كثرة الحديث في الآونة الأخيرة عن الاهتمام الكبير الذي توليه الحكومة لإنشاء جهاز مستقل لإدارة أصول قطاع الأعمال يهدف إلي تنفيذ برامج إعادة الهيكلة, وصيانة المال العام للشركات والتوسع في إقامة استثمارات جديدة, وتوسيع المشاركة في ملكية أصول وشركات قطاع الأعمال العام ومساهمات المال العام في الشركات المشتركة, بالإضافة إلي تطوير إدارة الشركات وفقا لمبادئ الحوكمة, والارتقاء بالكفاءة. وهو ما اعتبره الخبراء بداية لمرحلة جديدة سيظهر فيها القطاع العام بثوبه الجديد ليؤدي دوره في تأمين احتياجات المجتمع الاستراتيجية, محذرين من تحوله إلي مجرد جهاز بيروقراطي يزيد من أعباء الحكومة, خاصة بعد سداد مديونيات شركات القطاع العام التي تزيد علي31 مليار جنيه. في البداية يوضح الدكتور مختار الشريف الخبير الاقتصادي أن إنشاء جهاز مستقل لإدارة أصول قطاع الأعمال العام كان مطلب كثير من الخبراء حتي قبل بداية عمليات الخصخصة, وبالتالي فإن تلك الخطوة تأخرت كثيرا, مؤكدا أن هذا الجهاز سيسهم كثيرا في تنشيط شركات قطاع الأعمال العام, ويساعد في تسهيل وسرعة اتخاذ القرارات الصائبة لعملها, بالإضافة إلي سهولة محاسبة المسئولين عن أداء تلك الشركات. وقال: إن اهتمام الحكومة بوضع معايير الحوكمة كأحد الأهداف الرئيسية لهذا الجهاز يعد مؤشرا قويا علي أن هناك رغبة حقيقية لدي الحكومة بالقضاء علي الفساد في القطاع العام, مؤكدا أنها أقوي سلاح ضد الفساد الذي عانت منه تلك الشركات علي مدي فترات كبيرة. أشار الشريف إلي أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في الفترة الماضية من تسوية مديونيات شركات قطاع الأعمال العام التي كانت تتعدي31 مليار جنيه, وضخ سيولة جديدة لها بقيمة19 مليار جنيه أسهمت في رفع الأعباء الكثيرة التي كانت تحملها تلك الشركات, وكانت تؤكد أنه ليس هناك أي أمل في تعاقبها مرة أخري, وهو ما سيكون له إيجابيات كثيرة ستعود علي الاقتصاد الوطني. وأضاف أن هدف الحكومة بتوسيع قاعدة ملكية شركات القطاع العام له فوائد عديدة, لكن إذا تم بالطريقة المثالية التي تضمن حقوق كل الأطراف, وتؤمن مستقبل الشركة المالي التي تتمثل في طرح الشركات للاكتتاب العام في البورصة, مع احتفاظ الدولة بالحصة الحاكمة فيها. ويحذر فؤاد ثابت رئيس اتحاد الجمعيات الأهلية للتنمية الاقتصادية من تحول هذا الجهاز بعد إنشاؤه إلي مجرد جهاز حكومي بيروقراطي وروتيني كغيره من الأجهزة الأخري التي قد تزيد من أعباء المجتمع, مؤكدا أن مثل هذا الجهاز يحتاج إلي آليات جديدة, وصلاحيات واسعة ليستعيد القطاع العام دوره الفعال في الاقتصاد الوطني, وذلك من خلال تطبيق مبادئ الحوكمة, ومراقبة الجمعيات العمومية للشركات, والاهتمام بتطبيق سياسة الإفصاح والشفافية في عرض الميزانيات, والابتعاد عن التعيينات المباشرة في مجلس إدارة الشركات. وأكد ثابت أن الحكومة تسرعت كثيرا في خصخصة هذا العدد الكبير من شركات القطاع العام, وهو ما أدي إلي حدوث بعض السلبيات التي صاحبت عملية الخصخصة, ونتج عنها بعض مظاهر الفساد والخلل في توازن السوق بشكل مفاجئ, مشيرا إلي أن خطوة هيكلة الشركات المتبقية هي خطوة جادة لمصلحة الاقتصاد المحلي, خاصة في ظل الأزمة المالية العالمية. وأضاف أن دور شركات قطاع الأعمال العام في مرحلة الاقتصاد الحر التي تعيشها مصر له أهمية كبري, لكن ليس في كل المجالات والقطاعات مثلما كان الوضع في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي, حيث اقتصر دورها علي الدخول في الاستثمارات المهمة, والصناعات الاستراتيجية, وتقديم الخدمات الأساسية للمجتمع, مشيرا إلي أن القطاع الخاص يستأثر الآن بأكثر من80% من الاقتصاد الوطني, وتبلغ استثماراته في السوق المصرية140 مليار جنيه, ولا يحق لشركات القطاع العام الدخول في منافسة في السوق علي إنتاج السلع والمنتجات التي يوفرها القطاع الخاص بسهولة ويسر, ولا تمس الأمن الاقتصاد المصري. ومن جانبه يقول الدكتور أشرف جمال الدين مدير مركز المديرين: إن الاهتمام بتطوير إدارة الشركات وتطبيق مبادئ الحوكمة كأحد الأهداف الاستراتيجية لذلك الجهاز يعد خطوة كبيرة في ضمان استمرارية الشركات ورفع كفاءة إنتاجها, حيث إن ممارسات حوكمة الشركات من أهم المعايير التي تستخدم الحكم علي اقتصاديات البلدان, ولتقرير التعامل معها بأفضلية في التجارة الدولية من عدمه. وأضاف أن مركز المديرين المصري أعد دليلا شاملا لقواعد تطبيق مبادئ الحوكمة في شركات قطاع الأعمال العام التي من أهمها تطوير الإطار التنظيمي والقانوني لشركات قطاع الأعمال العام بما يدعم المنافسة العادلة بين هذه الشركات والشركات الخاصة, ومراعاة الفصل الواضح بين وظيفة الملكية ووظائف الدولة الأخري من حيث الإشراف والرقابة بما لا يؤثر علي أنشطة شركات قطاع الأعمال العام, وبصفة خاصة فيما يتعلق بسياسات التصنيع التي تتبناها الدولة. يضاف إلي ذلك عدم السماح بأي نوع من التعارض بين وظيفة الملكية وسياسات الإنتاج, ويعني ذلك تجنب اتباع سياسات إنتاجية معينة تتعارض مع هدف الملكية المتمثل في تعظيم قيمة الأصول, وفي حالة طرح جزء من شركة من شركات قطاع الأعمال العام إلي القطاع الخاص, فيراعي احترام حقوق المساهمين الجدد, وأن يتم تعديل النظام الأساسي للشركة ليعكس دخول ملاك جدد وحماية حقوقهم وفقا لأحكام القانون, وفي هذا الصدد يجب أن تتأكد الشركة القابضة من تقديم جميع المعلومات والتقارير المالية لمساهمي القطاع الخاص في مواعيدها الدورية وبصفة منتظمة, وأن تتوافر الإدارة قبل15 يوما علي الأقل من تاريخ انعقاد الجمعيات العمومية بما يسمح بتوفير المناخ لمناقشات جادة لتقويم أداء هذه الشركات.