أن نفعل الصواب متأخرين أفضل من ألا نقوم به أبدا. هذا هو الشعور الذي انتابني عندما بدأت الحملة الراهنة ضد المخالفات في استخدام أراضي الدولة. الشركات التي بنت قصورا وفيلات وملاعب جولف ومنتجعات بدلا من أن تزرع الأرض وفق شروط حصولها عليها سرقت من المصريين كلهم فرصا للعمل توفرها التنمية الزراعية في العمل الزراعي وفي إنتاج الأسمدة والمبيدات ونقل المحاصيل وغير ذلك من عشرات الأنشطة المنتجة. ملايين كثيرة كسبتها شركات اشترت الأرض رخيصة بالفدان قبل أن تعود لبيعها بأسعار باهظة بالمتر. أجهزة الدولة تبحث الآن عن الغرامة المناسبة التي سوف يتم تحميلها لهذه الشركات لمعاقبتها علي المخالفة أولا, وللحصول علي حق الدولة في ثروات تكونت بغير وجه حق ثانيا. أدعو الدولة وأجهزتها لعدم إغلاق هذا الملف حتي تتم معاقبة كل المخالفين, وحتي تتم استعادة كل مليم حصل عليه صاحبه بالمخالفة للقانون. لكن قائمة المخالفين لا تقف عند حد أصحاب شركات حولوا أرض التنمية الزراعية لمناطق سكنية. قائمة المخالفين تشمل كل موظف حكومي- كبير أو صغير- ساهم في تسهيل هذه المخالفات. فأغلب المشروعات المخالفة مبنية وفقا لتصريح من نوع ما تم الحصول عليه من إحدي الإدارات الحكومية. حتي موظفو الحكومة الذين لم يتورطوا في إصدار تصاريح باطلة يتحملون مسئولية السكوت عن هذه المخالفات التي ظلت تفقأ الأعين طوال عقدين من الزمان. نحن نتحدث عن مشروعات كبري لا يمكن ألا تلاحظها العين المجردة, ونتحدث عن مشروعات علي جانبي الطريق الصحراوي إلي الإسكندرية وليس عن مشروعات في مجاهل الصحراء, وعن مشروعات أنفقت الملايين علي إعلانات جعلت' اللي ما يشتري يتفرج' وليس عن مشروعات تم بناؤها بشكل سري, فأين كان موظفو الدولة والمسئولون المعنيون بمتابعة مثل هذه الأمور؟. إذا افترضنا حسن النية يمكن أن نقول أن موظفي الدولة والمسئولين هم من الكسل والبلادة بحيث لم يلفت نظرهم أي شيء من كل هذا. إذا افترضنا سوء النية, وهو الأرجح, فإنه لا يمكن تفسير السكوت علي ما حدث سوي بالفساد. نعم هناك رجال أعمال فاسدون يقفون وراء كل هذه المخالفات. لكن الفساد هو علاقة بين طرفين, أحدهما خارج الحكومة والآخر داخلها, وليس من المقبول إذا كنا جادين في وضع حد لهذا الفساد أن نكتفي بمعاقبة طرف واحد من أطرافه.