لعبت الكونغو الديمقراطية دورا كبيرا في الجغرافيا السياسية في قارة افريقيا فقد كانت الكونغو جسرا لنقل التجارة والسلع بين العرب والدول الأفريقية من خلال حوض الكونغو وذلك في القرن التاسع عشر وحتي لتجارة العبيد التي وضع الاحتلال البلجيكي نهاية لها كما لعبت الكونغو دورا كبيرا في مغامرات الرحالة صموئيل بيكر في عام1865 وديفيد ليفينجستون عام1866 خلال رحلاته ومغامراته الشهيرة في الكونغو الكبري كما كانت الكونغو الديقراطية موضوعا تصدر المشاورات الدبلوماسية المكثفة خلال الصراع الغربي لتقسيم القارة السمراء والذي تضمن اتفاقيات مياه النيل وحماية موارد النهر العظيم بين الكونغو الحرة والحكومة البريطانية عامي1896 و1906 خلال الفترة مابعد الاستعمار عندما تم التوصل لاتفاقيات بواسطة دول حوض النيل وخلال الصراعات والنزاعات الأخيرة حول الموارد الطبيعية لحوض النيل. وفي دراسة صدرت في كتاب باللغة الانجليزية صادر عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة بعنوان نهر النيل ومرحلة مابعد الاستعمار تحرير خبير المياه العالمي والمتخصص في دراسات مياه نهر النيل واستاذ الجغرافيا في جامعة برجن واستاذ العلوم السياسية في جامعة اوسلو: ذكر رافيل ام تشيمانجا المحاضر في قسم الموارد الطبيعية بكلية الزراعة بجامعة كينشاسا بجمهورية الكونغو الديمقراطية والمتخصصة في بحوث المياه. نهر شيلونجو يشكل الحدود السياسية للكونغو برازفيل والكونغو وأنجولا فيما ينبع حوض نيل الكونغو من نهري لولابا ولوفيرا جنوب شرق اقليم كاتانجا ويمثل90% من النظام الهيدروليكي للكونغو وهناك نهر شاميزي الذي ينبع من الشريط الواقع بين بحيرتي ألبرت وتنجانيقا. وتضمن تاريخ الاحتلال البلجيكي في الكونغو والألماني في بوروندي ورواندا وتنجانيقا والفرنسي في شمال أوبانجي والبريطاني في أوغندا والسودان: توقيع عدد من الاتفاقيات المتعلقة بتقسيم مياه النيل وتطوير المشروعات الخاصة بإدارة موارده ومنها اتفاقية عام1906 بين بريطانيا ودولة الكونغو الحرة والتي تضمنت تعديلات للإتفاقية الموقعة في مايو1894 والاتفاقية البريطانية الكونغولية في عام1906 تهدف الي ازالة أي عراقيل أمام تدفق مياه النيل ووضع اجراءات تساعد علي عملية الملاحة والابحار ونقل البضائع عبر مياه النيل. وبالرغم من المناقشات التي جرت بين دول حوض النيل حول تلك الاتفاقية واعتبار بعض هذه الدول الاتفاقية غير عادلة إلا أن موقف واتجاه الحكومة الكونغولية منذ الاستقلال كان مختلفا فلم تبد كينشاسا أي اهتمام بندرة المياه في المنطقة المحيطة بنيل الكونغو. التطوير الاقتصادي والسياسي: اعتمدت عملية تطوير حوض نيل الكونغو علي عوامل اقتصادية واجتماعية ضرورية ومهمة لعملية التوسع ولأغراض شملت السياحة وانتاج الطاقة والملاحة والصيد والزراعة. ويمكن رصد تطور مؤسسات وهيئات المياه في الكونغو في مرحلتين تبدأ الأولي من الاستقلال في عام1960 فخلال الفترة من عام الاستقلال الي عام1965: احتفظت الجمهورية الأولي في الكونغو بإطار عمل تم توارثه من النظام الاستعماري وعندما تولت الحكومة الجديدة السلطة في عام1965 كان هدفها الأول هو بسط سلطتها وسيطرتها علي مقاليد وأمور البلاد وتضمن ذلك عملية التزئير وهي مثل عملية التمصير التي دعت للحفاظ علي الهوية الأساسية للبلاد والتمسك بالقيم الاصلية. وكان الانجاز الوحيد لتلك الحكومة هو تأميم جميع الممتلكات الأجنبية وفقا لقانون باكاجيكا. وامتدت المرحلة الثانية الي25 عاما حتي اقامة الحكومة الانتقالية وإقرار ألية لنظام ديمقراطي وهذا تم