أعتقد أن( نجلاء محرم) كتبت أغلب قصص هذه المجموعة في شارع القائد وهي في غير حضور ذهني, أبعدها عن الكتابة التقليدية أو الكلاسيكية, وهذا ما ترمي إليه الكتابة الحديثة وهذه المجموعة التي نحن بصددها, نحاول أن نسهم بقدر ما في إظهار ما لدي الكاتبة من امكانات نتابعها في كتاباتها المتعددة والمتطورة في مجال القصة القصيرة. ومن خلال تواصلنا مع الكتابات القصصية لنجلاء محرم نجد أنها تختلف بتكنيك قد لايتشابه مع الكثير من كتاب القصة المعاصرة, بمعني أن لها بصمة تميزها عن غيرها, وهذا يتضح جليا في رصانة اللغة, وصياغة العبارة, وغزارة الدلالات, وطرح الرؤي والأفكار, مع إجادة عنصر التشويق, وقدرتها علي الحكي, واتقانها للحبكة الفنية, واستخدام الخيال. إن نجلاء محرم في هذه المجموعة, استخدمت التناص مع التراث في كثير من الحكايات ومزجته بالواقع, بما يشف عنه من أحداث وقضايا وإشكاليات, جعلته مناسبا لكتابة عصرية, وهذا التوظيف الذي مارسته في كتابة قصصها, جعلها تحلق في الخيال لتقطع منه مايناسب الحكاية ويعلي من قيمتها. وتحفل المجموعة ببعض القصص القصيرة جدا, امتازت بالتكثيف الشديد, وبالدلالات المعبرة عما فيها من رمزية. كما أنها استطاعت طرح مايشغل الكثير من الكتاب, وهي فكرة الصراع بين الخير والشر, بين النور والظلام, وقدرة الخير والنور علي الانتصار علي الشر والظلام, ووفقت في هذا. ويمكننا الإشارة إلي الصدق الفني الذي يميز هذه الكتابة, ويجعلها قريبة جدا من المتلقي, ومن الناس علي مسرح الواقع. وفي قصة( ونعاهم جحا) مايحقق الدهشة للقارئ ويفيده, فقد امتزجت الحكاية التراثية بالواقع المعاش. لذا نقول: يدور الزمان دوراته, ويقلب مافيه, ولاتنتهي مادته وعجائب حكاياته, ولاينضب معينه الإنساني والنصب والاحتيال تطور بتطور ثقافة الإنسان, و( جحا) في التراث له من الحكايات المدهشة والساخرة والمضحكة والباكية, ولكن كل حكاية قد تهدف إلي غاية أو هدف, وليست الحكايات لمجرد التسلية وتضييع الوقت. واستطاعت( نجلاء محرم) أن تبني هذه القصة علي فكرة النصب والاحتيال والاستخفاف بعقول الناس, والحكاية تحمل في مضمونها الكثير من الدلالات, ويهمنا في هذا أن نشير إلي هذا الإسقاط الخطير, فالقصة ترمي إلي أبعد من أنها حكاية قد تقف علي باب التسالي وتضييع الوقت كما ذكرنا, ولكن نراها تصنع هذا الإسقاط السياسي والاجتماعي وتشير إليه, فتطرح الحاكم الذي يستخف بعقول رعيته, أو الساحر الذي يستخف بعقول الناس, كما فعل فرعون بأهل مصر قبل مجيء( موسي) عليه السلام, وكما فعل( السامري) بقوم( موسي) في غيابه.. عندما انقطع لعبادة ربه.. وهناك الكثير من الناس يصدق الكذب ويبتلعه. ومايدهشني في هذه القصة هذا البناء الفني المتماسك, واستخدام عنصر التشويق, والمزج بين التراث والواقع والخيال, وقدرة الكاتبة علي وضع القصة في إطار بمدخل حددته هي لدخول القارئ, وأيضا صناعة المخرج بحرفية والذي يمكن للقارئ الخروج منه, وذلك ليس في هذه القصة فقط, وإنما توفر ذلك في قصة( لماذا يا مرجانة), وفي قصص كثيرة في هذه المجموعة. وهناك أيضا بعض القصص تفتح أبواب التأويل, وهذه قدرة أخري, وطريقة جيدة لإشراك القارئ والناقد في التفسير والتحليل, لتتباين الآراء حول النص. إن هذه الكاتبة نجلاء محرم وضعت نفسها بحق بين كتاب القصة القصيرة المتميزين. نبيل مصيلحي/ الشرقية