كان هذا عنوان المؤتمر الذي حضرته, علي مدي أيام ثلاثة في الفترة من23 حتي26 من يوليو الجاري بمدينة الغردقة. وقد اشترك في المؤتمر نخبة من الأساتذة والمفكرين والمثقفين والصحفيين المصريين علي اختلاف انتماءاتهم السياسية والحزبية, علي اعتبار أن تدعيم قيم الشفافية والنزاهة ومحاربة الفساد هي قضية قومية من الدرجة الأولي تعلوعلي الانتماءات السياسية والحزبية المحدودة والضيقة, وقد ناقش المؤتمر علي مدي أيامه الثلاثة عددا من الدراسات الميدانية وأوراق العمل التي أشرف عليها مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام. ومن تلك الأوراق والدراسات' اللامركزية ومحاصرة الفساد في المحليات, وتأثيره علي المشروعات الصغيرة والمتوسطة' ودراسة' الشفافية في المشتريات والمشروعات الحكومية لضمان المنافسة المتكافئة للأعمال الصغيرة والمتوسطة', ودراسة:' في مواجهة البيروقراطية: الإصلاح الإداري وتحسين مناخ الاستثمار', و' بيئة أعمال المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مصر وعلاقتها بالإدارات الحكومية', و' حرية المعلومات والشفافية في مصر', و'مهارات التحقيق الصحفي'. وطبعا لايمكن أن نعرض لكل تلك الدراسات ومن هنا فسنعرض لواحدة من أهم تلك الدراسات وهي بعنوان:' مدركات المواطنين المصريين حول الشفافية والفساد' والذي استند إلي مسح ميداني علي عينة ممثلة للمجتمع المصري يصل عددها إلي1800 مواطن, وتناول البحث عددا من القضايا الهامة كان منها استطلاع رأي المصريين حول أهم مشكلات مصر في الوقت الراهن حيث أجاب40% منهم بأن البطالة هي أول تلك المشكلات تليها الأسعار بنسبة28% فالفقر والرعاية الصحية وغيرها بنسب أقل. وحول ما ينبغي أن تكون عليه أولويات الإصلاح الحكومي جاءت مشكلة البطالة أيضا في المرتبة الأولي تليها مشكلة الفقر ثم الفساد ثم تطوير التعليم. وفيما يتعلق بوضع الديمقراطية في مصر بين البحث ان هناك اختلافا كبيرا في تقييم المصريين لذلك الوضع وعموما فان هناك حوالي22% من المصريين يضعون مصر في منتصف الطريق الي الديمقراطية وتري نسبة تصل الي36% ان مصر تحتل مكانة دنيا في الطريق الي الديمقراطية, اما حول تقييم الوضع الراهن من الناحية الديمقراطية مقارنة بالوضع منذ ثلاث سنوات فيري52% من المصريين ان حالة مصر الان افضل من حالها فيما سبق في هذا المجال ويري56% ان الوضع سيكون افضل في المستقبل, بينما يري16% فقط ان الوضع سيصير الي اسوأ, اما فيما يتعلق بالنظام الاقتصادي فقد فضلت نسبة تصل الي62% من المصريين نظاما اقتصاديا تلعب فيه الدولة والقطاع العام دورا اكبر, ومن الغريب كما تري الدراسة انه علي الرغم من مرور حوالي ثلاثين سنة علي بدء تغيير اتجاه الدولة الاقتصادي نحو اقتصاد السوق فان معظم المصريين لايزالون يفضلون النموذج الاقتصادي الذي يكون للدولة وللقطاع العام الدور الاكبر ولعل ذلك يرجع الي الفشل في تطبيق التحول الي اقتصاد السوق وحول البلد الذي ينبغي ان تتخذه مصر نموذجا لها فضلت اكبر نسبة من المفحوصين وقدرها83% المملكة العربية السعودية تليها اليابان بنسبة20% فالصين14% ثم الولاياتالمتحدة بنسبة11% وتشير هذه النتائج إلي التجربة المباشرة للمصريين نظرا لأن عدد المصريين الذين يسافرون إلي المملكة العربية السعودية يفوق عدد المصريين الذين يسافرون إلي أي بلد آخر. وفي حين زار61% من الذين شملهم المسح الميداني المملكة العربية السعودية في السنوات الخمس الماضية, فإن أقل من1%(9.0%) فقط زاروا بلدا أوروبيا في نفس الفترة و2% فقط زاروا الولاياتالمتحدة اما فيما يتعلق بالدراسة التي قدمها الاستاذ عبد الغفار شكر وتناولت اللامركزية ومحاصرة الفساد في المحليات فكان من اهم ما توصلت اليه أن القطاع الخاص يعتبر طرفا رئيسيا في الفساد المنتشر بوحدات الإدارة المحلية حيث يتعلق الأمر بتنفيذ آلاف المشروعات الخدمية والتنموية من خلال المناقصات والأمد المباشر وهو مجال خصب للتلاعب من قبل كبار وصغارالمسئولين بالإدارة المحلية. بلإننا نلاحظ في العديد من الحالات أن الأعضاءالمنتخبين في المجالس الشعبية المحلية طرف في هذه الانحرافات, وقد شكا بعض المحافظين والمسئولين بالإدارة المحلية من تدخل هؤلاء الأعضاء للضغط من أجل اختراق القوانين لمحاباة المقاولين والموردين الذين تتعاقد معهم موحدات الإدارة المحلية ومديريات الخدمات التي يدخل نشاطها في نطاق الإدارةالمحلية مثل الصحة والتربية والتعليم والزراعة والشباب والطرق والإسكان... الخ. ويساعد علي انتشار الفساد في المجتمع المصري عوامل عديد منها: ضعف الشفافية وغياب الإفصاح عن المعلومات الخاصة بالدولة ونشاطها الاقتصادي وأمورها المالية والذمة المالية لكبارها مما يمكنهم من اختراق القانون والإخلال بالالتزامات الوظيفية بغرض تحقيق كسب غير مشروع. ضعف أوغياب المساءلة الحقيقية لكبارالمسئولين ويرتبط هذا عادة بضعف أو غياب المشاركة السياسية الشعبية. انخفاض مستوي دخول الموظفين العاملين بالدولة وإداراتها والإدارة المحلية وتكون أقل مما يضمن حياة كريمة. منح كبار موظفي الدولة والقطاع العام صلاحيات كبيرة في إعطاء التراخيص والوثائق الرسمية دون وجود رقابة شعبية ورسمية فعالة. وتخلص الدراسة الي ان محاصرة الفساد في المحليات تتطلب إعادة تنظيم الإدارة المحلية وفق أسس جديدة تكفلت حويل الإدارة المحلية إلي نظام حكم محلي شعبي حقيقي يقوم علي اللامركزية التي تتطلب نقل السلطة فيما يختص بالتنمية المحلية والمرافق العامة والخدمات من السلطة المركزية إلي سلطة الحكم المحلي والتي تتشكل بالأساس من مجالس شعبية في كل مستوي من مستويات الحكم المحلي وذلك تأكيدا لحق السكان في مجتمعاتهم المحلية في إدارة شئونهم المحلية بأنفسهم.