إن إسرائيل دولة مارقة, يحكمها زعماء بلا مبادئ, ينتهكون القانون الدولي, ولم يعودوا يؤمنون إلا بالقوة العسكرية الغاشمة, باعتبارها الطريق الوحيد الفعال لتحقيق أهدافها التوسعية في فلسطين وماجاورها وهذا الكلام لافي شلايم أستاذ العلوم السياسية بجامعة اكسفورد إن كان ينطبق علي شيء إنما ينطبق علي السيرك السياسي, الذي تفاقمت ألاعيبه علي مسرح السياسة أخيرا في إسرائيل, وكان آخرها تصريح افيجيدور ليبرمان الذي يؤكد فيه استحالة توقيع أي اتفاق مع السلطة الفلسطينية, معتبرا أن حكومتها غير شرعية وغير مستقرة هكذا وبعد حوالي19 سنة من المفاوضات السياسية حول حل الدولتين ابتداء من مؤتمر مدريد عام1991, وانتهاء بالمفاوضات المباشرة وبعد مبادرات لاحصر لها نجد أنفسنا بازاء حكومة حرب معادية, ترفض أي تسوية. وجدير بنا أن نذكر في هذا المعرض مايراه المعلق الإسرائيلي ايبان هابر من أن طريقة الحكم في إسرائيل, تفتح الطريق أمام كل وغد لكي يصبح ملكا..وفي هذا الصدد يؤكد نيفي جوردون أستاذ العلوم السياسية بجامعة( بن جوريون) أن نتائج الانتخابات الأخيرة, قد شهدت بوضوح علي أن الأغلبية الكبيرة من النواب المنتخبين يعارضون أي اتفاقية سلام إسرائيلية فلسطينية تقوم علي حل الدولتين وعلاوة علي أن لبعض الأحزاب ميولا فاشية. وجريا علي هذا النسق من الأفكار كانت إحدي الصحف البولندية قد اعتبرت اختيار ليبرمان وزيرا للخارجية بمثابة انتحار للدبلوماسية الإسرائيلية. اعتقد أن هذا الكلام صحيح في مجمله وأقصد أنه يتفق مع شخصية ليبرمان الذي كان يعمل بلطجيا في كباريه وثمة من يتهمه بأنه انخرط في إطار المافيا السوفيتية قبل أن يقرر الهجرة إلي إسرائيل عام1978 م. ونستطيع القول علي وجه اليقين, أن المهن التي مارسها في شبابه, قد ألقت بظلالها علي شخصية ليبرمان كهلا سياسيا وتلميذا نجيبا لكل من جابوتنسكي ومناحيم بيجن كأخطر المفجرين للطاقة الصهيونية المتفجرة بسعير الدمار والكراهية, ونستطيع أن نستمر طويلا في ضرب الأمثلة الدالة علي ذلك منها المطالبة مرارا بضرب السدالعالي بالقنابل النووية والتطاول علي مصر وقيادتها بل المطالبة بضرب إيران بالقنابل النووية, وفوق هذا وذاك, يري أن حل مشكلة غزة وحماس, يأتي عبر إلقاء قنبلة نووية عليها, كما يعتبر من غلاة الصهاينة الرافضين لحل الدولتين وتهويد دولة إسرائيل, وطرد فلسطينيي1948, وعدم الانسحاب من هضبة الجولان. كما تبرز نفسية ليبرمان الغاصة بالعنجهية الحقودة, من خلال إهانة السفير التركي إلي تل أبيب قبل جريمة أسطول الحرية وخلالهاوبعدها مما أدي إلي تدهور العلاقات الحميمة بين البلدين, والتي كانت من أقدم العلاقات وأوثقها وتوج ذلك بوصفه أردوغان ووزير خارجيته بالكاذبين الوقحين...وهكذا تفوق ليبرمان في الدناءة والخبث والتفاهة والوقاحة التي يشوبها جمعاء التصلت والتعصب والاستعلاء حتي علي النازية والفاشية نفسها, فاستحق بجدارة اللقب الذي تطلقه عليه اليوم الأوساط الإسرائيلية راسبوتين إسرائيلالذي بات يمثل أداة هدم فعالة للأمن القومي الإسرائيلي, وهذا بدوره جدير بأن يفسر لنا دعوات حوالي الألف من النخب الثقافية والسياسية في إسرائيل لإقالة ليبرمان بسبب تصريحاته السياسية المستفزة حول تركيا والسلطة الفلسطينية وتتضح خطورة هذا الأمر إذا أخذ مرتبطا بتقرير المخابرات الأمريكية بتوقع انهيار اسرائيل خلال حوالي عشرين عاما..