أمين اتحاد المصارف العربية: محافظ البنك المركزي ساهم في تأمين 50 مليار دولار لمصر    في اليوم العالمي للاجئين| مصر تستضيف 10 مليون لاجئ من 62 جنسية مختلفة    موعد مباراة الأهلي وبورتو في كأس العالم للأندية    كومو يخطط لضم موراتا بتوصية من فابريجاس    مكافأة تشجيعية للمتميزين وجزاءات للمقصرين في المنشآت الصحية بالدقهلية    ما هي مخاطر التلوث النووي الناتجة عن هجمات إسرائيل على إيران؟    «زوجتي بطلة وابني ألغى حفل زفافه».. تصريحات نتنياهو تثير غضب الإسرائيليين    وسط هدم مزيد من المباني| جيش الاحتلال يصعد عدوانه على طولكرم ومخيميها بالضفة    مبابي خارج موقعة ريال مدريد ضد باتشوكا في كأس العالم للأندية    إزالة مزارع سمكية مخالفة بجنوب بورسعيد على مساحة 141 فدانا    تعاون بين «الطيران المدني» وشركات عالمية لتطوير البنية التحتية والخدمات الذكية    عمليات بحث مستمرة عن مفقودين بعقار حدائق القبة النهار    ضبط 12 طن دقيق مدعم في حملات على المخابز خلال 24 ساعة    نتيجة الشهادة الإعدادية بكفر الشيخ في هذا الموعد    إصابة 5 أشخاص إثر تصادم ملاكي مع توكتوك في مسطرد بالقليوبية    بالأسماء.. إصابة 18 شخصا فى حادث انقلاب سيارة بطريق ديروط الفرافرة أسيوط    «الصوت الباكي».. الأوقاف تُحيي ذكرى وفاة الشيخ محمد صديق المنشاوي    شيرين رضا: جمالي نعمة حذرني منها والديّ    أُسرة الشيخ أبو العينين شعيشع تُحيي الذكرى الرابعة عشر لرحيله بمسقط رأسه في كفر الشيخ الإثنين المقبل    بروتوكول بين «الثقافة» و الجيزة لإقامة تمثال ل«مجدي يعقوب» بميدان الكيت كات    خطيب الجامع الأزهر: الإيمان الصادق والوحدة سبيل عزة الأمة الإسلامية وريادتها    «الجبهة الوطنية» يعلن تشكيل أمانة إدارة الأزمات والتدخلات العاجلة    طرح البوستر الرسمي لنجوم فيلم "أحمد وأحمد"    رسميًا.. برشلونة يعلن التعاقد مع خوان جارسيا لمدة 6 سنوات    مجلس الاتحاد اللوثري: خفض المساعدات يهدد القيم الإنسانية والتنمية العالمية    بسبب دعوى خلع.. الداخلية تكشف تفاصيل فيديو اعتداء سيدة على أخرى بالدقهلية    وزارة النقل: وصول أول قطار للخط الرابع للمترو مايو 2026.. ودراسة تنفيذ مراحل جديدة    «لا مبالاة؟».. تعليق مثير من علاء ميهوب على لقطة «أفشة»    للأفضل أكاديميا.. إدراج جامعة سيناء بتصنيف التايمز 2025 (تفاصيل)    موقع عبري: مليار شيكل يوميا لتمويل الحرب على إيران    المنظمة المصرية لحقوق الإنسان: واقع اللاجئين اليوم يتجاوز مجرد التنقل الجغرافي    أحمد سعد بعد تعرضه لحادث وتحطم سيارته: "أولادي وزوجتي بخير"    الشيوخ يفتح ملف التنمر داخل المدارس بحضور وزير التربية والتعليم    دون تأثير على حركة الملاحة.. نجاح 3 قاطرات في إصلاح عطل سفينة غطس بقناة السويس    الصحة: فرق الحوكمة والمراجعة تتابع 392 منشأة صحية وترصد تحسنا بمستوى الخدمة    محافظ الإسكندرية يشهد فاعليات الحفل الختامي للمؤتمر الدولي لأمراض القلب    "القابضة لمياه الشرب" تعلن فتح باب القبول بالمدارس الثانوية الفنية    حريق في سيارة نقل محملة بمواد كحولية بالشرقية    وزير الدفاع الإسرائيلى: نواصل مهاجمة المنشآت والعلماء لإحباط البرنامج