تجارة القناة تعلن قواعد القبول بالبرامج الجديدة بنظام الساعات المعتمدة للعام الجامعي 2026    عاجل من الضرائب، إلزام فئات جديدة بإصدار إيصالات إلكترونية في هذا الموعد    قيادي بحماس: تعاملنا بمسؤولية ومرونة في المفاوضات وطالبنا بضمان تدفق المساعدات    تطورات مهمة في عرض قاسم باشا التركي لشراء لاعب الأهلي    محاكمة ربة منزل بالمرج بتهم الترويج للأعمال المنافية والنصب على المواطنين    تشغيل قطارات جديدة على خط مطروح    مفاوضات مع مايلي سايرس وآريانا جراندي لتقديم عرض مشترك في Super Bowl    باحث أكاديمي ينفي عن توفيق الحكيم صفة البخل ويكشف تفاصيل مساهمته في تأسيس معهد الموسيقى    «100 يوم صحة» تقدم أكثر من 15 مليون خدمة طبية مجانية خلال 10 أيام    تجديد حبس سائق بتهمة سرقة 6 ملايين جنيه من مالك شركة يعمل بها بالعمرانية    الأرصاد تحذر من ذروة موجة حارة تضرب القاهرة    تنسيق 2025.. موعد المرحلة الأولى لطلاب الثانوية العامة وأسماء الكليات المتاحة لكل شعبة (تصريحات خاصة)    أسعار الخضروات اليوم السبت 26 يوليو في سوق العبور للجملة    مطار مرسى علم يستقبل 184 رحلة من 15 دولة أوروبية الأسبوع الجاري    «موعد أذان المغرب».. مواقيت الصلاة اليوم السبت 26 يوليو 2025 في القاهرة والمحافظات    كيم جونج أون لجيشه: يجب الإستعداد ل«حرب حقيقية في أي وقت»    الكونجرس الأمريكي: 75% من سكان غزة يواجهون مجاعة عقب الحصار الذي فرضه نتنياهو    تعرف شخصية ليلى زاهر في مسلسل وادي وبنت وشايب    تعرف على موعد عرض أولى حلقات مسلسل « قهوة 2» ل أحمد فهمي    قائمة الجامعات الأهلية المعتمدة في تنسيق 2025.. دليل شامل للطلاب الجدد    «لو ابنك بلع مياه من حمام السباحة؟».. خطوات فورية تحميه من التسمم والأمراض    «خبراء يحذرون»: لا تغلي «الشاي مع الحليب» لهذا السبب    «لماذا ينصح بتناول لحم الديك الرومي؟»... فوائد مذهلة لهذه الفئات    سعر الذهب اليوم السبت 26 يوليو 2025.. الجنيه الذهب ب37040 جنيها    الأهلى يزاحم الهلال على ضم نونيز من ليفربول    اكتشاف حفرية ديناصور عمرها 67.5 مليون عام تحت موقف سيارات متحف دنفر    دعاء الفجر.. اللهم إنا نسألك فى فجر هذا اليوم أن تيسر لنا أمورنا وتشرح صدورنا    "الحشيش حرام" الأوقاف والإفتاء تحسمان الجدل بعد موجة لغط على السوشيال ميديا    أسفار الحج (9).. زمزم والنيل    الدفاع الألمانية تستعين بأسراب «صراصير» للتجسس والإستطلاع    خدمة جوجل فوتو تضيف أدوات لتحويل الصور القديمة إلى مقاطع فيديو متحركة    رابطة الأندية توجه الدعوة لأبو ريدة لحضور قرعة الدوري    أجندة البورصة بنهاية يوليو.. عمومية ل"دايس" لسداد 135 مليون جنيه لناجى توما    أبو حلاوة يا تين.. عم محمود أقدم بائع تين شوكى فى مصر عمره 65 سنة.. فيديو    بعد أزمات فينيسيوس جونيور، هل يتحقق حلم رئيس ريال مدريد بالتعاقد مع هالاند؟    