أقر مجلس الوزراء الاسرائيلي تعديل قانون المواطنة بإضافة بند يفرض علي طالب الحصول علي الجنسية الاسرائيلية, من غير اليهود, أداء قسم الولاء لإسرائيل كدولة يهودية, وجاء ذلك محققا مطلبا ألح عليه كثيرا وزير الخارجية الإسرائيلي, افيجدور ليبرمان, وتمت إحالة الموضوع إلي الكنيست البرلمان كي يمرره عبر ثلاث قراءات ليصبح قانونا ساري المفعول, في نفس الوقت تلح حكومة نتنياهو في طلب الاعتراف بإسرائيل من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية باعتبارها دولة يهودية, في المقابل يؤكد الرئيس الفلسطيني حق إسرائيل في أن تطلق علي نفسها ما تريد من مسميات وأوصاف, وأن ماتطلبه من الفلسطينيين لتوقيع اتفاق سلام, لم يسبق طلبه من مصر(1979), ولا الأردن(1994), فلماذا تطلب ذلك من الفلسطينيين؟ يرجع الحديث عن يهودية الدولة إلي مقررات المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مؤتمر بازل بسويسرا في أغسطس1897, حيث جاء ضمن مقررات المؤتمر العمل علي إقامة البيت القومي اليهودي وظلت الصفة اليهودية للدولة احدي أبرز ركائز الفكر الصهيوني, وجاء قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة, برقم181 لعام1947 لينص علي حق اليهود في إقامة دولة عبرية علي أرض فلسطين فقرار التقسيم تحدث عن دولتين لشعبين, دولة يهودية ديمقراطية ولم يكن ذلك يمثل مشكلة باستثناء نضال الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية من اجل الحصول علي حقوق المواطنة في الدولة العبرية عبر المطالبة بأن تكون اسرائيل دولة كل مواطنيها لا دولة اليهود فقط, وفي16 يوليو2003 اقر الكنيست مشروعا يقضي بضرورة تعميق فكرة يهودية الدولة وتعميمها علي دول العالم ومحاولة انتزاع موقف فلسطيني يقر بمبدأ يهودية الدولة ثم اوصي مجلس الأمن القومي في15 مايو2005 في تقرير إلي الحكومة بالتركيز علي الحاجة للحفاظ علي إسرائيل كدولة يحقق فيها الشعب اليهودي تقرير مصيره القومي, وأكد رئيس المجلس في ذلك الوقت, الجنرال جيورا إيلاند ان قانون الجنسية هو الطريق للتغلب علي الخطر الديمجرافي. بدأت المشكلة عندما طالبت اسرائيل, المجتمع الدولي, والعرب والفلسطينيين بالاعتراف بها كدولة يهودية, وهو أمر رفض من جانب العرب والفلسطينيين, لما لهذا الاعتراف من تداعيات علي قضايا الوضع النهائي لعملية التسوية السياسية, ومن آثار علي الأقلية العربية الموجودة في اسرائيل, تطول مستقبل وجودهم علي أراضيهم, وقد بدأ التحرك الاسرائيلي لمطالبة العرب والفلسطينيين بالإقرار بيهودية الدولة بشكل مكثف في مؤتمر انابوليس في نوفمبر2007, ثم أعاد التأكيد عليه بنيامين نتنياهو في خطابه في جامعة بار ايلان في يونيو2009. إذا مسألة الطابع اليهودي للدولة ليست بجديدة, كما أن التحرك من اجل ضمان استمرار الطابع اليهودي للدولة بدأ منذ أكثر من ثماني سنوات, الجديد هو مطالبة العرب والفلسطينيين تحديدا بالاعتراف بالطابع اليهودي لدولة اسرائيل, وهو الأمر الذي رفض من جانب الدول العربية ومن جانب الفلسطينيين وفي مقدمتهم الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية, وذلك خشية التداعيات التي يمكن ان تترتب علي هذا الاعتراف, ابرزها ان يؤدي ذلك إلي شطب حق العودة من ناحية وطرح قضية تبادل السكان مع السلطة الوطنية الفلسطينية/ الدولة الفلسطينية, بحيث تجري مبادلة ارض وسكان المستوطنات التي ستضمها اسرائيل في التسوية النهائية بأرض وسكان منطقة المثلث, كما أن هناك خشية من جانب الفلسطينيين في اسرائيل من ان يؤدي الإقرار العربي والفلسطيني بيهودية الدولة إلي إضفاء الطابع اليهودي بالكامل علي الدولة ومن ثم لا تكون لهم حقوق مواطنة, بل يتحولون إلي مواطنين من الدرجة الثانية, فالمواطنة الكاملة