img border='0' alt='بعثة الأهرام المسائي تدخل: جهنم إفريقيا.. الكونغو 'جهنم إفريقيا'.. هكذا يطلقون عليها..!!' title='بعثة الأهرام المسائي تدخل: جهنم إفريقيا.. الكونغو 'جهنم إفريقيا'.. هكذا يطلقون عليها..!!' src='/MediaFiles/7006_43m_3_7_2010_47_19.jpg' ليس لسخونة شمسها التي سرعان ما تلفح وجه زائرها ما أن يخطو بقدميه خارج مطار' كينشاسا'..!! وليس لجنون أسعارها الذي يصيبك حتما بالدهشة بعد أن كنت قد ظننت أنك في زمن فقدت فيه قدرتك علي التعجب والاستغراب..!! وليس لحالة الفوضي والحروب وكم الرصاص ونزيف الدماء الذي اندثر علي أرضها في معارك أهلية استنفدت كل طاقاتها ومواردها..!! وليس لتوحش حالات الاغتصاب الجنسي لفتياتها السمراوات اللاتي نجحن بجدارة في أن تحصل دولتهن علي لقب' عاصمة الاغتصاب' في العالم!! ولكن لما يغلي في أحشائها ويثور غاضبا متفجرا بكل ماهو نفيس ونادر ونقي وخالص ولامع وكريم هي جهنم' المعادن' بدءاي بالذهب والألماس مرورا بالتالنتيوم والكولتان والكتريت وحتي النحاس واليورانيوم والملاكيت.. هي شعوب البانتو وقبائل التوتسي هي بلد لومومبا وتشومبي وموبوتو وكابيلا الأب وأخيرا الإبن.. هي زائير سابقا هي الكونغو الديمقراطية. الطريق إلي دولة الكونغو لم يكن بالنسبة إلينا سهلا علي الإطلاق.. عطل فني صغير في طائرة الخطوط الجوية الكينية التي لم تقلع من مطار القاهرة إلا بعد ميعادها بأربع ساعات كان كفيلا بأن يجعلنا نفقد طائرتنا التي ستقلع من مطار' جوموكينياتا' بالعاصمة الكينية' نيروبي' والمتجهة إلي مطار العاصمة الكونغولية' كينشاسا'.. كانت المفاجأة التي نزلت علي رءوسنا كالصاعقة هي ماقالته لنا الموظفة الكينية بمطار' نيروبي' بأن موعد الطائرة المقبلة التي ستطير بنا إلي كينشاسا هو مساء اليوم التالي.. والحق لم تطل فترة صدمتنا خاصة عندما علمنا بأن الخطوط الجوية الكينية سوف توفر لنا فندقا في قلب العاصمة نيروبي بل وستجعلنا نحصل علي تأشيرة دخول كينيا من مطار' جوموكينياتا'..' كل تأخيرة فيها خيرة' وإن علمتم الغيب لاخترتم الواقع.. هكذا حدثنا أنفسنا طوال الطريق الي الفندق في قلب العاصمة الكينية التي لم نر منها سوي الظلام وبعض من ضوء خافت.. فقط استسلمنا بأجسادنا المنهكة إلي نوم عميق انتظارا ليوم جديد نطير عبر ساعاته إلي المنشودة..' الكونغو الديمقراطية'!! ديجو.. شتانلي 4 ساعات من مطار' نيروبي' إلي مطار' كينشاسا' وقت كفيل بأن يجعلني أتأمل تاريخ هذا البلد الذي دنوت من الوصول إليه..!! تاريخ مليء بالأحداث والشخصيات والانقلابات والثورات والمفاوضات والحروب الأهلية التي أودت بها إلي الهاوية سنوات طويلة..!! بلد حكايته حكاية بدأت من عند الملاح البرتغالي' ديجو' الذي كان أول أوروبي يلتقي بملك الكونغو' أنطونيو' عام1487 لتقوم بعد ذلك علاقات وثيقة بين الكونغو والبرتغال بعدها أدرك ملك الكونغو أن الوجود البرتغالي يشكل خطرا علي بلاده خاصة بعد انتشار تجارة العبيد في إفريقيا وفرض مد امتياز استثمار المناجم البرتغالي فما كان به سوي الموت عام.1665 من هنا بدأت مرحلة أخري في تاريخ هذا البلد مع' شتانلي' الإنجليزي الذي أدرك ثروات الكونغو وحاول أن يدفع الحكومة البريطانية لاستغلال هذه الثروات ولم يفلح فلجأ إلي بلجيكا التي تمكن ملكها' ليوبود' من الحصول علي اعتراف من زعماء أوروبا بحقه الشخصي في ملكية