بالأسماء.. مصرع طفلة وإصابة 23 شخصًا في انقلاب ميكروباص بطريق "قفط – القصير"    3 مكاسب الأهلي من معسكر تونس    رحيل نجم بيراميدز بسبب صفقة إيفرتون دا سيلفا (تفاصيل)    موعد مباراة ليفربول وميلان الودية اليوم والقنوات الناقلة    إعلام فلسطيني: 4 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف شقة سكنية غرب غزة    برج الحوت.. حظك اليوم السبت 26 يوليو: رسائل غير مباشرة    إيطاليا: الاعتراف بدولة فلسطين ليس ممكنا إلا باعترافها بإسرائيل    2 مليار جنيه دعم للطيران وعوائد بالدولار.. مصر تستثمر في السياحة    بالصور.. تشييع جثمان والد «أطفال دلجا الستة» في ليلة حزينة عنوانها: «لقاء الأحبة»    هآرتس: ميليشيات المستوطنين تقطع المياه عن 32 قرية فلسطينية    رد ساخر من كريم فؤاد على إصابته بالرباط الصليبي    بعد «أزمة الحشيش».. 4 تصريحات ل سعاد صالح أثارت الجدل منها «رؤية المخطوبة»    «الداخلية» تنفي «فيديو الإخوان» بشأن احتجاز ضابط.. وتؤكد: «مفبرك» والوثائق لا تمت بصلة للواقع    الجزار: الأهلي تواصل معي لضمي.. وهذا موقفي من الانتقال ل الزمالك    فلسطين.. شهيدة وعدة إصابات في قصف إسرائيلي على منزل وسط غزة    «مش عارف ليه بيعمل كده؟».. تامر حسني يهاجم فنانا بسبب صدارة يوتيوب .. والجمهور: قصده عمرو دياب    "مستقبل وطن دولة مش حزب".. أمين الحزب يوضح التصريحات المثيرة للجدل    حماس: لم نُبلغ بوجود أي إشكال بشأن مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة ونستغرب تصريحات ترامب    وزير الأوقاف: الحشيش حرام كحرمة الخمر سواء بسواء والادعاء بحِلِّه خطأ فادح    سعر الذهب اليوم السبت 26 يوليو محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير (تفاصيل)    قفزة في أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 26 يوليو 2025    رفعت فياض يكتب: نصيحتي لكل الناجحين في الثانوية العامة.. لا تلتحق بأي كلية استخسارًا للمجموع أو على غير رغبتك    جامعة دمنهور الأهلية تعلن فتح باب التسجيل لإبداء الرغبة المبدئية للعام الجديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعثة الأهرام المسائي تدخل‏:‏ جهنم إفريقيا‏..‏ الكونغو '‏جهنم إفريقيا‏'..‏ هكذا يطلقون عليها‏..!!‏

img border='0' alt='بعثة الأهرام المسائي تدخل‏:‏ جهنم إفريقيا‏..‏ الكونغو '‏جهنم إفريقيا‏'..‏ هكذا يطلقون عليها‏..!!‏' title='بعثة الأهرام المسائي تدخل‏:‏ جهنم إفريقيا‏..‏ الكونغو '‏جهنم إفريقيا‏'..‏ هكذا يطلقون عليها‏..!!‏' src='/MediaFiles/7006_43m_3_7_2010_47_19.jpg'
