يتزايد الحديث منذ عدة أشهر حول مؤشرات لحرب إسرائيلية علي سوريا وحزب الله في لبنان, وتتعدد هذه المؤشرات العلني منها والسري, ويتصاعد في نفس الوقت الحديث عن تحركات تشارك فيها أطراف متعددة لترتيب جولة مفاوضات لاتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل, فما هي أبعاد ذلك كله, وإلي أين تسير الأمور مابين الحرب والسلام. بداية فإن الحديث عن حرب إسرائيلية مع حزب الله وسوريا لم يتوقف منذ الحرب السابقة عام2006, حيث تواصلت الاستعدادات العسكرية الاسرائيلية والمناورات التي شملت معظم إسرائيل وشاركت فيها كل قطاعات الدولة مدنية وسياسية وعسكرية وأمنية, كما تمت خلال الفترة الأخيرة إعادة نشر للقوات الاسرائيلية في مناطق الحدود مع سوريا, ولبنان كما زادت من مستوي وحجم قواتها المتمركزة علي طول الحدود مع سوريا خاصة المتاخمة لمرتفعات الجولات وجبل دوف, وتزايدت بصورة ملحوظة طلعات الطائرات بدون طيار علي الشريط الحدودي, وكان من أهم مظاهر الحشد العسكري الاسرائيلي قرار نقل لواء كفير من الضفة الغربية إلي المنطقة الشمالية( حسب ماذكرت صحيفة معاريف الإسرائيلية8/30 والتي وصفت ذلك الإجراء بأنه قرار تاريخي). ترجع أهمية ذلك القرار إلي أن هذا اللواء يعتبر أكثر قطاعات الجيش الإسرائيلي خبرة وتخصصا في الحرب في المناطق السكنية, وهو اللواء المسئول عن معظم الاعتقالات التي نفذتها قوات الاحتلال في الضفة الغربية, ومن أكثر الألوية الاسرائيلية انضباطا, وقد صرح قائد اللواء لصحيفة معاريف بأن قواته تتدرب منذ فترة في مناطق تشبه المناطق السورية المجاورة للحدود, وكذلك مناطق الجنوب اللبناني المرشحة لأن تكون ميدان المعركة القادمة. تأتي في هذا الإطار الحملة التي شنتها الدوائر الاسرائيلية العسكرية والأمنية والسياسية, وشارك فيها أركان الادارة الأمريكية حول قيام سوريا بنقل الصواريخ إلي حزب الله, وتخزين أسلحة استراتيجية تخص الحزب في مناطق سورية قريبة مع الحدود من لبنان, وهو مايمكن أن يخل بطبيعة التوازن العسكري الحالي بين اسرائيل وحزب الله, وهي حملة فسرها الكثير من المراقبين في إطار البحث عن ذريعة أو مبرر لأي عدوان اسرائيلي قادم, ويأتي في نفس الإطار نشاط مراكز الدراسات الاستراتيجية الاسرائيلية والأمريكية ذات الصلة بالدوائر الصهيونية, وكذلك دوائر صنع القرار في الولاياتالمتحدة, فقد صدرت تقارير عن معهد الأمن القومي الاسرائيلي ومعهد أورشليم للسياسة العامة, ركزت بصورة أساسية علي ضرورة اعتبار سوريا المسئولة عن أي عملية لحزب الله والضغط علي مجلس الأمن لتعديل القرار1701 لتوسيع نطاق عمل قوات اليونيفيل ليشمل الحدود السورية اللبنانية, هذا بالاضافة إلي التقارير والدراسات الصادرة من معهدي المسعي الأمريكي والمعهد اليهودي للأمن القومي وآخرها التقرير الذي أعده مدير سابق لمخابرات الدفاع الأمريكية( جيفري وايت) لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني تحت عنوان إذا جاءت الحرب: اسرائيل في مواجهة حزب الله وحلفائه, وترجع أهمية هذا التقرير إلي أن معده من الشخصيات العسكرية الأمريكية الموالية لاسرائيل, ويتولي إدارة الملف الأمني والعسكري في المعهد المذكور, والذي يعتبر أحد مراكز الفكر التي تستند إليها وزارتا الدفاع والخارجية الأمريكية, وقد أشار في تقريره إلي الاستعدادات الجارية لحرب إسرائيلية في المنطقة, وأنها ستختلف كثيرا عن حرب2006, وأن حزب الله يمكن أن يكون نافذة للحرب علي سوريا, وتناول التقرير تقدير الخبير الأمريكي لشكل الحرب القادمة وانتهي إلي أن هذه الحرب سوف تكون أشد ضراوة, ويجب أن تكسبها اسرائيل لاحداث تغيير شامل