وجدير بنا ألا نسقط من حسابنا المبادرة التي قامت بها بعض دول أمريكا الجنوبية بالاعتراف بدولة فلسطين وثمة دول كثيرة مرشحة لمثل ذلك مما دعا أحد أبرز قادة الكيان الصهيوني الي القول: إنه لن يمر أكثر من عام حتي تعترف دول العالم جمعاء بهذه الدولة وعلي رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية وتستدعي هذه الحقيقة كما يستدعي هذا الموضوع بعض التفسير. ذلك أن علم الآثار صناعة غربية صهيونية صميمة, كان الهدف منه اختلاق إسرائيل القديمة, واسكات التاريخ الفلسطيني, ومن أجل ذلك فكم من الجهود الجبارة قد بذلت ومن الأموال الطائلة قد أهدرت بلا أي طائل, إذ لم يعثر علي أثر يثبت أي وجود لليهود في فلسطين بل أثبت بالأدلة الآثارية, أن وجود أسلاف الفلسطينيين علي البقعة من الأرض المسماة بفلسطين هو أقدم وجود علي وجه الأرض, استمر لمئات الألوف من السنين, وبالنتيجة بات علم الآثار يشكل عامل فناء للحق التاريخي المزعوم لليهود في فلسطين فكل أثر جديد يكتشف يعمق الهوة بين أساطير التوراة وحقائق التاريخ, ويضيف الكثير من الارباكات لدعاة يهودية دولة إسرائيل, ولا أجد مثلا أضربه خيرا مما توصل إليه المؤرخ والانثروبولوجي الإسرائيلي شلوموزاند وفحواه إن الإكتشافات الآثارية الحديثة,قد أكدت كذب المقولة بأن هناك شعبا يهوديا. ورفض كل النصوص التوراتية التي تشير إلي الهوية القومية اليهودية واعتبرها مجرد أساطير تستخدم ذريعة لإقامة الدولة الإسرائيلية. وبناء علي ذلك وتخريجا عليه, أتت الحملة المسعورة من قبل العديد من زعماء الكيان الصهيوني وعلي رأسهم نتانياهو حول يهودية دولة إسرائيل والتي يغلفونها بالحرب الدينية, بعد أن تهاوت الحرب التي كانت دائرة علي جبهة علم الآثار وهكذا تغيرت أدوات الصراع, فبعد أن سقط قناع أهم مرتكزات وجودهم وهو الحق التاريخي المزعوم لليهود في فلسطين استعاضوا عنه بحق القوة العاشمة, ومن هنا وعلي هذا الأساس, أطلق الحاخام الإسرائيلي المعروف شلومو جورين فتواه التي تنص علي أن منح الغرباء الذين يقيمون في الأرض المقدسة يعني إنكار الدين اليهودي والخروج عليه الأمر الذي يبيح قتل المارقين الذين يخالفون أوامر ونواهي هذا الدين ويقصد بهم من هم علي شاكلة شلوموزاند. وعندهذا الحد نجد العون فيما ارتآه فرانس شايدل في كتابه إسرائيل أمة مفتعلة بأن من يتمني لليهود داهية تنزل علي رؤوسهم فماعليه إلا أن يتمني أن تظل دولة إسرائيل في فلسطين محافظة علي صورتها الراهنة, ذلك لأنها سوف تسوم اليهود كلهم لا الصهاينة فحسب عذابا كبيرا,وسوف تؤدي آخر الأمر باعتبارها شركا محكما من أشراك الفئران إلي إبادة الإسرائيليين الكاملة...لقد انهارت بالمغامرات القومية مجموعات أكبر وأحكم بنيانا, وأشد بأسا من هذا الركام المتنافر من اليهود, الذي سفته الرياح من كل صوب وحدب وحشرته في إسرائيل الفلسطينية.