ستكون لليهودي وعلي أساس ديني, اما غير اليهودي فسوف يحرم من كثير من حقوق المواطنة. في الوقت نفسه يمكن ان ننظر إلي مطالبة إسرائيل بالاعتراف بها كدولة يهودية علي أنه يمثل تطورا مهما في مسيرة الدولة العبرية باتجاه التسوية السياسية, كما يمكن محاصرة القدر الأكبر من التداعيات السلبية المترتبة علي هذه الصفة, فمن ناحية أولي لابد ان ننظر إلي الحديث عن يهودية الدولة علي أنه إقرار بسقوط مشروع أو حلم أرض اسرائيل الكبري الذي كان حلما صهيونيا قديما وقف وراء الرفض الأولي لقرار التقسيم علي اساس ان القرار يحدد وجود الدولة اليهودية في منطقة لا تتجاوز56% من أرض فلسطين لاتتضن مدينة عكا والأهم مدينة القدسالشرقية ولا الخليل, إضافة إلي احلام صهيونية تمتد إلي ما وراء أرض فلسطين إلي سيناء والجبل المقدس وأرض التيه وغيرها وصولا إلي مناطق في العراق, ومن ثم فإن الانتقال من فكرة ارض اسرائيل الكبري إلي فكرة يهودية الدولة هو بمثابة انتقال من الجغرافيا إلي الديموجرافيا, اي انتقال من مبدأ التوسع العسكري إلي مبدأ الحفاظ علي اغلبية يهودية في دولة اسرائيل عبر انتزاع اقرار فلسطيني وعربي بالطابع اليهودي للدولة العبرية, فإسرائيل ظلت تعاني من تراجع نسبة اليهود لحساب نسبة العرب, وكان تعويض الفارق من خلال موجات الهجرة اليهودية من الخارج, اي كانت تعتمد علي عوامل الزيادة غير الطبيعية, الهجرة لتعويض فارق الزيادة الطبيعية الفارق بين المواليد والوفيات الذي كان يعمل لصالح الفلسطينيين, وهو أمر لم يعد قائما نتيجة تراجع الهجرة اليهودية إلي اسرائيل لاعتبارات كثيرة ابرزها نضوب مصادر الهجرة اليهودية في روسيا الاتحادية ودول شرق اوروبا, وزيادة معدلات اندماج اليهود في مجتمعات اوروبا الغربية والولايات المتحدة. تضافر عاملان معا ليقفا وراء المسعي الاسرائيلي لانتزاع اقرار عربي فلسطيني بيهودية الدولة, العامل الأول هو اقرار اسرائيلي بعدم القدرة علي الاحتفاظ بما حصلت عليه من ارض عن طريق القوة( حرب اكتوبر1973 والانسحاب من سيناء) ثم اقرار بمحدودية الانجاز عن طريق القوة العسكرية, اي قرار بحدود القوة في اكتساب المزيد من الأرض( الانسحاب من جنوب لبنان, الإخفاق في حرب2006 مع حزب الله, وعدم الحسم في العدوان علي غزة ديسمبر2008 ويناير2009), والعامل الثاني هو نضوب مصادر الهجرة وبروز دور الزيادة الطبيعية في رفع نسبة العرب او غير اليهود في اسرائيل, ومن ثم باتت اسرائيل تخشي من فقدان الاغلبية اليهودية بمرور الوقت, ومن ثم فقدان الطابع اليهودي للدولة, ادي تخلي اسرائيل مرغمة عن التمدد الجغرافي إلي محاولة وقف تداعيات زيادة عدد ومن ثم نسبة العرب أو غير اليهود عن طريق تكريس الطابع اليهودي للدولة العبرية, وانتزاع اقرار عربي وفلسطيني بيهودية الدولة, ومن ثم تجري عملية ضبط للعامل الديموجرافي عن طريق: 1 شطب حق العودة وضمان توطين اللاجئين الفلسطينيين وعدم عودتهم إلي داخل اسرائيل. 2 البحث عن صيغة لنقل جزء من الأرض بما عليها من بشر للسلطة الوطنية أوالدولة الفلسطينية في صفقة تبادلية مع بشر وأرض( مستوطنات يهودية) من الضفة الغربيةوالقدسالشرقية. 3 تقييد الوجود غير اليهودي( العربي) في إسرائيل عبر تكريس الطابع اليهودي للدولة ومن ثم تقليص تدريجي للوجود العربي في إسرائيل. السؤال هنا هل يمكن التعاطي الإيجابي مع هذه الفكرة؟ بداية يمكن النظر إلي الفكرة في حد ذاتها علي أنها تمثل إقرارا إسرائيليا( يهوديا/ صهيونيا) بنهاية حلم إسرائيل الكبري,نهاية فكرة التوسع الجغرافي, وأنها محاولة لضبط تداعيات هذا الإقرار عبر انتزاع إقرار عربي فلسطيني بيهودية الدولة العبرية,وتوظيف هذا الإقرار في مجموعة صفقات مع السلطة الوطنية/ الدولةالفلسطينية لمحاصرة تداعيات الديموجرافيا, ويتمثل ذلك في صفقة تبادل سكاني عبر نقل منطقة المثلث بما فيها أم الفحم وقري المثلث الجنوبي إلي الدولة الفلسطينية بمن عليها من بشر(مابين250 300 ألف فلسطيني) مقابل ضم الكتل الاستيطانية الثلاث الكبري حول القدس وأجزاء من القدسالشرقية, ورهان علي أن يؤدي الإقرار بيهودية الدولة إلي تهويد الدولة ويكون مناخ التهويد في ذاته طاردا في مراحل تالية لعدد كبير من العرب في إسرائيل من خلال وسائل عديدة منها الإغراء المالي وشراء الأراضي وتوفير فرص هجرة في دول العالم الجديد. أيضا يمكن التعاطي الإيجابي مع هذه الفكرة في حال حدوثها علي النحو التالي: 1 مسألة حق العودة, محل تفاوض, ويعلم المفاوض الفلسطيني قبل غيره أن تطبيق حق العودة يعد مستحيلا وأن المفاوضات تجري من أجل عودة عدد محدد(جري في أوسلو الحديث عن عودة مائة ألف علي مدار عشر سنوات في إطار سياسة جمع شمل العائلات, ومادار في كامب ديفيد في يوليو2000 لا يختلف كثيرا عن ذلك) وبالتالي فالحديث عن تأثير مبدا يهودية الدولة علي حق العودة هو حديث مبالغ فيه. 2 مسألة أثر يهودية الدولة علي فلسطينيي1948, يمكن تفكيكه والتعامل معه علي أكثر من مستوي فمن ناحية أولي فان الحديث عن مسألة مبادلة الأرض ليس بجديد, الجديد هنا مبادلة البشر, وهو أمر لايوجد إلزام بشأنه, بمعني أنه لايمكن تحقيق هذا الأمر إلا بالتوافق, ومن ثم يكون من حق الجانب الفلسطيني رفض مثل هذه الأفكار,فلا يوجد ما يلزم السلطة الوطنية ولا المفاوض الفلسطيني بمثل هذا البند. ومن ناحية ثانية فان تداعيات يهودية الدولة علي حقوق مواطني إسرائيل من العرب قضية مفتوحة لنضال وطني طويل من جانب عرب إسرائيل ومعهم قوي وأحزاب إسرائيلية ومنظمات مجتمع مدني تعمل من أجل تكريس حقوق المواطنة من أرضية حقوقية. أيضا يمكن طرح بحث هذه الفكرة في إطار مفاوضات التسوية النهائية بمعني أن تكون ضمن ترتيبات الوضع النهائي لا في بداية المفاوضات, وذلك من أجل تسهيل التوصل الي تسوية نهائية من ناحية, وترك قضية نضال عرب1948 من أجل انتزاع حقوق المواطنة لعملية النضال الداخلي من أرضية حقوقية وإنسانية لاسيما وأن قرار التقسيم الصادر عام1947 والذي تحدث عن دولة يهودية عبرية اشترط علي هذه الدولة احترام حقوق المجموعة القومية العربية الفلسطينية التي رفضت التهجير فمسألة غلبة الطابع اليهودي علي الدولة العبرية تختلف عن مسألة دولة يهودية نقية دينيا, ففكرة الدول نقية العرق والدين فكرة غير واقعية ولايمكن توقع حدوثها, ومن ثم يمكن التفاوض في المرحلة النهائية حول مسألة تبادل الأرض, وهي ليست جديدة, مع رفض مسألة تبادل السكان, وترك قضية حقوق المواطنة للنضال الوطني الفلسطيني مع منظمات المجتمع المدني الإسرائيلي. الفكرة باختصار هي أن يكون بحث مسألة يهودية الدولة ضمن المراحل النهائية للتسوية السياسية لا في بدايتها, وأن يهودية الدولة لاتعني نقاء الدولة دينيا أو عرقيا, بل يمكن القول أن الدول العربية بإمكانها الاستفادة من تطرف مطالب ودعاوي يهودية الدولة عبر كشف عنصرية هذه المطالب وعدم توافقها مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والمباديء الإنسانية. المؤكد أن طلب إسرائيل الاعتراف بها كدولة يهودية يعكس مأزق الدولة العبرية التي أقرت بداية بعدم وجود حل عسكري للصراع, وعدم قدرتها علي تحقيق ماتريد عبر القوة التي اعتمدت عليها منذ قيامها, ومن ثم فطلب الاعتراف بالدولة العبرية كدولة يهودية يمثل فرصة للمفاوض الفلسطيني للدفع باتجاه مفاوضات الوضع النهائي من ناحية, ورفض فكرة تبادل السكان إضافة إلي أن قضية حقوق عرب إسرائيل هي قضية مواطنة ونضال وطني لدفع الدولة لأن تكون لكل مواطنيها في عالم لايمكن أن يقبل بفكرة الدولة النقية عرقيا أو دينيا.