من يتمني لليهود داهية تنزل علي رؤوسهم, فما عليه إلا أن يتمني أن تظل دولة إسرائيل في فلسطين محافظة علي صورتها الراهنة, ذلك لأنها سوف تسوم اليهود كلهم لا الصهاينة فحسب عذابا كبيرا, وسوف تؤدي آخر الأمر علي مايبدو باعتبارها شركا محكما من أشراك الفئران إلي إبادة الإسرائيليين الكاملة. هذا ما انتهي إليه الدكتور فرانتس شايدل في كتابه إسرائيل أمة مفتعلة.وقد مثل شايدل علي وجهة نظره هذه بأنه قد انهارت بالمغامرات القومية شعوب أكبر وأشد بأسا وأحكم بنيانا من هذه الحفنة من الإسرائيليين, التي سفتها الريح من كل أنحاء العالم إلي فلسطين. ومن هذا التركيب المصطنع لأمة يهودية, ذلك التركيب الذي يتردي في كل المهاوي, وكانت آخر حلقاته واخطرها, خروج عشرات الآلاف من اليهود الغربيين( الاشكنازيم) متظاهرين في القدس وتل أبيب, ضد حكم بعدم فصل أبنائهم عن أبناء( السفارديم) من أصل عربي وإفريقي في صفوف التعليم الإسرائيلي, مما يضفي مزيدا من الانشقاقات داخل المجتمع الإسرائيلي, والتي واكبته منذ ظهوره علي مسرح التاريخ, وعند هذا الحد نجد العون في بعض آراء علماء الانثروبولوجيا في هذا الموضوع, الذي كانت فيه للدكتور( شايدل) آراء تمتاز بالإحاطة والشمول, ومن ذلك قوله: لابد للمرء أن يكون قد رأي نماذج اليهود المختلفة اختلافا أساسيا, ورأي الألوان والأعراق التي ينتمي إليها اليهود الذين سفتهم الريح من كل أنحاء العالم نحو فلسطين, والذين ينتمون بموجب الإحصاء اليهودي نفسه إلي( مائة وخمسة بلدان) وإلي( أربعين مجالا ثقافيا) وإلي أكثر من( ثمانين شعبا مختلفا ولغة أصلية) من أجل فهم مدي الجنون القومي اللامحدود, الذي يحاول به الصهاينة المجانين أن يقنعوا أنفسهم وأن يقنعوا العالم, بأن هؤلاء البشر عرق واحد وأمة واحدة يحتاجان دولة قومية خاصة, حتي إن هؤلاء الصهاينة ليبعثون الجنون في العالم كله, للإيثيرونه في صفوف اليهود أنفسهم بهذا المطلب الجامح, وينشرون الاضطرابات في العالم. إنه لمن الخطأ الأساسي, إعلان أن اليهود المبعثرين في أنحاء العالم كله أمة واحدة, فاليهود مجموعة دينية, وليسوا أبدا بمجموعة قومية ولا عرقية, إنهم لايشكلون أبدا وحدة قومية أو عرقية, لامن الوجهة الطبيعية, ولا من حيث الأصل. فهناك يهود شقر في البلدان الغربية, وذوو شعر أجعد في الحبشة, وذوو بشرة غامقة في الهند. وغامقة جدا في بلاد التاميل جنوب الهند, ويهود صفر في الصين, وفي الولاياتالمتحدة يهود سود. ويدعم شايدل أقواله بطائفة من آراء العلماء الثقات ومنهم فريد ريش هيرتس في كتابة الشهير العرق والحضارة الذي انتهي بناء علي أبحاثه إلي نتيجة فحواها: لايوجد عرق يهودي ويكتب أو يجين بيتارد في كتابة العرق والتاريخ قائلا: يمثل اليهود جماعة دينية واجتماعية, لاريب أنها مترابطة وقوية جدا, غير أن عناصرها متباينة إلي أبعد الحدود. ولايوجد عرق يهودي. وقدم لوشان مقالات مهمة, وضعت حجر الأساس الانثروبولوجيا اليهودية من خلال كتابة شعوب وأعراق ولغات وقد انتهي إلي أن اليهود قد دخلوا التاريخ باعتبارهم شعبا هجينا, وأنهم لم يتوقفوا منذ ذلك الوقت عن الاختلاط بجيرانهم وشعوبهم المضيفة علي اختلاف العصور اختلاطا جذريا إلي أبعد مدي. ويقدم سالر في كتابه عداء اليهود سلسلة كاملة من الشعوب التي اختلطت باليهود, ويكتب قائلا: وتؤيد أحكام لوشان سلسلة كاملة من الدراسات الأخري, نكتفي منها بقول وليم شلام في كتابه من هو اليهودي : لقد منيت الرغبة في تحديد اليهود تحديدا عرقيا بإخفاق سريع أمام أعيننا, هو إخفاق لن يسمح لأحد بالإقدام علي تلك المحاولة في المستقبل ويفصل فيشبرج في كتاب السمات العرقية لليهود في هذه المسألة بقوله: ليس تجانس اليهود العرقي إلا أسطورة, فقد كانت اليهودية ولاتزال دينا, غير أنها لم تك قط عرقا وفي نفس المعني أكد ريلي أن ليس اليهود جنسا, بل مجرد ناس بكل بساطة. وعلي هذا الحكم الحاسم يعلق مؤلفو كتاب نحن الأوروبيون وهم جوليان هكسلي وهادون وكارسوندرز: ونحن نعتقد أنه علي صواب أن اليهود لايمكن أن يصنفوا لا كأمة ولا حتي كوحدة اثنولوجية, بل هم بالأحري مجموعة اجتماعية دينية, تحمل قدرا كبيرا من عنصر البحر الأبيض المتوسط والأرمني وغيرها كثير, وتتفاوت تفاوتا عظيما في الصفات الجنسية. وقد جاء الفصل في قول العلامة( لامبروز): إن اليهود المعاصرين أقرب إلي الجنس الآري من الجنس السامي, وإنهم طائفة دينية تميزت بمميزات اجتماعية واقتصادية, وانضم إليها عبر القرون أناس ينتمون إلي شتي الأجناس البشرية, وبينهم عدد من سكان الحبشة ومن الألمان الآريين ومن التاميل من الأقوام الهندية ومن الخزر من الجنس المغولي, ثم دفعتهم الهجرات البشرية الي أوروبا الوسطي والغربية. ومن الجدير بالتنويه إليه هنا, أن هذا الاتجاه, لم يقتصر علي علماء الانثروبولوجيا الغربيين فحسب. بل شاركهم فيه بعض العلماء الاسرائيليين مثل شلوموزاند في كتابه متي وكيف تم اختراع الشعب اليهودي والذي يؤكد من خلاله كذب المقولة بأن هناك شعبا يهوديا, بل فقط ديانة يهودية, ويخلص إلي رفض كل النصوص والقصص التوراتية التي تشير إلي الهوية القومية اليهودية. بما في ذلك الخروج من مصر وغزو فلسطين أيام موسي, وقال: إن كل تلك القصص لاتعدو كونها أساطير غير صحيحة تستخدم ذريعة لإقامة الكيان الصهيوني في فلسطين. ووفقا لهذا النسق من الأفكار يذكر العالم الاسرائيلي( توم سيجف) أن الصهاينة كانوا في حاجة لايجاد عرق مشترك واستمرارية تاريخية, وهو ما أسفر عن سلسلة من الأكاذيب. وهذا كله يسخف الادعاءات الصهيونية ومفاهيمها, بأن اليهود يكونون شعبا واحدا من عرق واحد وقومية خاصة, كما يسخف الحق التاريخي لليهود في فلسطين.. وهكذا بات الرأي العام العالمي في وضع, لايدري معه أهو في مأساة أم ملهاة, حين يدعو نتنياهو وبطانته إلي الاعتراف بالدولة اليهودية الخالصة, في الحين الذي يطالب فيه اليهود الغربيون بفصل أبنائهم عن أبناء اليهود الشرقيين( السفارديم) في التعليم. ناهيك عن الصراع الدائر في المجتمع الإسرائيلي بين المتدينين والعلمانيين, والأثرياء في مواجهة الجوعي, واليمين ضد اليسار.