في أقل من خمسة عقود انتقلت كوريا الجنوبية من عداد الدول الاكثر فقرا في العالم الي مصاف الدول المتقدمة مما جعل ما يجري في هذا البلد الذي يعتبر من الناحية الفنية في حالة حرب مع كوريا الشمالية يستحق ان يطلق عليه معجزة علي نهر الهان وهو النهر الذي يقسم العاصمة سول. جمهورية كوريا هو الاسم الرسمي لكوريا الجنوبية والي الشمال في شبه الجزيرة الكورية هناك كوريا الشمالية وبينهما حالة حرب من الناحية الفنية وعلاقات متوترة رغم وحدة الاصل واللغة. تفاقمت العلاقات بين الكوريتين في العام الماضي عندما قامت كوريا الشمالية باطلاق صاروخ طويل المدي وباجراء تجربة نووية. وأسفرت نتائج تحقيق دولي عن اتهام بيونجيانج بإغراق البارجة الكورية الجنوبية شيونان بالقرب من الحدود البحرية بين البلدين في26 مارس الماضي, مما تسبب بمقتل46 بحارا كانوا علي متنها. وتصاعد التوتر علي طول الحدود بين الكوريتين في أعقاب المناورات العسكرية البحرية المشتركة الواسعة بين الولاياتالمتحدة وكوريا الجنوبية في بحر الشرق في الرابع والعشرين من الشهر الماضي, إضافة إلي إجراء مناورات عسكرية مشتركة بالقوات البرية والبحرية والجوية في مياه البحر الغربي خلال الفترة من5 9 من الشهر الجاري من ضمنها مناورات مضادة للغواصات. وأثار ذلك قلق بيونجيانج وتهديدها بالانتقام بصرامة وبلا رحمة ومواجهة الأمر بقوة وبحرب انتقامية مقدسة استنادا الي وسائل ردعنا النووية الخاصة بنا بسبب تلك المناورات وتصعيدها للتوتر في المنطقة. ومن المفارقات أنه رغم التوتر في العلاقات بين شطري كوريا فإن الحكومة الكورية الجنوبية والحزب الحاكم ظلا يجريان مباحثات للنظر في استئناف المساعدة الغذائية إلي كوريا الشمالية والتي توقفت بسبب تدهور العلاقات بين الكوريتين, كجزء من المساعي لتحسين علاقاتها مع بيونج يانج وللسيطرة علي مخزونات الأرز المتزايدة لها. وكانت كوريا الجنوبية قد أرسلت ما يتراوح بين300.000 طن و400.000 طن من الأرز إلي كوريا الشمالية كل عام, إلا أنها توقفت منذ أن تولي الرئيس لي ميونج باك الرئاسة في أوائل عام2008. ونشير في هذا الصدد الي أن تحرير كوريا من الاستعمار الياباني في الخامس عشر من أغسطس1945, بعد حكم دام36 سنة أسفر عن مأساة كبيرة تمثلت في التقسيم, وتلا ذلك بعد مرور ثلاث سنوات, تحديد خط فاصل بين شطري كوريا, عرف بخط عرض38, احتلت القوات الامريكية النصف الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية, بينما احتلت القوات السوفيتية الجزء الشمالي منها. وفي عام1948 انقسمت كوريا الي جمهورية كوريا في الجنوب تحت قيادة الرئيس سانج مان ري وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية في الشمال تحت قيادة الرئيس كيم ايل سونج, وفي عام1950 غزت كوريا الشمالية كوريا الجنوبية لتبدأ الحرب الكورية التي استمرت ثلاث سنوات الي أن تم توقيع اتفاق الهدنة بين الكوريين الاقتصاد والديمقراطية صنعا الفارق ولكن ماالذي جعل أحد الشقيقين اللذين خاضا حربا طاحنة في الفترة من1950 1953 ينتقل من الفقر المدقع الي الثراء والعطاء الذي شمل الأخ العدو الذي تنظم العلاقات معه اتفاقية وقف إطلاق نار مما يعني أن البلدين في حالة حرب من الناحية الفنية؟ الاجابة في كلمتين الاقتصاد والديمقراطية. لا يمكن أن نضحي بنظامنا الاقتصادي وديمقراطيتنا من أجل تحقيق الوحدة بهذه الكلمات علق السيد لي ووك هيون مدير ادارة افريقيا بوزارة الشئون الخارجية والتجارة الكورية خلال لقاء بالعاصمة سول. وقال معلقا علي التوتر الحالي في العلاقات مع كوريا الشمالية ان بيونج يانج تشكل تهديدا حقيقيا لبلاده فلديها جيش قوامه أكثر من مليون وسلاح نووي مما جعل من كوريا الجنوبية بحاجة الي الدعم الأمريكي من أجل الردع وليس الهجوم. يذكر أن الولاياتالمتحدة تحتفظ ب28500 عنصر من قواتها في كوريا الجنوبية, فضلا عن50 ألفا آخرين في اليابان ولكنها تنفي وجود أي نوايا مبيتة لديها لغزو كوريا الشمالية. وردا علي سؤال حول آفاق مابعد الأزمة وفكرة اعادة توحيد