ليس لسخونة شمسها التي سرعان ما تلفح وجه زائرها ما أن يخطو بقدميه خارج مطار‏'‏ كينشاسا‏'..!!‏ وليس لجنون أسعارها الذي يصيبك حتما بالدهشة بعد أن كنت قد ظننت أنك في زمن فقدت فيه قدرتك علي التعجب والاستغراب‏..!!‏
وليس لحالة الفوضي والحروب وكم الرصاص ونزيف الدماء الذي اندثر علي أرضها في معارك أهلية استنفدت كل طاقاتها ومواردها‏..!!‏
وليس لتوحش حالات الاغتصاب الجنسي لفتياتها السمراوات اللاتي نجحن بجدارة في أن تحصل دولتهن علي لقب‏'‏ عاصمة الاغتصاب‏'‏ في العالم‏!!‏
ولكن لما يغلي في أحشائها ويثور غاضبا متفجرا بكل ماهو نفيس ونادر ونقي وخالص ولامع وكريم هي جهنم‏'‏ المعادن‏'‏ بدءاي بالذهب والألماس مرورا بالتالنتيوم والكولتان والكتريت وحتي النحاس واليورانيوم والملاكيت‏..‏
هي شعوب البانتو وقبائل التوتسي هي بلد لومومبا وتشومبي وموبوتو وكابيلا الأب وأخيرا الإبن‏..‏ هي زائير سابقا هي الكونغو الديمقراطية‏.‏
الطريق إلي دولة الكونغو لم يكن بالنسبة إلينا سهلا علي الإطلاق‏..‏
عطل فني صغير في طائرة الخطوط الجوية الكينية التي لم تقلع من مطار القاهرة إلا بعد ميعادها بأربع ساعات كان كفيلا بأن يجعلنا نفقد طائرتنا التي ستقلع من مطار‏'‏ جوموكينياتا‏'‏ بالعاصمة الكينية‏'‏ نيروبي‏'‏ والمتجهة إلي مطار العاصمة الكونغولية‏'‏ كينشاسا‏'..‏
كانت المفاجأة التي نزلت علي رءوسنا كالصاعقة هي ماقالته لنا الموظفة الكينية بمطار‏'‏ نيروبي‏'‏ بأن موعد الطائرة المقبلة التي ستطير بنا إلي كينشاسا هو مساء اليوم التالي‏..‏ والحق لم تطل فترة صدمتنا خاصة عندما علمنا بأن الخطوط الجوية الكينية سوف توفر لنا فندقا في قلب العاصمة نيروبي بل وستجعلنا نحصل علي تأشيرة دخول كينيا من مطار‏'‏ جوموكينياتا‏'..'‏ كل تأخيرة فيها خيرة‏'‏ وإن علمتم الغيب لاخترتم الواقع‏..‏ هكذا حدثنا أنفسنا طوال الطريق الي الفندق في قلب العاصمة الكينية التي لم نر منها سوي الظلام وبعض من ضوء خافت‏..‏
فقط استسلمنا بأجسادنا المنهكة إلي نوم عميق انتظارا ليوم جديد نطير عبر ساعاته إلي المنشودة‏..'‏ الكونغو الديمقراطية‏'!!‏
ديجو‏..‏ شتانلي
‏4‏ ساعات من مطار‏'‏ نيروبي‏'‏ إلي مطار‏'‏ كينشاسا‏'‏ وقت كفيل بأن يجعلني أتأمل تاريخ هذا البلد الذي دنوت من الوصول إليه‏..!!‏
تاريخ مليء بالأحداث والشخصيات والانقلابات والثورات والمفاوضات والحروب الأهلية التي أودت بها إلي الهاوية سنوات طويلة‏..!!‏
بلد حكايته حكاية بدأت من عند الملاح البرتغالي‏'‏ ديجو‏'‏ الذي كان أول أوروبي يلتقي بملك الكونغو‏'‏ أنطونيو‏'‏ عام‏1487‏ لتقوم بعد ذلك علاقات وثيقة بين الكونغو والبرتغال بعدها أدرك ملك الكونغو أن الوجود البرتغالي يشكل خطرا علي بلاده خاصة بعد انتشار تجارة العبيد في إفريقيا وفرض مد امتياز استثمار المناجم البرتغالي فما كان به سوي الموت عام‏.1665‏
