السينما البديلة تتمتع بقدر كبير من الحرية في مجال الجنس و الدين و هو ما لا يتاح للسينما العادية التي تعرض علي جمهور واسع فيطولها مقص الرقيب و لكن تلك الحرية تنصب علي مجرد أراء صانعيها الذين يتمتعون بثقافة مختلفة عن الثقافة السائدة في الواقع المصري و يسعون لقول رأيهم بشكل صادم لمجرد نزوحهم للاختلاف و هذا في حد ذاته مؤشر جيد و لكنه ليس كافيا, فلا تسعي الأعمال لمحاولة تفسير ما آل إليه المجتمع المصري من تزمت سطحي و لا تحاول تقديم محاولات تفسر وقوع الغالبية العظمي من الشباب المصري تحت وطأه الدعاية الدينية المتزمتة و رفضهم لأي محاولة تفكير مختلفة. تأتي حرية السينما المستقلة في تناولها للدين و الجنس و كأنها محاولة لتقديم ذات صانعيها من خلال أفكارهم المناهضة لموجة التزمت السائدة في المجتمع و ليس من أجل السعي لمجتمع متسامح يسوده الاعتدال, فيتم التعامل مع الأخر كعدو و ليس ضحية تردي أوضاع اجتماعية و سياسية و فكرية. هذا الأسلوب يسهل اتهام هؤلاء المخرجين من قبل معسكر التزمت بالخلاعة و الفجر و المجون بل و العمالة و تمثيل الغرب إلي غيرها من كل تلك الأكليشيهات المعروفة. السينما المستقلة أظهرت مواهب فنية عالية من المبدعين و لكن مازال أمامها طريق طويل عليها أن تقطعه في إطار فهم المجتمع و تاريخه و الرغبة في التأثير فيه من أجل تغييره للأفضل, و لن يتأتي ذلك عبر التأثر الذاتي لصاحب العمل بموضوعه و نقله للشاشة بل يجب أن يدرس المجتمع و تراثه الفكري و السياسي و التاريخي مع فهم للعناصر المؤثرة فيه و في أفراده حتي تخرج السينما المستقلة من العزلة المفروضة عليها و لا تصبح مجرد أفلام تعبر عن ذات صانعيها أو لعبة يلعب بها ميسورو الحال في مجتمع متخلف لا يجدون فيه أنفسهم. تلك هي المحصلة في شكلها ألأجمالي و لكن السنوات الأخيرة شهدت تحولا كبيرا في تأثيرات تلك الظاهرة فلم تعد السينما المستقلة( المحتوي الفكري و الأفكار المغيرة) مقصورة فقط علي تلك الفئة التي تعمل في ظل المؤسسات الأجنبية أو تلك الشركات التي تعمل بتمويل خارجي بل أصبح الاستقلال ظاهرة سينمائية فظهر في السينما التسجيلية تامر عزت مع فيلم( كل شيء حيبقي تمام) من إنتاجه الخاص ليقدم أروع صورة عن العربي المسلم في الولاياتالمتحدة من بعد أحداث سبتمبر, ليستمر بعد ذلك لتقديم فيلم( مكان اسمه الوطن) محاولا تقديم صورة لمعانة الشباب من الجيل الحالي و رغبتهم في الهجرة للغرب. نقل تامر عزت دون أن يدري مفهوم الوطن لدي هذا الجيل, فالوطن لديهم هو البقرة الحلوب التي تمدهم بالزاد, و عند توقفها لأي سبب من الأسباب فأن الحل هو البحث عن وطن بديل, و هو مفهوم مختلف للوطن عن ذلك الذي عاش و مات من أجله أجيال سابقة حاربت الاستعمار و حررت أرضه و ساهمت في بنائه و تطوره, فعند توقف الوطن عن التطور و النمو و قلت فيه الفرص و العدالة, لا يفكر أحد من هذا الجيل في تغييره و لا النضال من أجل العمل علي تقدمه بل الموت من أجله كما فعل السابقون, بل البديل هو البحث عن وطن بديل و السعي للخلاص الفردي و ترك السفينة تغرق دونه. حتي تهاني راشد مع أفلامها التسجيلية الطويلة( البنات دول جيران) هي تيار جديد من تيارات الاستقلال عن الفكر المسيطر علي السينما في المجتمع المصري, أيا كان رأينا في أعمالها.... فهي في النهاية دفعة قوية لتيار الاستقلال للسينما المصرية. أن مثال فيلم بيت من لحم الذي أخرجه رامي عبد الجبار و كذلك فيلم( أكبر الكبائر) ليوسف هشام و هما عن قصتين للراحل يوسف إدريس, لأكبر دليل علي أن هذا الجيل لم يفهم من قصص يوسف إدريس شيئا بل جذبته الحرية الجنسية الموجودة في القصتين لكن مع فيلم بيت من لحم إخراج أحمد الهواري سنجد أن هناك من يفهم جيدا ما كان يقصده يوسف إدريس و نجح في تجسيد المعني دراميا و أن الأمر يتخطي مجرد الانجذاب نحو الجنس من أجل كسر تابوهات المجتمع. السينما المستقلة تتطور و تخرج من طور الطفولة لطور النضوج و لا يهم كم الأفلام التي لا معني لها طالما سنعثر علي عمل أو أثنين مميزين. امتد الأمر إلي طلاب معهد السينما أنفسهم فبالرغم من سعي الكثيرين من خرجي المعهد الي الانضواء تحت راية السائد حتي يضمنوا لأنفسهم مكان في سوق العمل ألا أن الجيل الجديد كشف عن مواهب جديدة تدخل في نطاق السينما المستقلة أكثر منها تعلن عن رغبتها في الانضمام إلي سوق العمل التقليدي, مع مخرجين مثل إبراهيم عبلة و فيلمه التسجيلي( منا فينا) و عمله الروائي( الحب في زمن الكلا) و كذلك المخرج الشاب إسماعيل حمدي و فيلم تخرجه( زيارات يوم شتوي). السينما المستقلة أصبحت تيارا فعليا في الواقع المصري و لا يهم من هي جهة الإنتاج فتيار الاستقلال بدأ يأخذ شكل تيار فكري في السينما المصرية و لم يعد فقط مجرد صرخة اعتراض علي مجتمع متزمت تقليدي منافق. هذا التيار مازال في بداياته و لكن لكل تغيير كبير بدايات و هاهي البدايات حتي لو كانت خجولة.