السطح من حين إلي آخر ويجري التعامل معها باعتبارها أعراضا لأزمة تتعلق بطبيعة النظام السياسي ؟ يبدو واضحا من نتائج الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية, وما تكشف عنه استطلاعات الرأي العام إننا أمام مجتمع مشرذم, ونظام سياسي مأزوم, يعيد إنتاج نفس الوجوه' الفاشلة', والجميع يهرب من المسئولية ويبحث عن حلول للأزمة في صيغة شكل النظام السياسي, بل إن ليبرمان نفسه وهو عرض من أبرز أعراض الأزمة المركبة للمجتمع والنخبة يقود الدعوة حاليا إلي تغيير النظام السياسي الإسرائيلي, ويجعل من ذلك شرطا للاستمرار في الائتلاف الحكومي. باختصار إنها أزمة نخب وقيادات تفتقد للرؤية وتقدم الشخصي علي الموضوعي, والخاص علي العام, فتكون المحصلة حالة من التخبط والتردد علي النحو الذي نراه في الكثير من أنحاء منطقتنا. ويجري القفز فوق الأسباب الحقيقية واختزالها في طبيعة النظام السياسي كما يطالب البعض حاليا بتغيير النظام إلي رئاسي, وهناك من يعالجها ظاهريا عبر مزيد من جرعات التدين الشكلي, فالحديث يجري باستمرار عن إسرائيل كدولة يهودية, ويتم طرح الصفة الدينية للدولة كشرط مسبق لتوقيع اتفاق تسوية سياسية مع الفلسطينيين, بل إن نتانياهو طرحه كشرط لتمديد تجميد البناء في المستوطنات!! مشكلة إسرائيل الحقيقية تتمثل في مجتمع مقسم بقوة بين التشدد والاعتدال, بين قوة تشده إلي الماضي وأخري تتطلع إلي المستقبل, ونخبة سياسية انتهازية تركز علي مصالحها الشخصية وتعمل علي تعديل النظام السياسي أو القوانين الأساسية لأنه لا يوجد دستور مكتوب من أجل الحفاظ علي مصالح النخبة دون أن تعمل علي تطوير النظام السياسي علي النحو الذي يتوافق مع طبيعة المجتمع ومؤسسات الدولة, فالنظام الرئاسي لن يحل مشاكل إسرائيل, بقدر ما يطيل أمد بقاء النخبة السياسية في مقاعدها, أو يعيد إنتاجها من حين إلي آخر.