من هنا بدأت مرحلة أخري في تاريخ هذا البلد مع‏'‏ شتانلي‏'‏ الإنجليزي الذي أدرك ثروات الكونغو وحاول أن يدفع الحكومة البريطانية لاستغلال هذه الثروات ولم يفلح فلجأ إلي بلجيكا التي تمكن ملكها‏'‏ ليوبود‏'‏ من الحصول علي اعتراف من زعماء أوروبا بحقه الشخصي في ملكية الكونغو عام‏1885‏ ليستمر‏20‏ عاما في استغلال هذا البلد واستنزاف موارده لصالح بلجيكا‏..‏
زائير سابقا
ومع الاحتلال ظهرت الحركات الكنغولية المطالبة بالاستقلال وظهرت العديد من المنظمات أشهرها منظمة‏'‏ اباكو‏'‏ والتي كان من أبرز قياداتها‏'‏ لومومبا‏'‏ الذي ألقي القبض عليه وسجن عام‏1959‏ وسرعان ما إندلعت الاضطرابات في كل أنحاء الكونغو إلي أن عقدت إنتخابات وتأسست جبهة الإتحاد الوطني ليصبح‏'‏ كازافوبو‏'‏ رئيسا للكونغو‏,‏ وبارتس لومومبا رئيسا لحكومتها في نفس الوقت الذي يستقل فيه تشومبي بأقليم‏'‏ كاتنجا‏'‏ عن بلجيكا‏..‏ لتزيد القوات الدولية وتزيد معها أعداد المرتزقة وتسوء العلاقات بين لومومبا وكازافوبو ويقوم رئيس الأركان‏'‏ سسي سيكو‏'‏ بانقلاب يسيطر فيه علي البلاد ويعتقل لومومبا ويقتل في عام‏1961‏ لتدخل الكونغو مرحلة جديدة من الفوضي تدوم لخمس سنوات وتدهورت الأوضاع الاقتصادية وفرضت حالة الطوارئ ونزل الجيش للشارع لقمع الناس الي أن تدخل موبوتو قائد الجيش وحل البرلمان وألغي الأحزاب وأسس الحركة الشعبية للثورة عام‏1967‏ وبني للومومبا تمثالا في كينشاسا وأطلق عليه لقب شهيد الاستقلال الأول وغير اسم زائير إلي الكونغو‏.‏
تاريخ دموي
وواجه الرجل ثورات وانقلابات كان آخرها عام‏1996‏ التي تزعمها كابيلا وتمكن فيها من السيطرة علي البلاد لتثور الانقلابات ضده ويطلق أحد رجاله الرصاص عليه عام‏2001.‏
ولم تهدأ الثورات والحركات الانفصالية والحروب الاهلية خاصة في شرق الكونغو التي يعاني منها الرئيس الحالي كابيلا الابن الذي يعد أصغر رئيس جمهورية فهو من مواليد‏1970‏
كينشاسا
صوت كابتن الطائرة معلنا وصولنا لمطار كينشاسا كان كفيلا بأن يجعلني أفيق من استرجاع تاريخ هذا البلد‏.‏
مطار صغير فقير لا يرقي إلي أن يكون محطة أتوبيس درجة ثالثة وليس مطار عاصمة دولة كبيرة مثل الكونغو‏.‏
هذا هو أول انطباع ارتسم في أذهاننا ما أن دخلنا كينشاسا‏.‏
‏'‏ إيهاب عبده‏'‏ الملحق الاداري بالسفارة المصرية كان أول من استقبلنا بل وأنهي لنا إجراءات دخولنا إلي الكونغو بسرعة لا مثيل لها‏..‏
خاصة أننا بالتأكيد كنا سنفشل في التفاهم مع الكونغوليين لأنهم لا يتكلمون سوي اللغة الفرنسية التي بالطبع لا نجيدها‏..‏
