أكره الكتاب الجامعي, لكني أكره العشوائية أكثر منه. الكتاب الجامعي يلخص كل مظاهر السطحية والجهل المتخفي في شكل علم. الكتاب الجامعيهو استمرار لثقافة الحفظ والتلقين السائدة في التعليم قبل الجامعي, والتي حولت جامعاتنا إلي مجرد مدارس ثانوية كبيرة. الكتاب الجامعي- وباسم العلم- يقوم بقتل العلم نفسه. أساس العلم هو التفكير الخلاق, الذي هو بالضبط عكس القوالب الجامدة التي يجدها الطلاب في الكتاب الجامعي, فيحفظونها لكي يعيدوا تقيؤها علي أوراق الإجابة في الامتحانات. هذا هو رأيي في الكتاب الجامعي, لكني مع هذا لم أهلل لتصريحات وزير التعليم العالي بشأن إلغاء الكتاب الجامعي بدءا من العام القادم. قال الوزير إنه سوف يتم إلغاء الكتاب الجامعي بدءا من العام الدراسي القادم, وأنه علي الطلاب الاعتماد علي تحصيل المعرفة من المكتبات, فتخيلت الذي يمكن أن يحدث لو أن عشرات آلاف الطلاب المسجلين في جامعة القاهرة قرروا زيارة المكتبات القليلة والفقيرة الموجودة في الجامعة, فوجدت أن هذا كفيل بتحويل طوابير الخبز وأنابيب الغاز إلي مجرد نزهة بالمقارنة مع ما يمكن أن يحدث في مكتبات الجامعة. مشكلة الكتاب الجامعي ليست في وجود كتاب مقرر من عدمه, لكن في عدد من العناصر الأخري الإضافية. في أعرق جامعات العالم توجد قائمة قراءات مقررة علي الطلاب كحد أدني لازم من المعرفة في كل مادة دراسية. بعض هذه القراءات المقررة هي كتب لها صفة المراجع التي يفضل الطلاب شراءها والاحتفاظ بها. ما يميز هذه الكتب عن الكتب الجامعية الموجودة عندنا هي أنها كتبت بمعرفة مؤلفين متخصصين لتغطية المعرفة العلمية في مجال معين وليس لتدريسها علي طلاب الفرقة الثالثة في كلية كذا بجامعة كيت, وأن ناشري هذه الكتب هم أرقي دور النشر وأعرقها من حيث تقاليد القراءة والتحكيم قبل النشر, وليست مطابع مجهولة تطبع الكتاب بغض النظر عن محتواه وجديته لمجرد أن القراء من الطلاب الأسري لا يمكنهم التهرب من شراء الكتاب. من غير المقبول في البلاد إياها أن يقوم أحد الأساتذة بتدريس كتاب ألفه بنفسه, وبالتأكيد فإنه من المستحيل أن يجبر طلابه علي شراء كتبه, أما عندنا فإن كل أستاذ ليس لديه من العلم أكثر كثيرا مما كتبه في رسالة الدكتوراه يؤلف كتبا ويجبر طلابه علي شرائها, معتبرا إياها المصدر الوحيد للمعرفة في مادته, وطبعا كل هذا من أجل المكاسب الطائلة, وتلك هي المشكلة.