من أين أبدأ.. وكيف تكون نقطة الانطلاق..؟! الكتابة عنها تشبه كثيرا من يذهب بكوب إلي المحيط الهندي حالما بالعودة وقد امتلأ الكوب بكل ما تحمله المياه من أسرار وغموض وأساطير..!! غارقة.. في متاهة لا أول لها من أخر..!! حائرة.. وأظن أنها الحيرة التي تنتاب كل من يفكر بالاقتراب من هذا البلد الذي يحمل معه ملفا ساخنا شائكا محاطا بأكاليل من الأقاويل والتخمينات التي ربما تحمل معها مفاهيم تصل إلي حد المغالطات في كثير من الأحيان. انها.. البلاد التي تربطنا بها علاقات تاريخية ودينية وسياسية تحمل صفة الأصالة والعراقة.. هي.. بلاد الحبشة..!! أعترف وأعلنها صراحة أننا منذ اللحظة الأولي التي اتخذنا فيها قرارنا بالترحال إلي أثيوبيا كان ملف مياه نهر النيل ومايدور حوله من مناقشات ومناوشات ومفاوضات في مقدمة برنامج عملنا الصحفي بل هو الأساس.. وكيف لايتصدر النهر العظيم برنامجنا وهو ذاك الهادر الغامض الاسطوري الحضاري التاريخي يعد بمثابة الحياة بكل ماتحويه من شرابين وأوردة لكل مواطن مصري يعيش علي هذه الأرض.. بل هو يرقي ايضا ليصنفه البعض بأنه أمن قومي واستراتيجي لمصر!! نريد أن نفهم.. لعلنا نستطيع أن ننقل لك قارئ سطورنا مافهمناه ومارصدناه وماحللناه..!! نريد أن نعرف الحقائق من علي أرضها.. وليس نقلا عن فلان أو علان!! نريد أن نجيب عن العديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام التي حاصرتنا طوال الفترة الماضية.. وبالتأكيد حاصرتك أنت اذ انك استشعرت بأن هناك خطرا حقيقيا يحوم حول نقطة المياه التي تروي ظمأك وظمأ اولادك..! ربما قد تكون سألت نفسك مثلما سألنا نحن أنفسنا.. هل يمكن لنا أن نقوم من نومنا الهاديء يوما ما لنجد نهر النيل وقد محي.. مات.. جفت مياهه ليعلن وفاتنا بل وفاة بلدنا قبل الأوان..؟! ماذا يحدث من حولنا سيدي القاريء.. ماهي حكاية الخلافات بين دول المنبع وهي أثيوبيا, كينيا, واوغندا, الكونغو, تنزانيا, رواندا, بوروندي, وبين دول المصب مصر والسودان وهل تري دول المنبع أن مياه نهر النيل وهو أطول أنهار العالم6695 كم التي تنبع من اراضيها من حقها وحدها وملك لها وأنها يجب أن تستفيد بشكل اكبر منها بل وتعقد اتفاقيات فيما بينها وتوقع عليها دون موافقة مصر.. هل تريد هذه الدول بالفعل قطع مياه نهر النيل عنا.. هل تريد التقليل من حصتنا في المياه التي تصل إلي55 مليار متر مكعب؟ هل جاء بالفعل اليوم الذي نشهد فيه بلاد الحبشة التي ربطتنا بها روابط أبدية تاريخية وقد شكلت الآن خطرا علي حياتنا وأمننا القومي؟! وماهي حكاية السدود التي تنوي اثيوبيا اقامتها وماهي علاقة اسرائيل بالحبشة اساسا وهل يقترب عدونا الأبدي من ملف مياه نهر النيل..؟! وأخيرا.. هل هناك من يدق طبول حرب قادمة.. لوضع الأمور في نصابها وتوضيح الكثير من الحقائق للرأي العام المصري والأثيوبي ثم أننا لسنا في موضع اتهام أو دفاع عن النفس ونحن بين ايديكم وأنتم تملكون حق الرد.. ثم أننا نعتقد أن تاريخنا بيننا وبينكم يستحق الترحيب بنا في بلدنا الثاني أرض الحبشة. يبدو أن حديثنا معهم جاء بنتائج ايجابية.. اذ تغيرت الوجوه وتبدلت الملامح