لفحة شمس كينشاسا من الصعب أن تنساها فهي تمنحك درجة من درجات السخونة والغليان خاصة عندما تعرف أن درجة الحرارة تصل إلي‏50‏ درجة مئوية‏.‏
المشروب الرسمي
رائحة غريبة تغزو صدري لتتغلغل في رئتي دون أي استئذان إنها رائحة الكحول أو‏'‏ السبرتو‏'‏ أو بالأولي رائحة البيرة الكونغولي التي يشربها الجميع بلا استثناء بل يقال إنهم لا يشربون المياه وأن البيرة هي البديل المشروب الرسمي والأساسي‏.‏
نظرة سريعة من شباك السيارة تستطيع من خلالها أن تتعرف علي ملامح هذه الدولة‏.‏
وجوه فقيرة‏..‏ وأجساد نهشها الحرمان‏..‏ وأكواخ يطلقون عليها منازل وماهي إلا غرف أو زنازن تحبس فيها أرواح‏..!‏
لا تستطيع سوي أن تضبط نفسك متلبسا وأنت تبتسم قائلا بأن سكان قبور مصر القديمة وعشوائيات منشية ناصر والدويقة التي انهارت صخورها فوقهم ماهي إلا فنادق خمسة نجوم إذا ماقارنتها بتلك الأكواخ التي أراها بعيني والتي لا تصلح حتي كحظيرة للحيوانات‏..!‏
وجوه الفقر
أما الطريق من المطار إلي الفندق الذي حجزت لنا فيه السفارة المصرية فيصعب علي القلم وصفه‏..‏ بل لا أبالغ عندما أقول بأنه ذكرني برحلتي إلي أفغانستان وتحديدا الطريق من مدينة جلال أباد إلي كابول‏..‏ كان طريقا مهشما مهلهلا لايوجد فيه منطقة صالحة للسير وإنما يدل علي ضعف إمكانيات وحرمان وفقر وإحتياج شديد لمد يد العون والمساعدة وبالطبع مع الزحام الشديد الذي يغلب بجدارة زحام القاهرة لا تفكر في وجود أي مرور‏..‏ فالعشوائية والفوضي والإزعاج والتراب والكحول والكلاكسات التي تتداخل أصواتها فتصيبك حتما بالصمم من كثرة إزعاجها فتجعلك تكاد تفقد أعصابك ولسان حالك يقول‏'‏ علي بلدي المحبوب وديني‏'.‏
عندما بدأت السيارة تأخذ منحني آخر ارتاحت فقرات عظام ظهورنا من‏'‏ رجرجة‏'‏ الطريق‏..‏ فأدركنا أننا كنا في أطراف العاصمة الكونغولية وحان الوقت لندخل إلي قلب المدينة‏..‏
نار‏..‏ بالدولار
كلام الملحق الإداري بالسفارة المصرية في كينشاسا صحح لنا معلوماتنا عندما قال دخلنا الآن منطقة‏'‏ بومبي‏'‏ وهي أفضل المناطق في العاصمة لأنها ببساطة تضم السفارات والفنادق أما بقية الطرق في البلد فهي كمثيلاتها التي مشينا فيها طوال طريق المطار‏..!!‏
في الفندق كانت المفاجأة ثقيلة عندما صدمنا عامل الريسبشن قائلا أن الغرفة ب‏250‏ دولارا ومن أجل السفارة المصرية سيعطيها لنا ب‏200‏ دولار‏..‏
الأزمة لم تكن في سعر الغرفة الواحدة‏..‏ بل في أن الفندق لا يتعدي نجمة واحدة‏..‏ بل يشبه إلي حد كبير‏'‏ بانسيونات‏'‏ وسط البلد التي ربما يدفع فيها مرتادوها‏15‏ جنيها للغرفة‏.‏
ولكن والكلام علي لسان‏'‏ إيهاب‏'‏ هنا أكثر المناطق أمنا في العاصمة حتي أن منزل الرئيس كابيلا في نفس الشارع‏!!‏