النووى لإيران    مصر تتدخل بتحرك عاجل لوقف الحرب بين إيران وإسرائيل    "التنمية المحلية × أسبوع" رصد أنشطة الوزارة خلال 13–19 يونيو 2025    فيتسل: سعيد باللعب بعد 6 أشهر صعبة    طائرة في مران ريال مدريد استعدادًا لمواجهة باتشوكا    حملة للتبرع بالدم بمديرية أمن الأقصر    تشغيل مستشفى القنطرة شرق بعد تطويرها بتكلفة 400 مليون جنيه    أسرار استجابة دعاء يوم الجمعة وساعة الإجابة.. هذه أفضل السنن    حسن الخاتمه.. مسن يتوفي في صلاة الفجر بالمحلة الكبرى    القومي للأشخاص ذوي الإعاقة يشارك في احتفالية مؤسسة "دليل الخير"    رئيس وزراء جمهورية صربيا يزور المتحف الكبير والحضارة    إدراج 20 جامعة مصرية في النسخة العامة لتصنيف QS العالمي لعام 2025    محافظ أسيوط يوجه بتخصيص أماكن لعرض منتجات طلاب كلية التربية النوعية    الإسلام والانتماء.. كيف يجتمع حب الدين والوطن؟    وفاة رئيس لجنة ثانوية عامة متأثرا بإصابته في حادث سير بأسيوط    بنجاح وبدون معوقات.. ختام موسم الحج البري بميناء نويبع    أوقاف شمال سيناء تطلق حملة موسعة لنظافة وصيانة المساجد    البوري ب130 جنيه... أسعار الأسماك في أسواق كفر الشيخ    التشكيل المتوقع لمباراة فلامنجو وتشيلسي في كأس العالم للأندية    الاتحاد الأفريقي يعلن مواعيد دوري الأبطال والكونفدرالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البحث عن التمدن
بقلم‏:‏ د‏.‏ حنا جريس

التمدن هو التحول من الحالة الريفية إلي الحالة المدينية‏,‏ وهو ليس مجرد انتقال من الريف إلي المدينة‏,‏ بل إنه تشبع بروح المدينة وأخلاقها وقيمها وثقافتها‏.‏ والمدينة فضاء اجتماعي يحدد روح العصر ومركز قوته‏,‏ ويمكن تعريفها بأنها مراكز تجمع السكان وأدوات العمل والقدرة الثقافية القادرة علي تنفيذ وظائف خاصة تنعكس علي عمارتها وأخلاق سكانها‏.‏
وللمدينة في منطقتنا العربية تاريخ طويل‏,‏ فأول المدن في التاريخ الإنساني كانت في العراق تلك التي تجدها في العبيد وجمدة نصر‏,‏ وأيضا في فلسطين حيث تعتبر مدينة أريحا أقدم المدن في التاريخ‏.‏
في مصر القديمة يبدو أكثر المدن إثارة هي مدينة‏'‏ أخت أتون‏'‏ التي بناها الفرعون إخناتون في منطقة تل العمارنة الحالية‏,‏ والتي هجرت بعد موته مباشرة لتعطينا صورة واضحة للمدينة المصرية القديمة‏,‏ تلك المدينة التي تتكون بالأساس من الإدارة المركزية للدولة المصرية القديمة‏,‏ فالمدينة بشوارعها المستقيمة ومنازلها المتسعة والمنظمة تتمحور حول قصر الفرعون والمعبد الكبير‏,‏ لم تكن هذه المدينة وحدة الإنتاج الرئيسة للمجتمع المصري القديم بل الريف‏,‏ وكانت مهمة المدينة إدارة هذا الانتاج‏.‏
وأول صدمات التغيير التي أصابت المجتمع المصري تلك التي صاحبت تغلغل الإغريق في النسيج الاجتماعي المصري منذ القرن السادس قبل الميلاد‏,‏ فقد جاء الإغريق إلي مصر تجارا ومحاربين مرتزقة في الجيش المصري وأسسوا أول المدن الإغريقية في مصر‏,‏ وفي الدلتا أسسوا مدينة نقراتيس‏'‏ نقراش الحالية‏'‏ لتتوالي بعدها المدن ذات الطابع الإغريقي علي طول النهر‏,‏ من الأسكندرية إلي أنتينوبوليس في الشيخ عبادة بسوهاج‏.‏