ليس فقط فيما يتعلق بالمواجهة مع سوريا وحزب الله, ولكن ضمن عملية الصراع الشامل في المنطقة. الغريب أن حديث الحرب هذا تزامن مع تحركات ملفتة فيما يتعلق بمحاولات لاحياء التفاوض علي المسار الإسرائيلي مع سوريا ولبنان, وتميزت هذه التحركات باهتمام أمريكي غاب لسنوات طويلة, حيث زار المبعوث الأمريكي دمشق للمرة الرابعة خلال العام الأخير, وقد كشفت تصريحات كبار المسئولين الأمريكيين بهذا الخصوص عن عدد من المؤشرات المهمة التي من بينها تقدير واشنطن أن الصعوبات علي مسار التفاوض السوري كثيرة ومعقدة إلا أنه يمكن استيعابها وتجاوزها بصورة أسهل من تلك التي تحكم مسار التفاوض علي المحور الفلسطيني, كما ان إحياء التفاوض علي المسار السوري يمثل هدفا استراتيجيا لواشنطن يخدم الاستراتيجية الأمريكية بصفة عامة, ويسهم في دعم الموقف الأمريكي في الأزمة الايرانية, كما أن الحراك التفاوضي علي هذا المحور يمكن أن يرتب حراكا تفاوضيا علي المحور اللبناني, وهو مايحقق في حالة تحقيقه إنجازا أو تقدما ملموسا وحصارا للوجود الايراني في المنطقة, وقد سبقت زيارة ميتشل الأخيرة إلي دمشق جولة للمبعوث الفرنسي من تل أبيب ودمشق. وأشارت مصادر مختلفة إلي أنه نقل رسالة من إسرائيل تتضمن رؤية إسرائيلية محددة لمسار التفاوض وتحقيق التسوية, وربط البعض بين لقاء المبعوث الفرنسي وميتشل. وزيارة مساعد ميتشل لدمشق في أعقاب ذلك, بتوافر عناصر إيجابية دفعت ميتشل المشرف الرئيسي علي جولة التفاوض المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية إلي ترك جلسات تلك المفاوضات والذهاب إلي دمشق وتزامن ذلك مع تقارير في الصحافة الإسرائيلية تحدثت حول وجود تطورات إيجابية في جهود تحقيق السلام مع سوريا, ورغم أنه لم يصدر عن كبار المسئولين السوريين أو الصحافة الرسمية السورية مايشير إلي تحقيق تقدم علي هذا المستوي, إلا أن بعض المراقبين لاحظوا الموقف الهادئ لسوريا خلال اجتماعات مجلس الجامعة العربية الذي ساند المفاوضات المباشرة عكس المواقف السابقة, وكذلك زيارة الملك عبدالله بن الحسين لدمشق إثر إجتماعات واشنطن ورجحوا نقله رسالة من الرئيس الأمريكي إلي الرئيس السوري. وبصفة عامة فإن هناك نوعا من القبول السوري للحركة الأمريكية التي تلبي مطلبا ألحت عليه دمشق كثيرا, وهو أن ترعي واشنطن المفاوضات بصورة واضحة, كما أنه من الثابت أن بعض المياه قد تدفقت في مجري العلاقات السورية الأمريكية, وجهود إحياء التفاوض, ولعل ذلك كان من ضمن أسباب الزيارة المفاجئة للرئيس الإيراني لدمشق دون انتظار لزياراته منتصف الشهر القادم للمنطقة, وتصريحه خلال وجوده في دمشق بإنها استهدفت الوقوف في وجه محاولات تغيير الخريطة السياسية في المنطقة. هكذا نري أن حديث الحرب يقترب مع حديث السلام, ويتصاعد معه وهو مايثير الكثير من علامات الاستفهام, والتي من أهمها: هل حديث الحرب يدخل ضمن عناصر الضغط لتطويع الموقف السوري واللبناني للسير في مسار التفاوض؟ وهل الحركة تجاه سوريا ولبنان في مجملها حربا وسلاما يمكن أن تمثل نوعا من الضغط علي مسار المفاوضات المباشرة الجارية حاليا؟ وهل يمكن أن تدخل سوريا المفاوضات في ظل الاحتقان المتزايد في المشهد اللبناني الداخلي, وتزايد نفوذ حزب الله في مواجهة حكومة الحريري وهو ماتعتبره إسرائيل في غير صالحها؟ وأي خيار سوف يدفع الموقف الايراني؟, وهل تنجح الجهود الأمريكية في مواجهة عمق الشكوك السورية في الحكومة الإسرائيلية؟! هذه الأمثلة وغيرها تشير بوضوح إلي تداخل عناصر الحرب وعناصر السلام في المشهد علي جانبي الحدود الإسرائيلية علي لبنان الذي لايزال ينفتح علي كل الاحتمالات.