لم نفكر كثيرا وبلا تردد القينا بحقائبنا في الغرف وانطلقنا إلي قلب العاصمة كينشاسا لنري ماذا تخفي لنا‏..‏ ؟‏!‏
إضراب
طلبنا من الملحق الإداري بالسفارة أن نأخذ جولة سريعة في أرجاء العاصمة الكونغولية‏..‏ إلي أن يحين موعدنا بزيارة سفير مصر في كينشاسا‏'‏ محمد عز الدين فودة‏'‏ وبقية أعضاء السفارة‏..‏ رحب الرجل بل واقترح علينا أيضا أن ندخل أحد السوبر ماركتات لنشتري بعضا من لوازم العصائر والجبن‏'‏ لزوم العيشة يعني‏'.‏
أول شيء يلفت نظرك ما أن تجوب سيارتك أرض كينشاسا هو هذا الكم الذي لا يوصف من تلك الأجساد السمراء والوجوه المكفهرة التي عبست و كشرت عن أنيابها والواقفة في الشوارع والجالسة علي الأرصفة لا تفعل شيئا سوي الصمت‏.‏
ويبدو أن مرافقنا إيهاب قد شعر بتساؤلاتنا فأجاب علي الفور إن كل الموظفين في الهيئات والوزارات الحكومية في حالة إضراب عن العمل منذ ثلاثة أيام لأنهم يعانون معاناة شديدة من قلة رواتبهم التي لا تتجاوز‏100‏ دولار شهريا‏..‏ ولقد وعدتهم الحكومة بزيادة رواتبهم لكن للأسف زادت فقط لمديري مكاتب الوزارات أما هم فالحال كما هو عليه‏.‏
‏'‏ حسونة ماركت‏'‏
طلبت من الملحق الإداري أن نذهب علي الفور لزيارة أي سوبر ماركت لأرصد حالة الأسعار في بلد مثل الكونغو‏.‏
هذا هو إسم السوبر ماركت الكبير الذي يعد من أهم المحلات في العاصمة كينشاسا لفت نظري الإسم خاصة عندما أوحي الي بأن هذا الحسونة عربي الأصل‏,‏ وعندما سألت مرافقنا أجابني بهدوء‏..'‏ حسونة اليهودي‏'‏ لم أتعجب ولم أندهش فما رأيته في دول إفريقيا التي قمت بزيارتها وخاصة دول حوض النيل من توغل وانتشار اليهود والإسرائيليين جعلني أفقد دهشتي أمام وصول اليهود إلي دولة الكونغو الديمقراطية وهي الغنية بالثروات والمعادن والبحيرات الطبيعية‏.‏
والحق لم أسبق الاحداث ولم أجهد نفسي كثيرا في الحصول علي معلومات أكثر تفصيلا عن النشاط الإسرائيلي في الكونغو فقد كنت علي يقين بأنني سأصل إلي حقيقة ولكن ليس في أول ساعات من الرحلة‏..‏ لم أكن في حاجة أبدا‏'‏ لسدة النفس‏'.‏
لحظات وكنا في قلب‏'‏ حسونة‏'‏ حدث ولا حرج كل شيء تتخيله أو لا تتصوره موجود في السوبر ماركت كما يقولون من الابرة إلي الصاروخ‏.‏
المفاجأة كانت في الأسعار‏..‏ ماكل هذه النيران الملتهبة التي تمتد ألسنتها إلي وجهك لتلفحه لفحة أكثر سوادا وسخونة من لفحة حرارة الجو التي وصلت إلي خمسين درجة مئوية‏.‏
كيلو اللحمة بخمسة وعشرين دولارا‏..‏ كيلو الجبنة البيضاء العادية بستين دولارا‏..‏ بقية أنواع الجبن التي نعرفها تختلف أسعارها ولكنها تبدأ بخمسة وسبعين دولارا إلي أن تصل إلي مائتين وخمسين دولارا‏.‏
علبة العصير بعشرين دولارا‏,‏ قطعة البيتزا الصغيرة التي تحصل عليها من الفرن البلدي في مصر بعشرين دولارا‏.‏
