لا شك أن تشتت النظام السياسي لأي دولة, ومن ثم ضعف الدولة نفسها, يؤدي إلي منغصات كثيرة, وفتح ملفات عالقة أو مغلقة تقريبا. والمثال الواضح هو الأزمة المستمرة المتعلقة بجزر الكوريل بين روسياواليابان. ويعتبر الرئيس الروسي الحالي ديميتري ميدفيديف أكثر رؤساء روسياالجديدة تعرضا للمآزق والامتحانات العسيرة.فمن حرب القوقاز الإقليمية, إلي أزمة عمدة موسكو الداخلية, ثم ظهور مشكلة جزر الكوريل مجددا. إضافة إلي عشرات الأزمات الأخري داخليا وإقليميا ودوليا. انتهت حرب القوقاز في أغسطس2008 بانتصار روسيا إقليميا ودوليا, والتأكيد علي قوة شكيمة ميدفيديف الذي يصمم الاعلام الغربي علي أنه مجرد تابع لبوتين وذلك لأهداف معروفة جيدا لم يتحقق أي منها الي الآن. وقام ميدفيديف بطرد عمدة موسكو يوري لوجكوف بطريقة مهينة, ما دفع الاعلام الغربي الي عمل مناحة كبري مصورا الأمر علي أنه خلاف بين ميدفيديف وبوتين. غير أن الحقيقة تتلخص في أن عمدة موسكو(74 عاما) حكم موسكو لمدة18 عاما أصبحت خلالها زوجته ثالث مليارديرة في العالم, وصار هو أبا روحيا للعديد من صفقات الفساد. وانتهي به الأمر إلي قراءة الواقع السياسي الروسي, رغم خبرته وحنكته السياسية, بشكل خاطيء فوقع بين حجري الرحي( ميدفيديف وبوتين). الآن يأتي الاختبار الياباني ليضع النقاط علي الحروف في قوة ميدفيديف من عدمها, ولا داعي هنا للحديث عن تناقضات بينه وبين بوتين, وهل سيأتي بوتين الي الكرملين من جديد. كل هذه تكهنات وتحليلات تصدع الرأس ومشابهة تماما لما كانت عليه الأمور قبل مجيء ميدفيديف إلي الكرملين. كان ميدفيديف ينوي زيارة جزر الكوريل الجنوبية في أقصي الشرق الروسي وهو في طريق العودة إلي موسكو من شنغهاي بعد زيارته للصين. غير أن الظروف الجوية السيئة اضطرته إلي تأجيل رحلته إلي الجزر فوعد بزيارتها في القريب العاجل. لكن أخبار الزيارة المزمعة أثارت عاصفة سياسية في طوكيو التي تري أن الجزر تابعة لها. وقام الجانب الياباني الرسمي بتقديم نصيحة الي ميدفيديف بالامتناع عن هذه الخطوة. أما وزير الخارجية الياباني الجديد سيجي مايهارا فذهب الي أبعد من ذلك, إذ من المعروف عن الوزير الشاب أنه اكتسب صفة الصقور في السياسة اليابانية بفعل تصريحاته المتشددة بشأن جزر الكوريل الجنوبية. لقد حذر مايهارا من ان العلاقات الروسية اليابانية ستصطدم بعوائق جدية في حال تمت زيارة ميدفيديف إلي جزر الكوريل. وعلي الفور هبت عاصفة في موسكو, وفي تصريح شديد اللهجة قال الناطق باسم الخارجية الروسية إن موسكو تعتبر من غير المقبول تقديم اليابان نصائح للرئيس الروسي بشأن اتجاهات زياراته في أراضي بلاده. وأضاف: يجب العودة بالذاكرة إلي أن الجزر المذكورة تعد جزءا من الأراضي الروسية وفقا للواقع القانوني الدولي الذي تشكل في أعقاب الحرب العالمية الثانية والمدرج في ميثاق الأممالمتحدة. بينما رأي خبراء أن رد الحكومة اليابانية الانفعالي خطأ تكتيكي سيجعل زيارة جزر الكوريل الجنوبية مسألة مبدأ بالنسبة للرئيس الروسي, وأن امتناعه عن القيام بهذه الرحلة سيفسح المجال لاتهامه بالضعف. إن قصة الخلاف حول تبعية جزر الكوريل الأربع( إيتوروب وكوناشير وشيكوتان وخابوماي) تشكل العائق الرئيسي أمام توقيع معاهدة سلام بين البلدين. لقد تم توثيق حق اليابان بهذه الجزر في7 فبراير1885 بتوقيع أول اتفاق روسي ياباني حول التجارة وترسيم الحدود. وانتقلت السيطرة علي الجزر الي موسكو بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية, وانتشرت فيها القوات السوفيتية بين شهري أغسطس وسبتمبر عام1945. وفي2 فبراير عام1946 تم ضمها رسميا إلي أراضي الاتحاد السوفيتي. وفي8 سبتمبر عام1951 وقعت في مدينة سان فرانسيسكو معاهدة سلام بين اليابان والحلفاء تخلت طوكيو بموجبها عن حقها بجزر الكوريل. تجدر الإشارة الي أن الاتحاد السوفيتي لم يصادق علي هذه المعاهدة, بينما أصرت اليابان علي أنها لم تقصد التخلي عما تسميه المناطق الشمالية في19 أكتوبر عام1956 تم توقيع إعلان مشترك بين اليابان والاتحاد السوفيتي ينهي حالة الحرب. وبموجب هذا الاعلان وافقت موسكو علي تسليم طوكيو جزيرتين من الجزر الأربع بعد توقيع معاهدة سلام. غير أن تمديد اليابان لاتفاقيتها الامنية مع الولاياتالمتحدة في1960 جعل الحكومة السوفيتية ترفض النظر في قضية الجزر خشية أن تنتشر فيها قوات أمريكية. وبقيت قضية الجزر مجمدة حتي زيارة الرئيس السوفيتي ميخائيل جورباتشوف إلي طوكيو عام1991 واعترافه بوجود خلاف حدودي. لا شك أن الولاياتالمتحدة تلعب هنا دورا مهما وخطيرا, وإن كان غير مباشر إلي الآن. إذ ان القيادة اليابانية تستند إلي دعم الولاياتالمتحدة التي تلزمها اتفاقية التعاون الصادرة في عام1997 بمساعدة اليابان في حفظ أمنها. وبالتالي تبنت طوكيو في24 نوفمبر2009 وثيقة تؤكد أن روسيا تحتل جنوب الكوريل. الرئيس الروسي أكد أنه سيزور جزر الكوريل كونها منطقة مهمة جدا في بلدنا. جاء هذا التصريح بصرامة شديدة مؤكدا لا قوة شكيمة ميدفيديف فحسب بل قوة الدولة ونظامها السياسي أيضا ويبدو أن التصريح موجه أيضا الي كل الآملين في دق اسفين بين ميدفيديف وبوتين, أو الذين ينتظرون ضعف الدولة ونظامها السياسي لفتح الصناديق القديمة.