الكونغو عام1885 ليستمر20 عاما في استغلال هذا البلد واستنزاف موارده لصالح بلجيكا.. زائير سابقا ومع الاحتلال ظهرت الحركات الكنغولية المطالبة بالاستقلال وظهرت العديد من المنظمات أشهرها منظمة' اباكو' والتي كان من أبرز قياداتها' لومومبا' الذي ألقي القبض عليه وسجن عام1959 وسرعان ما إندلعت الاضطرابات في كل أنحاء الكونغو إلي أن عقدت إنتخابات وتأسست جبهة الإتحاد الوطني ليصبح' كازافوبو' رئيسا للكونغو, وبارتس لومومبا رئيسا لحكومتها في نفس الوقت الذي يستقل فيه تشومبي بأقليم' كاتنجا' عن بلجيكا.. لتزيد القوات الدولية وتزيد معها أعداد المرتزقة وتسوء العلاقات بين لومومبا وكازافوبو ويقوم رئيس الأركان' سسي سيكو' بانقلاب يسيطر فيه علي البلاد ويعتقل لومومبا ويقتل في عام1961 لتدخل الكونغو مرحلة جديدة من الفوضي تدوم لخمس سنوات وتدهورت الأوضاع الاقتصادية وفرضت حالة الطوارئ ونزل الجيش للشارع لقمع الناس الي أن تدخل موبوتو قائد الجيش وحل البرلمان وألغي الأحزاب وأسس الحركة الشعبية للثورة عام1967 وبني للومومبا تمثالا في كينشاسا وأطلق عليه لقب شهيد الاستقلال الأول وغير اسم زائير إلي الكونغو. تاريخ دموي وواجه الرجل ثورات وانقلابات كان آخرها عام1996 التي تزعمها كابيلا وتمكن فيها من السيطرة علي البلاد لتثور الانقلابات ضده ويطلق أحد رجاله الرصاص عليه عام2001. ولم تهدأ الثورات والحركات الانفصالية والحروب الاهلية خاصة في شرق الكونغو التي يعاني منها الرئيس الحالي كابيلا الابن الذي يعد أصغر رئيس جمهورية فهو من مواليد1970 كينشاسا صوت كابتن الطائرة معلنا وصولنا لمطار كينشاسا كان كفيلا بأن يجعلني أفيق من استرجاع تاريخ هذا البلد. مطار صغير فقير لا يرقي إلي أن يكون محطة أتوبيس درجة ثالثة وليس مطار عاصمة دولة كبيرة مثل الكونغو. هذا هو أول انطباع ارتسم في أذهاننا ما أن دخلنا كينشاسا. ' إيهاب عبده' الملحق الاداري بالسفارة المصرية كان أول من استقبلنا بل وأنهي لنا إجراءات دخولنا إلي الكونغو بسرعة لا مثيل لها.. خاصة أننا بالتأكيد كنا سنفشل في التفاهم مع الكونغوليين لأنهم لا يتكلمون سوي اللغة الفرنسية التي بالطبع لا نجيدها.. لفحة شمس كينشاسا من الصعب أن تنساها فهي تمنحك درجة من درجات السخونة والغليان خاصة عندما تعرف أن درجة الحرارة تصل إلي50 درجة مئوية. المشروب الرسمي رائحة غريبة تغزو صدري لتتغلغل في رئتي دون أي استئذان إنها رائحة الكحول أو' السبرتو' أو بالأولي رائحة البيرة الكونغولي التي يشربها الجميع بلا استثناء بل يقال إنهم لا يشربون المياه وأن البيرة هي البديل المشروب الرسمي والأساسي. نظرة سريعة من شباك السيارة تستطيع من خلالها أن تتعرف علي ملامح هذه الدولة. وجوه فقيرة.. وأجساد نهشها الحرمان.. وأكواخ يطلقون عليها منازل وماهي إلا غرف أو زنازن تحبس فيها أرواح..! لا تستطيع سوي أن تضبط نفسك متلبسا وأنت تبتسم قائلا بأن سكان قبور مصر القديمة وعشوائيات منشية ناصر والدويقة التي انهارت صخورها فوقهم ماهي إلا فنادق خمسة نجوم إذا ماقارنتها بتلك الأكواخ التي أراها بعيني والتي لا تصلح حتي كحظيرة للحيوانات..! وجوه الفقر أما الطريق من المطار إلي الفندق الذي حجزت لنا فيه السفارة المصرية فيصعب علي القلم وصفه.. بل لا أبالغ عندما أقول بأنه ذكرني برحلتي إلي أفغانستان وتحديدا الطريق من مدينة جلال أباد إلي