هذه المدن الإغريقية حملت ثقافة مغايرة ووظائف جديدة‏,‏ فالمدينة الإغريقية تتمحور حول المسرح والجيمانزيوم والسوق‏'‏ الأجورا‏'‏ وهي تتكون من السادة المواطنين الأحرار وتتحلي بأخلاقهم التحررية‏.‏ غير أن هذه المدن كانت تمثل كل ما هو سلبي بالنسبة للمصريين فهي مدن الأرستقراطية الأجنبية التي أذلت الفلاح المصري علي مدي الأعوام والقرون ومن ثم كان الانتقام المصري من المدينة الإغريقية عنيفا‏,‏ فقد اتخذ الصراع الاجتماعي‏/‏ الوطني بعدا دينيا بعد أن اعتنق المصريون المسيحية‏,‏ والمطالع للصراع الديني ثم المذهبي بين المصريين وحكامهم الرومان يستطيع أن يري بوضوح كيف أن رفض المدينة الأغريقية وثقافتها كانت في قلب المعركة‏.‏
تغيرت المدينة مرة أخري عندما دخل العرب مصر‏,‏ فالمدينة في العصور الإسلامية وظيفتها الأساسية التواصل مع مختلف أرجاء المحيط الإسلامي‏,‏ فهي مركز التجارة بوكالاتها وخاناتها وخانقواتها‏,‏ وهي مركز تجمع الجنود بقلاعها وقصورها وساحاتها‏,‏ وهي في النهاية مركز التبادل الثقافي الإسلامي بجوامعها ومدارسها‏.‏ ومن ثم كانت مركز حركة منفصلا بالكامل عن الريف‏.‏ ونقطة الاتصال الوحيدة تمثلت في قدرة بعض أفراد من العائلات القوية في الريف التي كانت لها القدرة علي الدفع ببعض أبنائها إلي مركز الحياة الثقافية والدينية في المدن وبالتحديد الأزهر الشريف‏.‏
غير أن حالة الازدهار التي شملت العديد من المدن المصرية في الخلافة الأموية والعباسية والفاطمية والأيوبية والمماليك التي ازدهرت فيها مدن مثل الفسطاط والقاهرة وتانيس ورشيد ودمياط وقوص وجرجا وغيرها‏,‏ سرعان ما ذهبت في سبات عميق مع الخلافة العثمانية‏,‏ فعلي مدي أربعة قرون تراجعت الحياة المدينية في الثقافة المصرية‏,‏ بل إن بعض المدن اختفت من التاريخ‏,‏ وبعضها اختفي من التاريخ والجغرافية معا مثل مدينة تانيس‏.‏وأكثر الصور بلاغة لتدهور المدينة المصرية في العصر الاسلامي تلك الدراسة الهامة التي كتبها جومار الفرنسي وأحد علماء الحملة الفرنسية علي مصر‏,‏ ففي دراسته تكاد تستشف قوة واصالة المدينة الهائلة القاهرة‏,‏ ومدي الانحطاط الذي وصلت إليه عندما كتب هو عنها‏.‏
وعندما بدأت مصر رحلة النهضة كان عليها أن تبدأ من جديد حضارة مدينية‏,‏ ولكن هذه المرة بشروط الحداثة الأوروبية‏,‏ فقد تغير شكل العالم وأدوات انتاجه ومنتجاته و وتغيرت معه وظيفة المدينة التي أصبحت نقطة ارتكاز الطبقة الوسطي وإبداعاتها في مختلف المجالات‏.‏
وعلي مدي القرن التاسع عشر و النصف الأول من القرن العشرين‏,‏ أعيد بناء القاهرة والإسكندرية ومدن القناة وعواصم المحافظات الكبري في مصر طبقا للنموذج الحداثي لتشكل نقطة إنطلاق للتطور والتقدم‏,‏ وتكاثرت بها المدارس والعمارات والشوارع المستقيمة والأرصفة وأعمدة الإنارة والميادين وإشارات المرور‏,‏ لتشكل كلها نقاط جذب ترفع الطلب علي المدينة وأخلاقها‏,‏ غير أن الذي حدث جاء علي النقيض‏,‏ فقد تراجعت قيم التمدن وتدهورت المدن كلها بشكل غير مسبوق‏.‏
كل هذا التاريخ مع المدينة والمدنية و التمدن المصري والأغريقي والإسلامي والحديث انهار في الأعوام الخمسين الماضية تحت وقع ضربات التزييف المتتالية وإعلاء أخلاق الفوضي والانحطاط‏,‏ فكيف حدث هذا ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.