تحقيقه بشكل رسمي عام2007 بتنصيب أول رئيس ديمقراطي منتخب. وخلال تلك الفترة اكتسبت مؤسسات وهيئات المياه طابع الاستقلال وجاء التطور الأكبر في دخول الكونغو قانون المياه الدولي. سياسات ومؤسسات المياه في مرحلة مابعد الاستعمار. وعند الاستقلال: كانت الموارد الطبيعية للكونغو تخضع لحقوق الملكية الخاصة مثل ملكية الأراضي وقد وضعت الادارة الاستعمارية حدودا لأراضي الريف وأعلنت الأراضي التابعة للدولة ولملكيتها وقدمت نظاما لتسجيل الأراضي والملكية الخاصة هدف وضع حدود علي الانتفاع التجاري للأراضي وفي عام1973 ومع صدور قانون باكاجيكا: حصلت الحكومة علي جميع الحقوق والسيطرة الكاملة علي جميع الموارد الطبيعية التي تزخر بها البلاد. وتتوزع مسئولية ادارة المياه في الكونغو الديمقراطية بين عدة وزارات بتنسيق محدود هذه الوزارات تشمل المياه والبيئة والحماية الطبيعية والغابات والتنمية الريفية والغابات والطاقة والأعمال العامة والصحة والتخطيط حيث هناك اقسام في كل هذه الوزارات تضطلع بهمام ادارة موارد المياه وهذا يشمل مديرية المياه والبرنامج القومي للصحة التابع لوزارة البيئة القومية الهيدرولكية الريفية التابع لوزارة الطاقة. وتم دعم وتعزيز ادارة موارد المياه بحزمة من القوانين معظمها يعود للحقبة الاستعمارية وقد تطرقت تلك القوانين لملكية موارد المياه وفقا لقانون باكاجيكا في عام1973 والذي تم تعديله واستكمال صياغته في يولية عام1980 كما عالجت تلك القوانين الطبيعية القانونية لحقوق المياه والاستخدام الفعال والأكثر فائدة للمياه وضرورة احترام الاستخدامات الحالية واستحقاقتها العرفية كما تطرق القانون الي كمية وجودة موارد المياه. وتنتمي موارد المياه في العرف والتقاليد الي فكرة تعكس اعتقادا عاما وهو ان المياه خير للجميع وحقوق استخدام المياه والانتفاع بها هي حقوق ممنوحة للأفراد والهيئات وفقا لموارد الدستور الوطني وترتبط حقوق المياه بحقوق الأراضي وتملكها ومعيار الاستحقاق يتم علي اساس طاقة الانتاج بدون اي عملية نقل. لتلك الحقوق بالاضافة إلي اطار عمل تشريعي حدد الواجبات والوظائف لهيئات استخدام إدارة المياه والخدمات التي تقدمها ويتم تحديد أهداف إدارة موارد مياه النيل علي المستوي القومي كما في سياستها للأقاليم والمقاطعات والمياه التي تقسم أو تعبر الحدود ليست شاملة وأن هناك حدودا لعملية توحيد السياسيات ولامركزيتها كما يتم استخدام الحوافز الاقتصادية وحشد القدرات والامكانات لمواجهة أي تحديات محلية. كما أن الأولويات في استخدام المياه أو خطط تقسيمها لحصص في فترات الجفاف لاتحظي بالاهتمام وببساطة لايتم عمل حساب وتشمل عملية حماية المياه اجراءات تصحيحية ووقائية وتشمل الاجراءات التصحيحية متطلبات ومعايير تقنية للتعامل مع أي عمليات تلوث والسيطرة علي مصادر محددة واخري عشوائية لكن دون التعامل مع أليات وأدوات اقتصادية أو معايير جودة يتم تحديدها وفقا للاستخدام الحالي أو المتوقع. وينبغي التأكيد هنا علي أن سياسة الكونغو الديمقراطية بشأن موارد المياه تتم صياغتها وفقا للإتفاقيات والمعاهدات الدولية التي انضمت اليها واعترفت بها. اطار عمل للتعاون شهد التحرك نحو وضع إطار عمل للتعاون بين دول حوض النيل منذ ستينيات القرن العشرين خطوات وتحولات أساسية أولها هيدرومت والتي جاء استجابة للزيادة المفاجئة وغير المتوقعة لمياه النيل والتي وصلت لأكثر من20% والتي حدثت في الفترة مابين عامي1961 و1964 مما أدي لفيضانات في منطقة البحيرات وكوارث في السودان ولتحسين التعاون لمواجهة الكوارث الناجمة عن