كابول.. كان طريقا مهشما مهلهلا لايوجد فيه منطقة صالحة للسير وإنما يدل علي ضعف إمكانيات وحرمان وفقر وإحتياج شديد لمد يد العون والمساعدة وبالطبع مع الزحام الشديد الذي يغلب بجدارة زحام القاهرة لا تفكر في وجود أي مرور.. فالعشوائية والفوضي والإزعاج والتراب والكحول والكلاكسات التي تتداخل أصواتها فتصيبك حتما بالصمم من كثرة إزعاجها فتجعلك تكاد تفقد أعصابك ولسان حالك يقول' علي بلدي المحبوب وديني'. عندما بدأت السيارة تأخذ منحني آخر ارتاحت فقرات عظام ظهورنا من' رجرجة' الطريق.. فأدركنا أننا كنا في أطراف العاصمة الكونغولية وحان الوقت لندخل إلي قلب المدينة.. نار.. بالدولار كلام الملحق الإداري بالسفارة المصرية في كينشاسا صحح لنا معلوماتنا عندما قال دخلنا الآن منطقة' بومبي' وهي أفضل المناطق في العاصمة لأنها ببساطة تضم السفارات والفنادق أما بقية الطرق في البلد فهي كمثيلاتها التي مشينا فيها طوال طريق المطار..!! في الفندق كانت المفاجأة ثقيلة عندما صدمنا عامل الريسبشن قائلا أن الغرفة ب250 دولارا ومن أجل السفارة المصرية سيعطيها لنا ب200 دولار.. الأزمة لم تكن في سعر الغرفة الواحدة.. بل في أن الفندق لا يتعدي نجمة واحدة.. بل يشبه إلي حد كبير' بانسيونات' وسط البلد التي ربما يدفع فيها مرتادوها15 جنيها للغرفة. ولكن والكلام علي لسان' إيهاب' هنا أكثر المناطق أمنا في العاصمة حتي أن منزل الرئيس كابيلا في نفس الشارع!! لم نفكر كثيرا وبلا تردد القينا بحقائبنا في الغرف وانطلقنا إلي قلب العاصمة كينشاسا لنري ماذا تخفي لنا.. ؟! إضراب طلبنا من الملحق الإداري بالسفارة أن نأخذ جولة سريعة في أرجاء العاصمة الكونغولية.. إلي أن يحين موعدنا بزيارة سفير مصر في كينشاسا' محمد عز الدين فودة' وبقية أعضاء السفارة.. رحب الرجل بل واقترح علينا أيضا أن ندخل أحد السوبر ماركتات لنشتري بعضا من لوازم العصائر والجبن' لزوم العيشة يعني'. أول شيء يلفت نظرك ما أن تجوب سيارتك أرض كينشاسا هو هذا الكم الذي لا يوصف من تلك الأجساد السمراء والوجوه المكفهرة التي عبست و كشرت عن أنيابها والواقفة في الشوارع والجالسة علي الأرصفة لا تفعل شيئا سوي الصمت. ويبدو أن مرافقنا إيهاب قد شعر بتساؤلاتنا فأجاب علي الفور إن كل الموظفين في الهيئات والوزارات الحكومية في حالة إضراب عن العمل منذ ثلاثة أيام لأنهم يعانون معاناة شديدة من قلة رواتبهم التي لا تتجاوز100 دولار شهريا.. ولقد وعدتهم الحكومة بزيادة رواتبهم لكن للأسف زادت فقط لمديري مكاتب الوزارات أما هم فالحال كما هو عليه. ' حسونة ماركت' طلبت من الملحق الإداري أن نذهب علي الفور لزيارة أي سوبر ماركت لأرصد حالة الأسعار في بلد مثل الكونغو. هذا هو إسم السوبر ماركت الكبير الذي يعد من أهم المحلات في العاصمة كينشاسا لفت نظري الإسم خاصة عندما أوحي الي بأن هذا الحسونة عربي الأصل, وعندما سألت مرافقنا أجابني بهدوء..' حسونة اليهودي' لم أتعجب ولم أندهش فما رأيته في دول إفريقيا التي قمت بزيارتها وخاصة دول حوض النيل من توغل وانتشار اليهود والإسرائيليين جعلني أفقد دهشتي أمام وصول اليهود إلي دولة الكونغو الديمقراطية وهي الغنية بالثروات والمعادن والبحيرات الطبيعية. والحق لم أسبق الاحداث ولم أجهد نفسي كثيرا في الحصول علي معلومات أكثر تفصيلا عن النشاط الإسرائيلي في الكونغو فقد كنت علي يقين بأنني