بعض الأوضاع تفرض أعلي المرء إنهاء أمر ما والخروج منه بسرعة, سواء بالمكسب أو بالخسارة, لأن الاستمرار فيه خسارة مؤكدة, ويبدو أن هذا هو واقع الحال في أفغانستان بالنسبة لإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ومعها حلفاؤها الأطلنطيون. فاستمرار الحرب الدائرة في أفغانستان منذ عام2001 صار خسارة مؤكدة للولايات المتحدة وحلف الأطلنطي, ليس فحسب في الأرواح والعتاد بل أيضا في الهيبة التي تواجه اختبارا ربما لاتقل قسوته عن قسوة الاختبار الذي واجهته بريطانيا في حرب السويس عام1956 وصارت بعده دولة من الدرجة الثانية. وبالتالي فإن المعركة التي يخوضها الآن نحو15 ألف جندي أمريكي وأطلنطي في هلمند ربما تكون المعركة الأخيرة في أفغانستان مهما تكن النتيجة: نصرا أو هزيمة يجري إلباسها قناعا أو أكثر, والدليل علي ذلك أن القتال دائر بلا نتيجة محسومة في الوقت الذي يوجد فيه موعد حدده الرئيس الأمريكي للانسحاب من أفغانستان وهو العام المقبل. وقد قيل للرئيس الأفغاني حامد كرزاي إن عليه أن يتحمل مسئولية الأمن في أفغانستان بسرعة في ظل هذا الموعد المحدد للانسحاب الأمريكي الأطلنطي, ولذلك وافق علي الهجوم الكبير في هلمند برغم ما قال إنها خسائر لن يكون ممكنا تجنبها في أرواح المدنيين الذين يختلط بهم مقاتلو طالبان. فالرئيس الأفغاني مضطر للموافقة علي عملية كبيرة في إقليم مهم تسيطر عليه طالبان لعله يثمر في انقاذ حكومته ولايضطرها للرحيل مع القوات الأطلنطية المنسحبة, خاصة أن طالبان رفضت كل الأسس التي قدمها لها ليقوم عليها حل بالتفاوض للصراع, والحقيقة أن كرزاي الذي يحكم البلاد بلا شعبية تقريبا ما كان ليعلن صراحة موافقته علي مزيد من المعارك التي يسقط فيها مدنيون إلا في ظرف استثنائي جدا. وأغلب الظن أن الولاياتالمتحدة لاتنتظر من هجوم هلمند نتيجة عسكرية حاسمة, لأن مقاتلي طالبان يلتحمون مع القوات الغربية والقوات الأفغانية الحكومية المتحالفة معها بينما هم مجموعات صغيرة, وهي مجموعات تتجمع بسرعة وتتفرق بسرعة, وليس من أسلوبها ولا من امكاناتها أن تدخل في مواجهات مباشرة مع القوات الأكثر عددا, والأكثف تسليحا, والمحمية جوا. لذلك يمكن أن تكسب القوات النظامية الأمريكية والأطلنطية أرضا, لكن يصعب أن يستقر عليها مابقي المقاتلون الذين يعملون بأسلوب الكر والفر نشيطين في المنطقة, ومادام السكان يوفرون لهم بعض الملاذ. والحقيقة أن القوات الأفغانية التي تريد القوات الأطلنطية تركها وراءها لحماية حكومة كرزاي ليست صاحبة سمعة طيبة بين السكان, خاصة أنه تستعمل أحيانا أساليب وحشية ضدهم في عمليات البحث عن مقاتلي طالبان, وقد اشتملت تلك الأساليب في مرات كثيرة علي اغتصاب نساء أو تهديد به في بعض القري. بل إن تلك القوات لايأمن لها تماما جنود حلف الأطلنطي الذين تعرض بعضهم لعمليات قتل أو إصابة منها في كثير من المناسبات, سواء لخلافات في الرأي أو لحساسيات في المواقف, أو لانتماءات قبائلية أو سياسية. لكن إذا كانت النتيجة الايجابية من الهجوم غير مرجحة فما السبب فيه؟