في اسرائيل اليوم موقفان متناقضان الاول يدعو الي اعادة الكرة من جديد من خلال شن عدوان علي لبنان بخطط وقيادة عسكرية جديدة والثاني يدعو الي تحريك مسار السلام وهو ما طالب به اخيرا وزير الامن الداخلي "ايفي ديختر" عندما طرح امكانية التفاوض مع سوريا واعادة الجولان لها. السلام خيار استراتيجي لقد تحدثت سوريا منذ البداية ومازالت عن خيار السلام الاستراتيجي وما تتمناه هو ان يتحقق السلام الذي تري انه لايزال يمثل الخيار الافضل ولكنها في الوقت نفسه يقظة لأية مناورة تكتيكية قد تقوم بها اسرائيل علي مدي الاشهر المقبلة والتي سيتحدد معها بالقطع الموقف ان كان حربا ام سلاما.. وهي نتيجة تتحدد في الاغلب علي اساس نية اسرائيل في السلام وعودة العقل الي المحافظين الجدد في الادارة الامريكية.. وان كانت امريكا لا تركز كثيرا علي قضية تحريك عملية السلام فما يهمها هو ما يخدم مصالح اسرائيل فاذا وجدت ان امرا كهذا من شأنه ان يصب في صالح اسرائيل وان اسرائيل تدير حوارا حوله في الداخل فعندئذ ستؤيد امريكا هذا التحرك وهو ما يعني ان الاساس في تحريك المفاوضات مع سوريا من عدمه يظل رهنا باسرائيل، فالقرار في اسرائيل وليس في واشنطن ولن تتخذ ادارة بوش اي موقف يتعارض مع اسرائيل. مناورة علي الطريق في الاغلب قد لا تكون اسرائيل جادة وهي تلوح بتصريحات حول السلام مع سوريا فقد يكون الهدف هو المناورة ليس الا.. وكل المؤشرات تشي بان سوريا يقظة ولن تخدع ولا ادل علي هذا مما صرح به اخيرا الرئيس بشار الاسد عندما قال اننا ننظر الي تلويح اسرائيل بالسلام بوصفه مجرد بالون اختبار ليس الا.. ولا يخفي فتلويح اسرائيل بالسلام جاء بعد الانكسارة التي منيت بها امام حزب الله ومن ثم شرعت في التلويح بامكانية التفاوض مع سوريا للتغطية علي فورة الرأي العام لديها في الداخل في اعقاب هزيمة قيادتها عسكريا في لبنان.. ولا ادل علي ان الموضوع يحمل شبهة المناورة من انه في اعقاب الخطوة التي اتخذتها وزيرة الخارجية الاسرائيلية بتعيين "باكوف ديان" - رئيس اركان سابق - لاعداد وثيقة حول العلاقة بين سوريا واسرائيل ومن بينها النظر في امكان اجراء مفاوضات مستقبلية بين الجانبين وان عادت بعد ذلك لتقلل من الاجراء قائلة انه اجراء روتيني ثم سارع اولمرت ليربط رفع الحصار عن لبنان بنشر قوة دولية علي الحدود اللبنانية الاسرائيلية والحدود اللبنانية السورية وكأنه يريد ان يقول بان سوريا تقوم بتهريب السلاح الي حزب الله وينبغي وقف هذا اولا وقبل اي شيء. سوريا وتحالفها الاستراتيجي لقد وضح بان هدف اسرائيل من التلويح بالسلام مع سوريا هو ابعاد دمشق عن ايران وعن حزب الله معا بحيث لا تكون هي الشريان الموصل بين الطرفين وانما علي العكس تكون منطقة عازلة بحيث يتحقق الهدف وهو قطع الامداد العسكري لحزب الله وفي الوقت نفسه يتحقق ضمان وقف الدعم السوري لكل من حماس والجهاد غير ان اي مراقب للاحداث يمكنه ان يتنبأ بان سوريا لم ولن تتخلي عن تحالفها الاستراتيجي مع ايران ومع حزب الله وحتي اذا قبلت بعرض السلام فان ذلك سيظل مشروطا بألا يؤثر علي تحالفها الاستراتيجي مع الطرفين.. ايران وحزب الله.. ولا غرابة فسوريا تتشبث برأيها الذي عبر عنه الرئيس بشار من قبل عندما قال بان ثمن المواجهة ارخص بكثير من ثمن التنازل. لا ثقة في عروض اسرائيل امر آخر يجب اخذه في الاعتبار وهو ان سوريا لا يمكنها ان تثق في عروض اسرائيل او امريكا ويعزز موقفها ذلك التجارب التي حدثت فمؤتمر مدريد الذي عقد تحت مظلة السلام لم يسفر عن اية نتائج تذكر ثم كانت خريطة الطريق المقترح الامريكي الذي ظفر بمصادقة المجتمع الدولي ممثلا في الاممالمتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا ليشكلوا مع امريكا ما سمي باللجنة الرباعية.. ولم تتمخض الخريطة عن شيء يذكر.. بل ان اسرائيل نسفتها من خلال اربعة عشر تحفظا، وما لبثت امريكا ان نفضت يدها من عملية السلام في الساحة الفلسطينية بعد ان وعد بوش باقامة دولة فلسطينية مستقلة بحلول عام 2005 ثم ما لبث ان حنث بوعده وارجأها الي سنة 2009 اي العام الذي سيكون فيه خارج البيت الابيض بعد ان تكون ولايته الثانية قد انتهت.. لهذا كله فان دعوي السلام لا تتماشي وممارسات اسرائيل الممعنة في تجاوز القانون الدولي والاستمرار في خرق اي قرار اممي بما فيه القرار الاخير 1701 وها هي امريكا تسعي جاهدة اليوم لاستصدار قرار جديد من مجلس الامن يقر بموجبه تفويض القوة الدولية المرابطة في جنوب لبنان - قوة اليونيفيل - صلاحيات تؤمن مطالب اسرائيل الآتية والاساسية بالنسبة لنزع سلاح حزب الله بل ويخولها اطلاق النار علي رجال حزب الله اذا اعترضوا طريقها حتي وان لم يهاجموها بالسلاح مباشرة وهو ما اكدته وزيرة الدفاع الفرنسية مؤخرا.