سأصل إلي حقيقة ولكن ليس في أول ساعات من الرحلة.. لم أكن في حاجة أبدا' لسدة النفس'. لحظات وكنا في قلب' حسونة' حدث ولا حرج كل شيء تتخيله أو لا تتصوره موجود في السوبر ماركت كما يقولون من الابرة إلي الصاروخ. المفاجأة كانت في الأسعار.. ماكل هذه النيران الملتهبة التي تمتد ألسنتها إلي وجهك لتلفحه لفحة أكثر سوادا وسخونة من لفحة حرارة الجو التي وصلت إلي خمسين درجة مئوية. كيلو اللحمة بخمسة وعشرين دولارا.. كيلو الجبنة البيضاء العادية بستين دولارا.. بقية أنواع الجبن التي نعرفها تختلف أسعارها ولكنها تبدأ بخمسة وسبعين دولارا إلي أن تصل إلي مائتين وخمسين دولارا. علبة العصير بعشرين دولارا, قطعة البيتزا الصغيرة التي تحصل عليها من الفرن البلدي في مصر بعشرين دولارا. عدد5 خيارات ب17 دولارا وعدد5 حبات طماطم بعشرين دولارا.. ورك الديك الرومي بعشرين دولارا. إنه عالم مجنون مجنون هكذا وجدت صوتي يعلو ليسمعني مرافقنا قائلا لم أر في حياتي أسعارا بهذا الشكل الجميع هنا يعاني. صرخة استغاثة الأجور قليلة والأسعار مجنونة كل ما ترينه من بضائع مستورد الكونغو لا تنتج شيئا فهي بلد غير قادر رغم وجود الإمكانات والموارد لكنهم لا يملكون القدرة علي استغلالها, هم بالفعل في حاجة لمد يد العون والمساعدة جميع الدول وعلي رأسها مصر..!! عندما قال لنا مرافقنا انها فرصة جيدة لشراء بعض المستلزمات من الطعام خاصة ان حسونة لديه عروضا مغرية في الأسعار غير أي سوبر ماركت آخر أجبناه بلا تردد' لن نشتري من حسونة اليهودي لأننا ببساطة لا نتعامل معهم ولن دفع لهم من جيوبنا دولارا واحدا, علينا الذهاب إلي مكان أخر'.. سيتي اللبناني هو أهم سوبر ماركت بعد حسونة واللبنانيون هنا يمثلون قوة اقتصادية هائلة. شطار ' الشوام شطار' هكذا كنت أحدث نفسي.. يعرفون كيف يستغلون أموالهم ولديهم القدرة علي الصبر والجدية في التعامل بل والتأقلم مع أي ظروف حتي ولو كانت شديدة الوعورة لكنهم يعلمون جيدا أنهم سيربحون في النهاية. وهذا ما يفسر إنتشارهم في القارة الإفريقية ونجاحهم في دولة مازالت تحبو مثل الكونغو وهذا أيضا مايفسر نجاح مطاعمهم اللبنانية في كل الدول عامة وفي العاصمة كينشاسا خاصة. أطلال دبلوماسية كان الوقت قد حان لمقابلة أعضاء السفارة المصرية فإنطلقنا علي الفور لنكون أمامهم في الموعد المحدد. أي شيء آخر غير أن يكون مبني السفارة المصرية في عاصمة دولة إفريقية كبيرة مثل الكونغو..!! هذا هو أول انطباع تسرب إلي ما أن فتحت البوابة الأمنية للسفارة أبوابها أمامنا.. مبني قديم ذابت جدرانه وتهشمت, وجراج فقير.. وشبابيك مهشمة, وعلم مصر الذي يرفرف عاليا قد انطفأت ألوانه وبات يشتكي من قطع في أطرافه.. أما داخل السفارة فحدث ولا حرج.. كراتين ملقاة لاتعرف ماذا تحوي بالضبط.. يقولون عنها أنها للتطوير ولا حياة لمن تنادي فلا إمكانات للتنفيذ..!! جنود مجهولون أخرجني من حالتي استقبال أعضاء السفارة وهم قليلون.. معدودون علي الأصابع.. السفير وهو الرجل الدبلوماسي الوحيد الموجود في السفارة والمستشار الإعلامي' طارق عبد العظيم' ومساعده' حسين أنس' وإيهاب وعبد الرازق.. هذا هو التمثيل المصري في دولة الكونغو التي تربطنا بها علاقات تاريخية بدأت منذ أيام عبد الناصر ولومومبا.. وامتدت حتي الآن في موقفها بجانبنا وعدم التوقيع علي إتفاقية ربما تمس مصالح مصر المائية..!!