أعلن40 من كبار رجال الأعمال في الولاياتالمتحدةالأمريكية تبرعهم بنصف ثرواتهم لأعمال الخير, وقد أطلق الدعوة إلي التبرع رجل الأعمال وارين بوفيت, ومؤسس شركة ' مايكروسوفت' بيل جيتس وزوجته ميليندا, وقد جاءت الدعوة إلي التبرع بعنوانتعهد للعطاء'. هدف الدعوة كان إقناع أثرياء الولاياتالمتحدة بالتبرع بنصف ثرواتهم لأعمال الخير. ولعل من أكثر الكلمات تعبيرا عن جوهر الدعوة, تلك التي أطلقها مايكل بلومبرج, عمدة نيويورك الذي قال' إذا كنت تريد أن تفعل شيئا لأولادك وتظهر لهم كم تحبهم, فإن الأمر الأفضل الذي تقوم به هو دعم مؤسسة تجعل العالم أفضل لهم ولأبنائهم' مضيفا' عندما نعطي نحن نلهم الآخرين علي العطاء, إما عطاء المال أو عطاء الوقت'. أما صاحب ميكروسوفت وزوجته فقد قالا' لدينا بركة أكبر من كل توقعاتنا الخيالية, ونحن ممتنون لذلك, وبقدر حجم هذه العطايا, نشعر بمسئولية استخدامها بطريقة جيدة, ولهذا نحن مسرورون باتخاذ تعهد خاص للحملة'. حملة' العطاء' الأمريكية تتناول أموالا بالمليارات, فيكفي أن نشير إلي أن ثروة كل من بافيت, و جيتس تقترب من مائة مليار دولار, وتبرعهما بنصف ثروتهما يعني الحديث عن خمسين مليار دولار, والمحصلة سوف تقفز إلي ارقام خيالية عند الحديث عن انضمام40 شخصا من أغني رجال الولاياتالمتحدة إلي الحملة. والملاحظة الرئيسية هنا هي أن الحديث يدور عن' عطاء' لا تبرع ولا هبة, لأن العطاء فيه من المشاركة أكثر من المن, فالقضية تتجاوز مبدأ المعونة والهبة إلي فضيلة العطاء التي تحتوي قدرا كبيرا من التفاعل, عكس المنح أو التبرع الذي ينهي المسئولية عند حدود تقديم المال, وربما تبدو الفكرة أكثر وضوحا في الكلمات التي حملها بيان المدير التنفيذي السابق لشركة' سيسكو' جون مورجريدج وزوجته, والتي جاء فيها' كلما انشغلنا شخصيا بالقضايا التي ندعمها, كان تأثيرنا أكبر', فالقضية هنا أن العطاء قيمة وفضيلة, عمل متواصل وانشغال, لا مجرد منح أموال. والملاحظة الأولي هنا هي أن عملية التبرع أو' العطاء' لم تكن وليدة دعوات أو مناشدات, بل هي عملية ذاتية, تتوافق وقيم وأفكار القائمين عليها, فرجل مايكروسوفت سبق له التبرع بمليارات من أجل توفير أمصال الأمراض المتوطنة في إفريقيا, وتوفير أمصال مكافحة شلل الأطفال في البلدان التي تنتشر فيها مثل هذه الأمراض, وتحديدا في البلدان الفقيرة, أي أن العطاء يأتي بإرادة ذاتية من ناحية, وهو عطاء إرادي من ناحية ثانية وغير مقصور علي أبناء عرق معين أو حملة جنسية معينة, فمحبة الخير تعطي بشكل عام ولا تعرف حدودا طبيعية أو مصطنعة, فالخير هو أن تمنح من يحتاج لا أن تقصر عطاياك علي من تراه يشاركك جنسية أو وطنا, والأكثر أهمية أن العطاء غير مقصور علي أتباع ديانة معينة دون غيرها, فالمعطي' المسرور' لا