وانفتحت القلوب ودارت الحوارات معهم بشكل حر وبه الكثير والكثير من السلاسة والشفافية..!! استطعنا أن نلحظ منذ اللحظة الأولي للقائنا مع كم من المسئولين والوزراء الأثيوبيين حالة من العتب الشديد علي الاعلام والصحافة المصرية وقد أجمع معظم الوزراء بداية من جيرمابيريو وزير التجارة والصناعة و أصفاو دينجامو وزير الري ومارتو رئيس هيئة الاستثمار الأثيوبي انهم يحترمون ويقدرون الصحافة المصرية وخاصة مؤسسة الأهرام ولكنهم فوجئوا بكم من الهجوم الضاري والعنيف والقاء اتهامات فيما يتعلق باتفاقيات النيل وتعامل اثيوبيا مع اسرائيل استمعنا اليهم بصدر رحب ولكن كان علينا الرد باحترام وهدوء كان ردنا يتلخص في أننا قطعنا كل هذه المسافة لسماع الصوت الأثيوبي بداية أحاديثنا كانت مع جيرما بيريو الذي اشتهر بشعاره الذي يرفعه لن أخسر أحدا يخدم أثيوبيا وهو وزير التجارة والصناعة الأثيوبي والذي أجابني عن تساؤلي فيما يخص استثمارات الصين في اثيوبيا وسر قوة العلاقة بينهم والصين قائلا.. ان العلاقات بيننا تمتد لما يقرب من40 عاما ومع قدوم الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الاثيوبية عام1992 بدأت العلاقات تأخذ منحني آخر يسعي فيه الطرفان للتعاون الفعلي ودخلت الصين لدينا بثقلها المادي والاستثماري في العديد من المجالات أهمها.. اقامة جميع المشروعات الخاصة بالاتصالات التليفونية والبنية التحتية الخاصة بحديقة تكنولوجيا المعلومات وعلي المستوي الصناعي قامت شركة صينية بتجميع سيارات الركوب تحت اسم الأباي رجوعا لاسم النيل الأزرق. وحصلنا علي قرض بقيمة400 مليون دولار لتنفيذ مشروعات البنية التحتية والطاقة والنقل والمواصلات وتم افتتاح مصانع لانتاج الزجاج بلغت قيمة استثماراتها35 مليون دولار ثم أن الصين هي المحتكر الأول لجميع مشروعات الطرق والكباري لدينا. * قلت له.. ولكن الا تري أن هناك شبه احتكار للاستثمارات في اثيوبيا من قبل الصين؟ * أجابني.. من الغباء أن أسد ابوابي في وجوه الصينيين هم يفيدون بلدي وايضا يربحون.. فلماذا لا افتح لهم الأبواب. سألته.. إذن انتم تفتحون الابواب لاسرائيل باستثماراتها ايضا لأنها تفيدكم. قاطعني مبتسما.. السياسة الاثيوبية لها اسس ثابتة تقوم عليها نحن نتعاون مع جميع دول العالم علي نفس المستوي. ونتعاون مع اسرائيل في المجال الزراعي وهذا لاعلاقة لها بما تفعله مع العرب والفلسطينيين نحن دولة تحاول ان تعيد بناء نفسها في كل المجالات واذا كان لاحد ان يطرق ابوابنا ليساعدنا ويستثمر امواله لدينا فبأي منطق ارفض أو أغلق في وجهه الباب. * قلت له.. ولكن مصر بدأت في فتح اسواق عندكم. * بسرعة وبلا تردد.. ولكن مصر مع احترامي وتقديري تأخرت كثيرا في اللحاق بالركب.. لقد سمحت مصر بدخول أطراف آخري وبلدان متعددة ان تدخل في قلب الاقتصاد الاثيوبي. ولكن ربما يتم الآن تعويض ما فات فهناك العديد من المشاريع المصرية مثل السويدي للكابلات ومواسير المياه التي يشرف عليها رجل الاعمال المصري النشيط أيمن عيسي.. قبل ان يغادر جيرما بيريو من الجلسة قلت له ؟ أن اسالك سؤالا صريحا حول الخلافات بين مصر ودول الحوض.