زيادة منسوب المياه: أطلقت مصر والسودان مبادرة أندوجو وتعني الأخوة باللغة السواحلية في عام1983 وعقد أول لقاء للمنتدي في الخرطوم بدعم مؤسسي من الكونغو الديمقراطية واوغندا وأفريقيا الوسطي وأثيوبيا وكينيا وتنزانيا التي اكدت دورها كمراقب وكان هدف منتدي الخرطوم تعزيز التعاون في مجالات الثقافة والبيئة والاتصالات السلكية والطاقة الكهربائية والتجارة وتنمية موارد المياه وعلي الصعيد التقني وقد تركز اللقاء علي خطة عمل أندوجو لحوض النيل. ومع اقتراب نهاية هيدرومت: اتفق وزراء ري مصر والسودان وتنزانيا وأوغندا والكونغو الديمقراطية ورواندا خلال اجتماع في كامبالا في ديسمبر1992 لإنشاء تكنونايل والتي خلفتها مبادرة دول حوض النيل التي كانت أكثر مرونة واكثر فاعلية من تكنونايل. وتشمل مبادرة حوض النيل مجلس وزراء شئون المياه لدول حوض النيل والذي يتخذ القرارات في جميع قضايا ومسائل النيل كما تضم المبادرة اللجنة الاستشارية التقنية التي تقدم النصائح التقنية والمساعدات الفنية لدول الحوض كما تضم المبادرة سكرتارية الحوض والتي تقدم الخدمات الادارية وهناك برنامج الرؤية المشتركة وبرامج التحرك الاستراتيجي. وقد صار من الأمور اليقينية أن الكونغو الديمقراطية لم تتخذ موقفا مختلفا من مياه النيل وأنه منذ الاستقلال لم تتخذ البلاد خطة تنمية شاملة للمياه أو حتي للجزء الخاص بحوض نيل الكونغو الذي يضم بحيرة ادوارد ونهر السمليكي وبحيرة البرت لكن بالرغم من ذلك كان هناك سجل طويل من الاهتمام الكونغولي بالمياه وعقب وفاة اميري باتريك لومومب, هدد الرئيس الزائيري موبوتو بتحويل مياه النيل الأبيض في الستينيات من القرن الماضي: إذا اتخذت مصر والسودان موقفا عدائيا من حكومته. وفي عام1997 وخلال حكم الرئيس لوران ديزيري كابيلا, قررت هيئة الطاقة اطلاق مبادرة لانتاج الكهرباء في اقليمي ايتيرو وشمال كيفو وتم حشد التمويل لكن المشروع مازال في مراحله الأولي رغم الانتهاء من دراسات الجدوي الخاصة به لكنه من المتوقع ان يثير قلقا اقليميا بسبب انه سيؤثر علي تدفق نهر السمليكي وقد اتخذها كابيلا موضوعا مهما لحملته الانتخابية. كما تحسنت علاقات الكونغو مع أوغندا مع اطلاق مشروعات الصيد. خطط تنمية الحوض تشهد الكونغو الديموقراطية اصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية كبري بهدف يتركز علي مكافحة الفقر وتخفيف أعداد الفقراء وتحقيق التنمية الاقتصادية ويتم حاليا اجراء اصلاحات مهمة في قطاع المياه كما تم اقرار استراتيجيات لمعالجة قضايا المياه علي كل المستويات وتنمية الموارد البشرية والمؤسسية. وأخيرا فإن الكونغو دولة نفطية حيث تصل احتياطات النفط إلي مليار برميل يتوقع وجودها في حوض ألبرتين وفي عام1990 تم توقيع عدد من اتفاقيات التنقيب عن النفط مع عدد من شركات النفط العالمية لكن هذه الاتفاقيات رفضتها الحكومة المنتخبة ديمقراطيا. وهكذا فالكونغو تزخر بموارد طبيعية ولديها خطط طموح لادارة موارد المياه كما ان حوض نيل الكونغو يمثل موارد مهمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لكن بالرغم من الطموحات التي يفتحهاحوض نيل الكونغو لمشروعات الري والطاقة والملاحة والصيد الا أن سياسات الحكومات عقب الاستقلال لم تتضمن خطط تنمية للاستخدام الفعال لموارد المياه فالنيل يواجه تحديات عديدة مثل الضغوط السكانية والحروب والاضطرابات المسلحة وظاهرة التغير المناخي والتي جميعها تشكل خطرا كبيرا علي عملية التنمية رغم أن الهيكل المؤسسي الاقليمي سوف يعزز الاستخدام الفعال والمستمر لموارد المياه.