يبدو أن الملف الايراني سيظل عالقا لسنوات كثيرة مقبلة, والمقصود هنا ليس الملف النووي, ولكن الملف الايراني كمشروع, ففي أوج التصريحات الدولية الحادة ضد طهران, فوجئنا بتصريح مهم للسفير الامريكي في موسكو جون بايرلي يعلن أن واشنطن تعتقد ان المسائل المتعلقة بالبرنامج النووي الايراني قابلة للحل بأساليب دبلوماسية وقال ايضا: إننا متمسكون بفكرة ايجاد حل دبلوماسي للمسألة الايرانية وأضاف: لابد من ممارسة ضغط اضافي علي ايران من اجل حملها علي تغيير مخططاتها الاستراتيجية. ورأي ان تهرب إيران من التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الزرية وعدم رغبتها في إظهار الجوهر السلمي لبرنامجها النووي يثير قلقا لدي الولاياتالمتحدة والمجتمع الدولي بأسره. هذا التصريح صدر يوم24 فبراير الماضي, وفي مساء نفس اليوم اتصل بي اكثر من شخص يعمل في مجال الإعلام ليتأكد من تصريحات روسية تدور حول تراجع موسكو عن دعم اي قرارات ستصدر من مجلس الأمن بعقوبات ضد طهران, ويبدو أن تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف, التي أعلنها في اليوم التالي25 فبراير, تسربت بشكل مشوه, فقد أعلن لافروف أن روسيا تقف ضد فرض عقوبات علي طهران من شأنهاجلب الضرر لهذا البلد, ومع ذلك لم يستبعد تبني عقوبات بسبب عدم رغبة إيران في اقامة تعاون أوثق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية, لافروف فسر هذا التصريح بأنه في حال كانت العقوبات بهدف يخرج عن إطارمهمات منع انتهاك نظام حظر الانتشار النووي, فإن ذلك سيؤدي إلي تعقيد العمل في هذا الموضوع, ونحن اي روسيا, لانريد تمرير أهداف أخري تحت ذريعة عدم الامتثال لنظام حظر الانتشار النووي, بما في ذلك خنق إيران. وأشار في سياق الحديث, إلي أنه لا يوجد لدي روسيا شك في أن ايران تمتلك نفس الحقوق التي تمتلكها الدول الأخري الموقعة علي معاهدة عدم الانتشار بما في ذلك الحق في تخصيب اليورانيوم. يوم25 فبراير شهد ايضا تصريحا موازيا من جانب الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف, حيث دعا إيران إلي التعاون مع المنظمات الدولية, وأعرب عن اعتقاده بأن المخرج من هذا الوضع يكمن في السلوك المسئول من جانب إيران نفسها, وقال ميدفيديف ايضا: بالطبع هذه المشكلة تثير قلق الجميع الآن, وتأكدت من ذلك خلال حديثي مع قادة دول الشرق الأوسط والدول الاوروبية, وطبعا روسيا ايضا قلقة من ذلك, إيران ليست بعيدة عنا وهي جارتنا, وإذا حدث اي شيء سيكون سببا في كارثة انسانية, ناهيك عن مشاكل اخري بالنسبة للمنطقة بأسرها. الولاياتالمتحدة واضحة تماما في مساعيها, وقادرة علي تحديد ما يقلقها, ولديها القوة علي مواجهته بصرف النظر عن اختلافنا او اتفاقنا معها, لكن التصريحات الروسية غير واضحة علي الإطلاق, ولا يمكن التعامل معها بجدية, كما تؤكد لنا علي الأقل, التعاملات الايرانية إلا إذا كان الهدف هو تمييع الأمور واللعب خلف الأبواب المغلقة, دعنا من ان روسيا تستخدم ايران كورقة مساومة مع الولاياتالمتحدة وأوروبا, ودعنا من أن روسيا تضغط علي إيران في قضايا ثنائية عالقة مثل تقسيم قاع بحر قزوين, ودعنا أيضا من ان روسيا تستخدم الورقة الإيرانية للضغط علي منطقة الخليج العربي والعراق, ودعنا من أن روسيا قلقة من انفراجه بين إيران وأوروبا تسمح للأخيرة بتنويع مصادر الطاقة ودخول الاسواق الايرانية, مع العلم بأن إيران تستخدم الكثير من هذه المحاور ايضا, بل وتعول علي الغرب والولاياتالمتحدة في حل مشاكلها, ولكن إذا نحينا كل ذلك جانبا, سنجد ان الولاياتالمتحدة لديها اهدافها الواضحة في المنطقة, اما روسيا فتفضل المناورات والمساومات, ولكن لماذا؟ لقد تمكنت الهند وباكستان واسرائيل من تنفيذ مشاريعها النووية في ازمنة وظروف مختلفة استغلت فيها التناقضات الدولية, فقام الاتحاد السوفيتي بدعم الهند ضد حلف الناتو والصين, وقامت الولاياتالمتحدة بدعم باكستان في مواجهة المد الشيوعي, كما دعمت اسرائيل في مواجهة حركات التحرر العربية من جهة, والمد الشيوعي في المنطقة من جهة اخري, علما بأن الهند وباكستان بدأتا مشروعهما النووي عام1975, اما مصر علي سبيل المثال, فقد بدأت مشروعها النووي في نهاية خمسينيات القرن العشرين حيث سار بخطوات بطيئة او متعثرة, وأوقف عام1984 بعد انفجار مفاعل تشيرنوبل. من الواضح ان المشروع النووي الايراني هو جزء من مشروع وطني ضخم توظيف له إيران كل المقومات اللازمة, ومن الواضح ان الولاياتالمتحدة, والغرب يدركان ذلك جيدا. ومن الواضح ايضا أن الطرفين ليس لديهما القدرة الكافية, في ظل الظروف الدولية القائمة, علي سحق هذا المشروع, وبالتالي فهما يستخدمان روسيا نفس الاستخدام التاريخي الذي نفذته الامبراطورية البيزنطية في صراعها مع العرب علي منطقة ما وراء القوقاز, وتحديدا في أرمينيا في نهاية عصر أبي بكر الصديق وبداية عصر عمر بن الخطاب وهو نفس الاستخدام في ضرب مشروع محمد علي وتحطيم الاسطول المصري لأن فرنسا وبريطانيا وتركيا لم تتمكن من ذلك فاستعانت بتلك القوة التي لا تستطيع الا أن تكون عاملا مساعدا فقط, اما تأسيس اسرائيل علي يد الاتحاد السوفيتي( وليس الولاياتالمتحدة التي رفضت المشروع ثلاث مرات متتالية) فكان خطوة لضرب المشاريع الوطنية لكل دول المنطقة. هل فعلا البرنامج النووي العسكري لطهران هو ما يقلق روسيا والغرب؟ لاشك ان عسكرة المنطقة نوويا من جانب اسرائيل او ايران امر مرفوض لانه سيقود المنطقة إلي كارثة حقيقية, لكن اسرائيل التي اسسها الاتحاد السوفيتي وتلقفتها الولاياتالمتحدة خارج الحسابات, بينما ايران تنتظر مصيرها المحتوم, وقد تكون روسيا هي القفاز حتي إذا تنازلت طهران عن برنامجها النووي العسكري.