في بداية زيارة للولايات المتحدةالأمريكية قبل نحو ثماني سنوات, و في أول جولة سالنا مرافقنا ماهي أبرز نواحي القوة في أمريكا ؟ و تراوحت إجاباتنا ما بين القوة العسكرية و الاقتصادية و النفوذ الدولي و المستعمرات و خلافه لكنه باغتنا برفع الدولار في وجهنا قائلا.. المال هو القوة الأبرز وبه تستطيع أن تفعل ما تريد بما فيه صياغة القانون. هاجمته بشدة واتهمته بالانتهازية فالقانون فوق الجميع, والمال يأتي من خلال القانون و ليس من خلفه, فإبتسم قائلا و هذا ما أقصده, مستطردا بالمال تستطيع خوض الإنتخابات و تنظيم حملات دعائية ضخمة تخدم برنامجك و حزبك فتصل للسلطة ومنها تقود البلاد. تذكرت كتاب مذكرات ويليم كولبي مدير المخابرات المركزية الأمريكية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية, وفيه قال أن الشيوعيين كانوا علي أعتاب حكم إيطاليا بشعبية جارفة كان سببها دورهم في مكافحة الفاشيةو النازية, غير أن خطة عاجلة نفذتها أمريكا أغرقت فيها حلفاءهم بالمال فتمكنوامن ممارسة دعاية ضخمة قبل الإنتخابات قلبت الكفة و أبعدت الحزب الشيوعي الإيطالي عن الفوز بأغلبية البرلمان. المال هو عصب الإنتخابات, ليس في وقتنا هذا بل منذ زمن طويل, والانفاق المالي علي الإنتخابات و الدعاية الإنتخابية تدفع بصاحبها بعيدا عن المنافسين لنصف المسافة علي الأقل, ثم تأتي بعد ذلك عوامل عديدة أخري. من هنا يمثل المال واحد من أهم عناصر الخطورة علي العملية الانتخابية, و لذلك تسعي الحكومات إلي صياغة تشريعات و تجهيز تدابير و إجراءات إدارية تضمن من خلالها قدر الإمكان محاصرة نفوذ المال علي الناخبين. و لا أعتقد في صحة ما يردده البعض من أن الناخب يحصل علي المال و لا يصوت لصاحبه, ربما يحدث ذلك هنا أوهناك, ولكنها ليست القاعدة السائدة, لأن تأثير المال يتجاوز شراء الأصوات إلي القدرة علي صياغة وجدان الناخب و التأثير عليه من خلال حملات دعائية جوهرها اجتذاب الناخب. و أعتقد أن المال سيكون صاحب النفوذ الأول في الانتخابات المقبلة, و لا يجوز التقليل من شأنه في التأثير علي الناخبين, ونحن نحتاج إلي أكثر من القوانين لمواجهة هذا الخطر الداهم علي تشكيلة البرلمان المقبلة و للحفاظ علي التوازن في عضويته. وضوح التدابير و صرامة الإجراءات و دقة تنفيذها هي السبيل لمكافحة المال في الانتخابات. [email protected]