الشطرين قال: إذا توجهت بالسؤال للكوريين في الشمال والجنوب فان الجميع سيردون بالقول انهم يريدون الوحدة ولكن تحقيق هذا الهدف يحتاج الي شروط بشأن كيفية التوحيد وماهية النظام في كوريا الموحدة. وأضاف انه لايمكن التضحية بالاقتصاد والديمقراطية في كوريا الجنوبية من أجل الوحدة مضيفا ان هناك حاجة للكثير من الجهد للوصول الي الوحدة ويجب حل المسألة النووية لأنه لا يمكن التعايش مع كوريا الشمالية النووية ورفع مستوي الاقتصاد في كوريا الشمالية مشيرا الي اهمية تكثيف التعاون الاقتصادي لأن قدرة كوريا الجنوبية علي دعم الشطر الشمالي محدودة اذا حدث انهيار اقتصادي هناك. وأكد اهتمام بلاده بدعم العلاقات علي المستويين الحكومي والخاص مع دول القارة الافريقية التي وصفها بأنها واعدة وهذا الاهتمام زاد منذ4 سنوات وانعكس في الزيارة الرئاسية في عام2006 الي3 دول أفريقية علي رأسها مصر إضافة الي الجزائر ونيجيريا وزيادة مساعدات التنمية الي دول القارة الي100 مليون دولار وزيادة أعداد المشاركين في برامج التدريب بكوريا الي5 آلاف. 6% نسبة النمو الاقتصادي مسيرة النجاح الاقتصادي في كوريا الجنوبية تأثرت بالأزمة الاقتصادية العالمية ولكنها لم تتوقف ومن المنتظر ان ينمو الاقتصاد الكوري الجنوبي بنسبة تزيد علي6% خلال عام2010 بحسب تصريحات كيم جيه تشون, مدير عام مركز أبحاث بنك كوريا المركزي. وكان البنك المركزي قد توقع ان ينمو الاقتصاد الكوري بنسبة5,9% لهذا العام, أما توقعات الحكومة فقد توقع النمو بنسبة5,8%. اعتمادا الي آخر توقعات النمو الاقتصادي, من المنتظر ان ينمو إجمالي الناتج المحلي الي1,039 تريليون وون(873,8 مليار دولار) لهذا العام مقارنة ب980 تريليون وون في العام الماضي. ويمثل ذلك زيادة لضعفين من593 تريليون وون في عام1995. وزاد الانتاج الصناعي بنسبة16,9% في يونيو مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي وحققت كوريا الجنوبية فائضا تجاريا بلغ5,67 مليار دولار للعام السادس علي التوالي الذي يظل فيه الميزان إيجابيا وزادت الصادرات بنسبة29,6% لتبلغ41,35 مليار دولار في يوليو, بينما زادت الواردات بنسبة28,9% لتصل الي35,68 مليار دولار وفقا لتقرير وزارة اقتصاد المعرفة. اقتصاد المعرفة وزارة اقتصاد المعرفة اسم استرعي الانتباه وتطلب البحث الذي كانت نتيجته أن المعرفة هي المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي. واقتصادات المعرفة تعتمد علي توافر تكنولوجيات المعلومات والاتصال واستخدام الابتكار والمعرفة الفنية, والإبداع, والذكاء, والمعلومات. وصار للذكاء المتجسد في برامج الكمبيوتر والتكنولوجيا أهمية تفوق رأس المالي, أو المواد, او العمالة, وفي السابق كانت الأرض والعمالة ورأس المال هي العوامل الثلاثة الأساسية للإنتاج. والموارد البشرية المؤهلة وذات المهارات العالية, أو رأس المال البشري, هي أكثر الأصول قيمة في الاقتصاد الجديد, المبني علي المعرفة. المعرفة هي التي جعلت من كوريا الجنوبية أحد أكبر منتجي الصلب في العالم, وفي زيارة ميدانية الي مجمع صناعة الصلب ومنتجاته في مدينة بوسان كان سؤال عن احتياطات المواد الخام لتشغيل مجمع بهذه الضخامة وكانت الاجابة الصادمة لشخص جاء من منطقة تستسهل تصدير المواد الخام من دون قيمة مضافة, ان المواد الخام يتم استيرادها من البرازيل واستراليا. ويعلق مسئول كوري جنوبي قائلا فيما يشبه رسالة النصح للأصدقاء ان تحقق التقدم لا يأتي اعتمادا علي تصدير المواد الخام ولكن علي التصنيع واضافة قيمة الي المواد الخام. التعليم والتدريب من بين الأسس التي قامت عليها النهضة الكورية, بهذه الكلمات لخص الدكتور شانج هيون نائب رئيس هيئة التعاون الدولي الكورية التي تعرف اختصارا باسم كويكا سر نجاح كوريا. وأضاف في لقاء بالعاصمة سول ان بلاده التي وجدت من يساعدها في السابق عندما كانت فقيرة ترغب في نقل خبراتها الي الدول الصديقة وفي مقدمتها مصر. ولكن من هؤلاء الذين يقوم علي أكتافهم اقتصاد المعرفة ؟ الاجابة في الحلقة المقبلة.