عدد‏5‏ خيارات ب‏17‏ دولارا وعدد‏5‏ حبات طماطم بعشرين دولارا‏..‏ ورك الديك الرومي بعشرين دولارا‏.‏
إنه عالم مجنون مجنون هكذا وجدت صوتي يعلو ليسمعني مرافقنا قائلا لم أر في حياتي أسعارا بهذا الشكل الجميع هنا يعاني‏.‏
صرخة استغاثة
الأجور قليلة والأسعار مجنونة كل ما ترينه من بضائع مستورد الكونغو لا تنتج شيئا فهي بلد غير قادر رغم وجود الإمكانات والموارد لكنهم لا يملكون القدرة علي استغلالها‏,‏ هم بالفعل في حاجة لمد يد العون والمساعدة جميع الدول وعلي رأسها مصر‏..!!‏
عندما قال لنا مرافقنا انها فرصة جيدة لشراء بعض المستلزمات من الطعام خاصة ان حسونة لديه عروضا مغرية في الأسعار غير أي سوبر ماركت آخر أجبناه بلا تردد‏'‏ لن نشتري من حسونة اليهودي لأننا ببساطة لا نتعامل معهم ولن دفع لهم من جيوبنا دولارا واحدا‏,‏ علينا الذهاب إلي مكان أخر‏'..‏ سيتي اللبناني هو أهم سوبر ماركت بعد حسونة واللبنانيون هنا يمثلون قوة اقتصادية هائلة‏.‏
شطار
‏'‏ الشوام شطار‏'‏ هكذا كنت أحدث نفسي‏..‏ يعرفون كيف يستغلون أموالهم ولديهم القدرة علي الصبر والجدية في التعامل بل والتأقلم مع أي ظروف حتي ولو كانت شديدة الوعورة لكنهم يعلمون جيدا أنهم سيربحون في النهاية‏.‏
وهذا ما يفسر إنتشارهم في القارة الإفريقية ونجاحهم في دولة مازالت تحبو مثل الكونغو وهذا أيضا مايفسر نجاح مطاعمهم اللبنانية في كل الدول عامة وفي العاصمة كينشاسا خاصة‏.‏
أطلال دبلوماسية
كان الوقت قد حان لمقابلة أعضاء السفارة المصرية فإنطلقنا علي الفور لنكون أمامهم في الموعد المحدد‏.‏
أي شيء آخر غير أن يكون مبني السفارة المصرية في عاصمة دولة إفريقية كبيرة مثل الكونغو‏..!!‏
هذا هو أول انطباع تسرب إلي ما أن فتحت البوابة الأمنية للسفارة أبوابها أمامنا‏..‏ مبني قديم ذابت جدرانه وتهشمت‏,‏ وجراج فقير‏..‏ وشبابيك مهشمة‏,‏ وعلم مصر الذي يرفرف عاليا قد انطفأت ألوانه وبات يشتكي من قطع في أطرافه‏..‏ أما داخل السفارة فحدث ولا حرج‏..‏ كراتين ملقاة لاتعرف ماذا تحوي بالضبط‏..‏ يقولون عنها أنها للتطوير ولا حياة لمن تنادي فلا إمكانات للتنفيذ‏..!!‏
جنود مجهولون
أخرجني من حالتي استقبال أعضاء السفارة وهم قليلون‏..‏ معدودون علي الأصابع‏..‏ السفير وهو الرجل الدبلوماسي الوحيد الموجود في السفارة والمستشار الإعلامي‏'‏ طارق عبد العظيم‏'‏ ومساعده‏'‏ حسين أنس‏'‏ وإيهاب وعبد الرازق‏..‏ هذا هو التمثيل المصري في دولة الكونغو التي تربطنا بها علاقات تاريخية بدأت منذ أيام عبد الناصر ولومومبا‏..‏ وامتدت حتي الآن في موقفها بجانبنا وعدم التوقيع علي إتفاقية ربما تمس مصالح مصر المائية‏..!!‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.