يفتش في عرق أو لغة أو دين المحتاج, بل إن الأساس هو الاحتياج, فعطاياك تقدم للمحتاج, فأي فضل لك لو أمسكت عطاياك عن محتاج أو أكثر احتياجا لمجرد أنه يحمل جنسية مغايرة أو يدين بديانة أخري أو له لون بشرة مغاير لما منحك الله من لون! الملاحظة الثانية هي أن العطاء من جانب هؤلاء الرجال يأتي بإيمان عميق بقيمة العطاء ذاته, أي أنه عطاء مبادر, تصاحبه سعادة بالغة لقيمة العطاء, فعندما تستمع إلي كلمات صاحبي الدعوة, بوفيت أو جيتس سوف تلمس سعادة غامرة لعمل الخير, تفحص كلمات ميليندا جيتس التي تقول' لدينا بركة أكبر من كل توقعاتنا, نحن مسرورون باتخاذ تعهد خاص للحملة', ففكرة أن الإنسان يعطي وهو مسرور فكرة محورية لدي القائمين بالعطاء, فالقضية هنا هي أن عمل الخير والعطاء ينبع من محبة خالصة للعمل في ذاته, وهي قيمة تصاحب ذوي القيم النبيلة والمبادئ الإنسانية. الملاحظة الثالثة تتمثل في أن العطاء هنا يتم وفق عمل جماعي يلتقي علي القيمة ذاتها, لا يبحث عن شهرة أو ينتظر مكافأة بشرية, أي أن المعطي هنا لا يسعي إلي مردود العطاء, فهو يعطي لأن لديه ما يعتقد أنه يفوق حاجته, سبق لصاحب مايكروسوفت أن أعرب عن رغبته في تقديم معظم ثروته من أجل أعمال الخير مشددا علي أن ما تحتاجه أسرته لا يزيد عن خمسة بالمائة مما في حوزته من أموال, إذن الرجل يتحدث عن تقديم ما يزيد علي أربعين مليار دولار لأعمال الخير. الملاحظة الرابعة والأخيرة حول فلسفة العطاء التي يقدمها أثرياء الولاياتالمتحدة, انهم جميعا كونوا ثراوتهم من أعمال مشروعة, لم يتورطوا في أعمال فساد أو تجارة غير مشروعة, فغالبيتهم من' العصاميين' الذيم كونوا ثرواتهم بجهودهم الذاتية وفي مجالات التكنولوجيا الحديثة. المؤكد أن مبادرة40 من أثرياء الولاياتالمتحدة بتقديم نصف ثرواتهم لأعمال الخير ومن أجل' تحسين أوضاع العالم' تقدم رسالة لرجال الأعمال في العالم, لاسيما في العالم الثالث حيث يتوطن الفقر, الجهل, التخلف, فبمقدور رجال أعمال العالم الثالث أن يجعلوا الأوضاع في بلدانهم أفضل عبر تعلم قيمة العطاء, العطاء المجرد من الحسابات, العطاء بمحبة وسرور, العطاء, لا المن, فهل نشهد مبادرة من رجال الأعمال في مصر أو العالم العربي من أجل تشكيل صندوق وطني أو قومي, يساهم فيه كل ثري بنسبة من رأسماله للنهوض بمشروعات التعليم, الصحية, البيئة... وغيرها من مشروعات تنموية, لا نتحدث هنا عن طريقة تكوين الثروات في مجتمعاتنا... فقط نأمل في رؤية مبادرة علي الطراز الأمريكي, يسبقها التوقف عن تمجيد الذات وأحاديث التضامن والتعاضد..فالقضية هي الفعل لا اجترار معسول الكلام أو دغدغة مشاعر البسطاء...هل نشهد مبادرة كتلك التي دعا إليها بوفيت وجيتس وأسراتهما, ومن الذي يمكن أن يأخذ المبادرة في مصر.